مقالات مختارة

جرائم الوحش الجريح

الأناضول
محاولة مواصلة الإبادة الشاملة في غزة من طرف الكيان المجرم المطلوب للجنائية الدولية، هو هروبٌ إلى الأمام وقفزٌ على المطبّات والحواجز، مخافة السقوط والانتحار سياسيًّا قبل أن يقاد إلى العدالة المحلية حتى قبل العدالة الدولية.

هذا ما يفسِّره الجميع ويفهمه الجميع وباتت لدى الجميع القناعة نفسها والرأي ذاته تقريبا، في داخل الكيان كما لدى الإدارة الأمريكية، ناهيك عن دول العالم بأسره.

المعروف عن المجرم أنّه إذا ما عظمت جرائمه، لن يتوقف عن سفك الدماء إلا مقابل نهاية مشرِّفة له، وغالبا لن تكون كذلك، أو الانتهاء آجلا، بشكل مأساوي. هو منطق الحيوان والوحش والخنزير البري ذاته، عندما “تتكالب” عليه الرماح من كل حدب وصوب، يتحوّل إلى وحش كاسر، أكثر شراسة وأكثر نذالة وخسّة وأكثر تخريبا.

نتن ياهو يعيش هذه المرحلة تماما، ويعي ذلك مثلما، يعيها الداخل الصهيوني، لاسيما المعارضة، أما اليمين الديني التوراتي، المسكون بهوس الإبادة ضد الأغيار المناوئين لهم ولحكمهم ولجنسهم “المختار”، فهم سنده وذخيرته ودعامته في الحكومة كما في الكنيست، رغم أن حكومته باتت تقف بطّة عرجاء قابلة للانهيار في أي لحظة، خاصة بعد خروج حزب “شاس” الديني من الائتلاف الحكومي، الذي يُبقي حكومة اليمين واقفة على شعرة.

أكثر من لغم وأزمة تواجهها حكومة الكيان الإجرامية، من بينها قانون تجنيد “الحريديم”، الذي قد يعصف بالداخل المتأزم سياسيّا، الواقف على شفى السقوط الموقوت، تضاف إليها صراعات الداخل بين التيار العلماني والتيار الديني الذي يحاول السيطرة على مفاصل الكيان وأركانها في الجيش والقضاء أساسا، والذي يعني تحكُّمه في مفاصل الكيان وتسلّطه وانتقاله من نظام ديني علماني غريب الأطواروالتوليفة، إلى كيان عنصري يميني ديني، يبني كل قوانينه ومشاريعه التوسُّعية على أسس الهذيان التوراتي اليهودي العنصري، ضد العرب وضد باقي الأغيار.. الغوييم.

هذا ما يفسّر استمرار الإبادة غير المسبوقة في غزة وأيضا في الضّفة، والعدوان الوحشي المستمرّ على لبنان ثم سورية.

انتقال رئيس وزراء الكيان، بتنسيق من مكتب حكومة اليمين المصغَّر، كل مرة إلى خلق بؤر فتن وأزمات، ونقل الحرب من مكان إلى آخر، هو رسمٌ لمخطط عدم الرغبة في التوقف والجنوح إلى المفاوضات والسِّلم، لأن ذلك يعني نهايته السياسية وحتى الأنطولوجية. لهذا نراه سجين قلة متزمِّتة عنصرية، تحميه وتعطيه أمل البقاء طالما أنّ القتل والإبادة متواصلان وتوسّع الكيان مستمرّ لتحقيق النبوءات التوراتية.
كل ما في الأمر، أن فشل الإبادة في كسر شوكة المقاومة في غزة

هذا الشحن المستمرّ، والتحكم المخيف في مقاليد الحكم الفردي في مؤسسات الكيان المحتل، هو سرّ الإصرار على الاستمرار في خضمّ النزيف الحاد الذي يعاني منه بشريا واقتصاديا في ظل عزلة دولية، وتحوّله إلى عبء لن يتقبّله أحد في نهاية المطاف.

هذه النهاية، باتت الولايات المتحدة، الراعية له، ترسل له كل مرة إشارات من أجل التوقف، كون استمرارها سيجلب له الخراب قبل الوقت ويسرِّع السقوط المحتوم.

ضمن هذا السّياق، يأتي اعتداء الكيان بشكل سافر على سورية الجريحة وعلى نظام جديد لم يعلن يوما حتى أنّه يعادي الكيان. كل ما في الأمر، أن فشل الإبادة في كسر شوكة المقاومة في غزة وفي الضفة، وفي اليمن وفي لبنان، وفي إيران، لن ينسيه أمام جمهوره الذي يرغب دوما في تلقُّف جرعات أمل في رؤية نصر عظيم، لكن ليس بأي ثمن، عبر مزيد من الحقن المهدِّئة لداخل مصدوم يحلم بقوة غاشمة متفوِّقة على الجميع في المنطقة تضمن له أمنًا لم يعد اليوم مضمونًا.

الشروق الجزائرية