سياسة دولية

ما تداعيات حظر حركة فلسطين ووصمها بـ"الإرهاب" في بريطانيا؟

تأسست حركة فلسطين في بريطانيا عام 2020 وتهدف للعمل المباشر ضد مصالح "إسرائيل"- موضع الحركة
حذرت صحيفتا "إيكونوميست" و"الغارديان" من تداعيات هذا قرار حظر "حركة فلسطين - Palestine Action" في بريطانيا على الحريات والديمقراطية، ووصفتاه بأنه مثال على الرقابة التي تأتي بنتائج عكسية وتزيد شعبية الاحتجاجات، وأنه يخلط بين العصيان المدني والإرهاب ويمثل إفراطًا تشريعيًا يهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة للحرب الإسرائيلية على غزة.

وقالت مجلة "إيكونوميست" في تقرير لها أن الإجراءات التعسفية والصارمة تجاه النشاط المؤيد لغزة قد يأتي بنتائج عكسية.

وجاء في التقرير أن فرقة "سيكس بستولز" التي اشتهرت في عام 1977 بشتائمها على التلفزيون ثم جاءت أغنيتها "حفظ الله الملكة" واحتوت على كلمات مثل "النظام الفاشي" و"هي ليست بشرا"، حيث استشاط النواب غضبا وصرخت الصحف الشعبية بالخيانة، وبإجبارهم "بي بي سي" على حظر بث الأغنية زادوا من جاذبيتها الأغنية. 

وبيع من الألبوم 150,000 نسخة يوميا، ووصل إلى المركز الثاني خلال أسبوع اليوبيل الفضي للملكة إليزابيث الثانية، وتم تعليم مكانه في قوائم الأغاني الأشهر بسطر فارغ. وهذه المفارقة تشير إلى أن محاولة سحق المعلومات أو الرقابة غالبا ما تنشرها، وعرفت لاحقا باسم "تأثير باربرا سترايسند"، بعد أن حاولت المغنية منع نشر صورة لقصرها في ماليبو.

وأوضحت الصحيفة "اليوم، تتجلى هذه المفارقة في بريطانيا فيما يتعلق بنشاط غزة المتزايد العدوانية. ويكافح السياسيون في رسم حدود الكلام والفعل المباشر. ومع ذلك، في كل من الضجة التي أحاطت بالعروض في مهرجان غلاستونبيري الموسيقي، وحظر حركة فلسطين، وهي جماعة ناشطة".

وأضافت "كان منظمو مهرجان غلاستونبيري وبي بي سي التي تبث العروض الفنية  مستعدين لفرقة نيكاب وما قد تثيره من جدل، فقبل عام، حظيت فرقة الهيب هوب الأيرلندية الثلاثية بقاعدة جماهيرية محدودة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الفرقة مصدر قلق كبير للنشاط السياسي، ويعود ذلك جزئيا إلى اتهام أحد أعضائها بارتكاب جرائم إرهابية لتلويحه بعلم حزب الله (يزعم أنه التقطه دون قصد بعد إلقائه على المسرح). ويعترف دانيال لامبرت، مدير الفرقة، بأن هذه الخلافات كانت إيجابية للغاية".

في النهاية، تفوق بوبي فيلان، مغني الراب من إبسويتش، على المحرضين الأيرلنديين، حيث قاد هتاف "الموت، الموت للجيش الإسرائيلي". ويخضع فيلان للتحقيق من قبل الشرطة، مع أنه من غير الواضح ما إذا كانت المحكمة ستعتبره تجاوزا لحدود التحريض على العنف، وهو أمر يعتمد على إثبات الاحتمالية والنية. وفي كلتا الحالتين، وقع السياسيون في الفخاخ القديمة.

قبل المهرجان، طالب كثيرون، بمن فيهم رئيس الوزراء، بسحب فرقة "نيكاب". وبالتالي، سيطرت الفرقة على البث الإذاعي واستقطبت جمهورا غفيرا. بعد ذلك، سارع أعضاء البرلمان إلى إدانة فيلان والمطالبة بمحاكمة سريعة. وكانت النتيجة منحه الظهورالذي يتوق إليه. ولعل من القواعد الجيدة للسياسيين عدم إبداء آراء حول موسيقيي البانك. وكان الأهم من ذلك بكثير هو خطوة وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، لحظر حركة "بالستاين أكشن" كمنظمة إرهابية.

