مقالات مختارة

الاعتراف… بعد الاقتراف

الأناضول
في الوقت الذي تعمل فيه ماكينة الإبادة عملها الجهنمي الإجرامي في غزة، رفقة مخطط الضم بالضفة، وفي الوقت الذي تباع فيه وتشترى القضية الفلسطينية بين عاصمتي دويلة الكيان وعاصمة القوة العظمى، ضمن مخطط محو غزة من الخريطة وطمس فلسطين كقضية، تتعالى فيه أصوات الاعتراف بدولة فلسطينية ولو بحبر على ورق.

هذه الاعترافات التي جاءت متأخرة جدا، وغير واضحة المعالم والحدود لدولة بلا معالم ولا حدود لا سيادة واضحة، بدأت تنتشر وقد تأخذ زخما أكبر مستقبلا حتى ولو أن هذا “الفيض” وهذه “الصحوة” لا تشفع لمن كان سبب الاقتراف قبل الاعتراف، وفي مقدمة هذه الدول: فرنسا وبريطانيا. الكل يتذكر وزيري خارجية بريطانيا “سايكس” والـ “بيكو”، وزير خارجية فرنسا آنذاك في ما سمي باتفاقية “سايكس بيكو”، ثم وعد “بلفور” الذي منح فيه من لا يملك أرضا لمن لا يستحق: أرضا لميعاد جحافل شذاذ الآفاق، من أجل احتلال “أرض بلا شعب”.
اعتراف بالاسم بعد اقتراف الإثم

فرنسا وبريطانيا اللتان سارعتا لإعلان اعترافهما بدولة فلسطينية ضمن مخطط تقسيم مهترئ، لم يبق منه إلا كانتونات محتلة مشتتة، مفككة الأوصال وسلطة من زمان أوسلو في رام الله، تحت وصاية الاحتلال، بلا سلطة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فرنسا هذه وبريطانيا تلك، وكأن اليوم “عاد، وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عينهما”.. تنبريان للدفاع عن حق شعب يباد أمام الأعين والكاميرات على المباشر، من دون أن تتخذا لا فرادى ولا جماعات ضمن الاتحاد الأوروبي، قرارا حاسما بمعاقبة الكيان اقتصاديا وسياسيا في الأمم المتحدة ومتابعته جنائيا في لاهاي، وفرض عقوبات صارمة ضده، كما فعل مع نظام الأبارتيد في جنوب إفريقيا قبل ثلاثة عقود.

اعتراف بالاسم بعد اقتراف الإثم، قد لا يغير من المعادلة على الأرض شيئا ولا حتى على خرائط طوبوغرافية، مادامت خرائط الأركان هي التي تفرض نفسها على الأرض بقوة قانون القوة والنار ذات الوقود التي يباد بها شعب غزة وهو قعود ورقود. اعتراف، لا يمثل إلا شكلا من أشكال “التطهر” الظاهري من جريمة تاريخية لا تمحى بالتقادم. مع ذلك، وضمن موجة الاعترافات الأخرى من طرف دول وكيانات أوربية وأمريكية وآسيوية، من شأنه أن يمهد الطريق نحو مزيد من الزخم الدولي من أجل عزل الكيان وإدانته لاحقا في المحافل الدولية حتى ولو حمته الإدارة الأمريكية أو سعت إلى ذلك سبيلا.

في كل الحالات، قد يكون الشعب الفلسطيني حطب نار لشعوب عدة لا تزال تعيش الموت والظلم والسيطرة والاستغلال، وقودا لنيران غضب واستقلال قادم وتحرر لشعوب عدة من هيمنة الرأسمال الاستعماري وأزلامه أينما كانوا، من أنظمة راعية للبؤس راضية بالذل، سامدة ساكنة، ساكتة خاضعة ذليلة، مطبعة، خانعة وخائنة لشعوبها. سيعرف العالم الجديد الذي سيخرج من تحت ركام غزة ورمادها كيف يغير المتغير وكيف يبدل المتبدل، فقانون التغير وحدة الذي لا يتغير.

الاعتراف اليوم بدولة فلسطينية، مهما كانت طبيعتها وحدود حدودها وسيادتها، سيعيد رسم خارطة طريق جديد كادت أن تمحى، بل يراد لها اليوم أن تنسى وتموت وتدفن تحت أنقاض الأبراج، والمربعات السكنية في البريج ورفح وشمال غزة ووسطها وأطرافها. هذا الاعتراف المتجدد، هو من سيعيد فلسطين إلى دائرة الاهتمام والتقييم، خاصة لدى شعوب الدول المتواطئة دهرا مع الكيان، الباكية اليوم، بعين واحدة وبدموع باردة على شعب يباد، أو تلك المتواطئة حد النخاع مع أكبر مجرم في البلاد. هذه الشعوب التي ملت النفاق والخداع.

الشروق الجزائرية