أعلن المكتب الوطني للإحصاء في
الصين، الثلاثاء، أن الاقتصاد الصيني حقق نموا أقوى من المتوقع في الربع الثاني من العام الجاري، على الرغم من استمرار
الحرب التجارية مع الولايات المتحدة والتحديات الداخلية التي تقوض الزخم الاقتصادي للبلاد.
ووفقاً للبيانات الرسمية، سجّل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 5.2% خلال الفترة من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، متجاوزاً توقعات المحللين التي رجحت نمواً بنسبة 5.1%، وفق استطلاع أجرته وكالة "رويترز". وبلغ متوسط النمو للنصف الأول من العام الجاري 5.3%.
وقال نائب مفوض المكتب الوطني للإحصاءات، شنغ لايون، إن هذا النمو تحقق في ظل "ظروف دولية معقدة، وضغوط خارجية متزايدة بشكل كبير منذ بداية الربع الثاني"، مضيفاً أن "البيئة الخارجية لا تزال متقلبة، والمشكلات البنيوية في الداخل لم تُحل بشكل جذري بعد، والأساس الاقتصادي بحاجة إلى مزيد من التعزيز".
مخاوف من صعوبة تحقيق النمو السنوي
وتسعى الحكومة الصينية إلى تحقيق نمو سنوي يقارب 5% خلال عام 2025، وهو هدف يرى كثير من الاقتصاديين أنه طموح وربما بعيد المنال دون دعم سياسي إضافي، في ظل تراجع استهلاك الأسر، وتباطؤ الاستثمار، واستمرار الضغوط التضخمية والانكماشية على حد سواء.
وبينما تتجنب الصين حتى الآن ركودا حادا، ساعدت عليه الهدنة التجارية الهشة مع الولايات المتحدة، إلا أن التوقعات بشأن النصف الثاني من العام تبدو أكثر قتامة، خاصة في ضوء تباطؤ الصادرات وانخفاض ثقة المستهلكين، وتراجع الأسعار المحلية.
الحرب التجارية مع واشنطن تعود إلى الواجهة
وتعاني العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن من توتر مستمر، إذ أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية تصاعدية على المنتجات الصينية وصلت إلى 145% في ذروتها، ما أثّر سلبا على الصناعات التصديرية، التي تمثل العمود الفقري للنمو الاقتصادي الصيني.
وكانت الولايات المتحدة والصين قد اتفقتا على هدنة تجارية في أيار/مايو الماضي، خُفضت بموجبها
الرسوم الجمركية التي كانت قد تجاوزت 10%، لكن الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق دائم ينتهي في 12 آب/أغسطس المقبل، وسط مؤشرات على تصعيد محتمل حال الفشل في التوصل إلى تسوية.
ويحذّر اقتصاديون من أن عودة فرض الرسوم الأمريكية بنسبة تصل إلى 245%، قد تُشكل ضربة قاصمة للمُصنعين الصينيين، وتُهدد المحرك الأساسي للنمو والتوظيف في البلاد، خاصة في ظل تباطؤ الاستثمارات في الأصول الثابتة.
وبحسب كبيرة الاقتصاديين في "كابيتال إيكونوميكس"، سي تشون هوانغ، فإن البيانات تشير إلى تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي الحقيقي، رغم الأرقام الرسمية الإيجابية.
فقد ارتفعت الاستثمارات في الأصول الثابتة بنسبة 2.8% فقط في النصف الأول من العام، وسجّلت نمواً لا يتجاوز 0.5% في حزيران/يونيو وحده.
وقالت هوانغ في تقرير نقلته وكالة "أسوشييتد برس"، إن "مؤشر النشاط الاقتصادي لدينا يُظهر أن النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي أقل من 4% خلال شهري نيسان/أبريل٬ وأيار/مايو"، متوقعة أن لا يتجاوز نمو الاقتصاد الصيني 3.5% خلال العام بأكمله.
وأضافت أن الضغوط السياسية لتحقيق أهداف النمو السنوية "حتى لو كانت على الورق فقط"، ستدفع السلطات للإعلان عن أرقام نمو أعلى من الواقع، مشيرة إلى أن "التحفيز وحده قد لا يكفي لمواجهة الانكماش الهيكلي الراسخ".
الصادرات تدفع النمو مؤقتا
وساهمت الصادرات الصينية بشكل رئيسي في دعم النمو خلال الربع الثاني، حيث ارتفعت بنسبة 5.8% في حزيران/يونيو، مقابل 4.8% في أيار/مايو.
وتستهدف الحكومة استمرار هذا الزخم لتحقيق النمو المنشود، لكن محللين يرون أن استمرار الاعتماد على الصادرات قد لا يكون مستداما في ظل البيئة التجارية العالمية المضطربة.
ويخشى خبراء اقتصاديون من أن يؤدي أي فشل في المفاوضات التجارية مع واشنطن إلى عرقلة مسار التعافي الاقتصادي، خاصة في ظل هشاشة الاستهلاك المحلي وتراجع أداء قطاعات رئيسية كالعقارات والصناعة الثقيلة.
نظرة مستقبلية حذرة
رغم تحقيق نتائج أفضل من المتوقع في الربع الثاني، يتفق معظم المحللين على أن الاقتصاد الصيني لا يزال يواجه تحديات كبرى تهدد قدرته على مواصلة النمو بنفس الوتيرة.
وتشمل هذه التحديات التباطؤ في الطلب العالمي، وارتفاع التكاليف التشغيلية، والتقلبات الجيوسياسية.
وبينما تسعى بكين إلى الحفاظ على استقرار اقتصادي نسبي قبل دورة القيادة المقبلة، يبدو أن تحقيق هدف 5% للنمو السنوي سيكون مهمة شاقة، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات تحفيزية جديدة، وتتوصل إلى اتفاق تجاري دائم مع الولايات المتحدة يخفف الضغوط على صادراتها ويعيد الثقة للمستثمرين.