وكان من المقرر أن يقر البرلمان الحظر، الذي سيجعل العضوية في الجماعة أو دعمها غير قانوني، ويدخل حيز التنفيذ في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، على الرغم من أن الجماعة ستتاح لها فرصة الاستئناف ضده أمام المحكمة العليا في الرابع من يوليو/تموز. ونظرا للصلاحيات الواسعة التي تمنحها قوانين مكافحة الإرهاب، يعتقد الخبراء القانونيون أن ذلك لن يؤدي إلا إلى تأخير إنفاذ القانون على الأكثر.

ويوجد حاليًا 95 جماعة محظورة في المملكة المتحدة، بما في ذلك حركة حماس وحزب الله والجيش الجمهوري الأيرلندي، لكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه القوانين ضد جماعةٍ تستهدف في المقام الأول الممتلكات، لا البشر.

وتأسست حركة عام 2020، وهي وراء سلسلة من الهجمات على شركات تصنيع الأسلحة، التي نؤكد أنها تدعم حرب "إسرائيل" على غزة. 

في حزيران/ يونيو أحرجت المنظمة القوات المسلحة البريطانية باقتحامها قاعدة بريز نورتون الجوية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في أوكسفوردشاير، ورشها طائرة بالطلاء الأحمر. وجهت الدولة بالفعل اتهامات للمشاركين بارتكاب جرائم، بما في ذلك التعدي على ممتلكات الغير والإضرار الجنائي. ولكن يبدو أيضا أنها عازمة على وصفهم بالإرهابيين. 

ويبرر جوناثان هول، المسؤول عن شؤون الإرهاب لدى الحكومة، هذا الوصف بأنه نابع في الدرجة العالية من الضرر وتأثيره على الأمن القومي، واستعداد النشطاء للجوء إلى العنف (في إحدى الهجمات. وتصور كوبر حركة فلسطين كتهديد جديد ومتميز: منظمة للغاية، ومتربصة في جميع أنحاء بريطانيا، ومستعدة للذهاب إلى أقصى الحدود. ومع ذلك، فإن الصلاحيات التي تستخدمها صممت لاستهداف مفجري الجيش الجمهوري الأيرلندي الذين يهاجمون المباني الخالية، وليس ما يطلق عليه جوليان لويس، النائب المحافظ القلق من التغيير، أعمالا "استعراضية".

وأضافت الصحيفة "يمكن اعتبار هذه الخطوة استمرارا لحملة قمع جماعات العمل المباشر، ردا على تكتيكات أكثر جرأة وإزعاجا. بموجب قانون صدر عام 2022، حكم على أعضاء منظمتي "أوقفوا النفط فقط" و"تمرد الإبادة" بأحكام سجن طويلة لإغلاقهم الطرق السريعة".

ومع ذلك، فإن قرار كوبر يمثل تصعيدا محفوفا بالمخاطر قد يضع الشرطة في موقف حرج ويقوض تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب. يقول تيم سكويرل، خبير مكافحة الإرهاب: "الأمر أشبه باستخدام مطرقة ثقيلة لكسر حبة جوز". ومثل غيرها من جماعات العمل المباشر، تحظى حركة فلسطين بالعديد من المؤيدين الذين يتعاطفون مع هدفها. وتعارض غالبية البريطانيين حرب إسرائيل ويرى معظمهم أنها إبادة جماعية ويحملون الحكومة البريطانية مسؤولية جزئية عنها. وقد تواجه الشرطة السخرية إذا طبقت القانون، واتهاما بالانتقائية إذا لم تفعل. يتساءل سكويرل: "هل نقول إنه يجب عليهم اعتقال آلاف الأشخاص لارتدائهم قميصا عليه شعار "حركة فلسطين"؟".

ومن ناحية أخرى، رأت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها أن حظر حركة فلسطين يخلط ما بين العصيان المدني والإرهاب وهو خطوة خطيرة.

 وقالت الصحيفة إن قرار مجلس العموم حظر مجموعة فعل مدني مؤيدة لفلسطين يبدو وبشكل مقلق إفراط من الحكومة، مشيرة إلى من صادق على قانون مكافحة الإرهاب قبل 25 عاما كانت حكومة عمالية، حيث أكدت أن القانون يستهدف الجرائم الخطيرة وعرفه وزير الداخلية في حينه جاك سترو، بأنه الذي "يشمل على التهديد واستخدام العنف للسياسة والأغراض الدينية والأيديولوجية. ويهدف إلى خلق مناخ من الخوف المتطرف". 

وأضافت أنه "عندما عبر بعض النواب من أن هذا القانون سيستهدف مجموعة الخضر السلمية (غرين بيس) التي دمرت المحاصيل المعدلة وراثيا وعطلت مؤقتا إنتاج الأسلحة النووية في أولدرماستون، طمأنهم سترو بأنه لن يستخدم إلا عند الضرورة. وقال إنه لا يعلم بوجود ادلة ولو بعيدة تجعل جماعات الخضر تقع تحت طائلة القانون".

وحذر خبراء الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن "أعمال الاحتجاج التي تلحق الضرر بالممتلكات والتي لا تهدف إلى قتل أو إصابة الناس، لا ينبغي اعتبارها إرهابا".

 ومع ذلك، صوّت النواب يوم الأربعاء، بأغلبية 385 مقابل 26 صوتا، على حظر حركة بموجب تشريع عام 2000. وكان من المتوقع أن يوافق مجلس اللوردات على الأمر يوم الخميس. ما لم يأمر قاض في المحكمة العليا بتعليق عملها في جلسة استماع تعقد يوم الجمعة. 

وبدءا من يوم السبت، فإن العضوية في الحركة أو مجرد التعبير عن دعمها ستحمل عقوبة قصوى بالسجن لمدة 14 عاما. وأُعلن الحظر بعد أيام من إعلان منظمة "حركة فلسطين" مسؤوليتها عن اقتحام قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني ورش طلاء على طائرات زعمت أنها تدعم الحملة العسكرية الإسرائيلية، ووجهت اتهامات لأربعة أشخاص. 

وأضافت الصحيفة  أن  مئات المحامين والشخصيات الثقافية وجماعات حقوقية مثل امنستي انترناشونال أدانوا الحظر. ومن المؤسف أن أعضاء البرلمان أيدوا هذا الحظر، لكن إدراج منظمتين  تعبر عن تفوق العرق الأبيض في الأمر نفسه، جماعة "مينياك كلت ميردر"، التي أعلن أعضاؤها مسؤوليتهم عن هجمات عنيفة عالميا، والحركة الإمبراطورية الروسية، التي تسعى إلى إنشاء دولة إمبراطورية روسية جديدة، صعب على المشرعين التصويت على رفضه.

وقالت إن الدولة البريطانية تمتلك تشريعات عدة للتعامل مع العمل المباشر. فقد أُلقي القبض على نشطاء من حركة فلسطين ووجهت إليهم تهم التخريب الجنائي والاضطرابات العنيفة والسطو. ويشتبه في أن التبرئة المتكررة أدت إلى هذا الأمر.

وتقول الصحيفة إن رش الطلاء على الطائرات والمباني العسكرية، وإلقاء قنابل الدخان، لا تبدو من الأعمال المتطرفة التي يصفها الجمهور، عن حق، بالإرهاب. بل يبدو أن الحظر مصمم ليس فقط لإسكات المؤيدين، بل لتقليل التعاطف العام من خلال وضع الجماعة على قدم المساواة مع تنظيم الدولة الإسلامية  وجماعة "العمل الوطني" اليمينية المتطرفة. تزعم إيفيت كوبر، وزيرة الداخلية، أن أساليب بالستاين أكشن: "أصبحت أكثر عدوانية، حيث يظهر أعضاؤها استعدادا لاستخدام العنف". و تقول الصحيفة إن الجمهور، سيحتاج إلى رؤية أدلة على ذلك ، بدلا من تصديق هذه الادعاءات، إذا أردنا ألا تقوض ثقتهم بالدولة.

وقد استهدفت منظمة "حركة فلسطين" الممتلكات للاحتجاج على حرب قتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين. وتحرج احتجاجات المجموعة الحكومة: إذ تواصل بريطانيا توريد المعدات للجيش الإسرائيلي الذي يذبح الفلسطينيين. ورغم الأدلة الدامغة على تفاقم جرائم الحرب في غزة، وخلافا لنصائح محاميها، فإن الحكومة البريطانية لن تقول بأن إسرائيل انتهكت القانون الدولي.

وأكدت الصحيفة أنه ينبغي على الحكومة بذل كل ما في وسعها لإنهاء هذا الصراع، لا تجريم الاحتجاجات ضده. لكنك لا تحتاج للتعاطف مع أهداف "حركة " كي ترى بأن حظرها يرسي سابقة مخيفة ويقوض الديمقراطية.