ملفات وتقارير

ماذا يعني مخاطبة مصر "الدائنين" و"نادي باريس" لمبادلة ديونها الخارجية؟

صنف البنك الدولي مصر ضمن أعلى 5 دول بالعالم في نسبة المدفوعات إلى الصادرات- جيتي
صنف البنك الدولي مصر ضمن أعلى 5 دول بالعالم في نسبة المدفوعات إلى الصادرات- جيتي
شارك الخبر
أوكلت الحكومة المصرية وزارتي "المالية" و"التخطيط" لبدء مفاوضات موسعة مع الدائنين الأجانب لمبادلة الديون المستحقة عليها باستثمارات، وفق تأكيد مصدر حكومي لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، الأحد، وسط مخاوف من أن تكون حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي قد أصبحت عاجزة عن سداد خدمة ديون خارجية تضاعفت في عهده من 43 إلى 161.2 مليار دولار.

وعبر مقال رأي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الخميس الماضي، أكد أن مبادلة الديون بالاستثمار ستكون المحرك الرئيسي لخفض نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 40 بالمئة العام المقبل، مشيراً إلى حصول الدائنين على حصص ملكية في مشروعات الدولة واستبدالها بديونهم.

اظهار أخبار متعلقة


ويعاني اقتصاد مصر من بنية اقتصادية ضعيفة وأزمات هيكلية متراكمة واختلالات بنيوية عميقة، تفاقمت مع اعتماد السيسي على الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين، والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، ودول خليجية، ما أسفر عن أعباء خدمة دين تستنزف الموازنة العامة وتضاعف الضغوط المعيشية.

وضع ديون مصر بالأرقام
وفي البلد العربي الأفريقي صاحب ثاني أكبر اقتصاد قاري والثالث عربيًّا، يتعدى إجمالي الدين العام 14.9 تريليون جنيه (حوالي 313 مليار دولار) بنهاية حزيران/يونيو الماضي، بينها 3.8 تريليونات جنيه تمثل حجم الدين الخارجي، وفقًا لوثيقة حكومية.

وبينما سجل الدين الخارجي زيادة بقيمة 6 مليارات دولار منذ بداية 2025 ووصل 161.2 مليار دولار منتصف العام، تلتهم مدفوعات فوائد الديون 80 بالمئة من إيرادات الدولة في (2025/ 2026)، ما يشكل خطورة على الموازنة العامة، وتكشف أحدث الأرقام أن فوائد الديون تلتهم أكثر من قيمة الإيرادات (863.9 مليار جنيه)، حيث أنفقت مصر 899.1 مليار جنيه على فوائد الدين بأول 4 شهور من (2025/ 2026).

ويواجه الاقتصاد المصري ضغوطًا هائلة في العام المقبل، مع خدمة دين تصل 32.34 مليار دولار، بعد سداد 38.7 مليار دولار العام الماضي، ما يعني وفق خبراء ضغوطًا أكثر على موازنة هشة يتم ترقيعها عبر بيع أصول وشركات عامة وأراضٍ استراتيجية، ما يأكل من خدمات 108.5 مليون مصري.

وصنف تقرير الديون الدولية، الصادر عن البنك الدولي، الشهر الجاري، مصر ضمن أعلى 5 دول بالعالم في نسبة المدفوعات إلى الصادرات، مبتعدًا بها عن الحدود الآمنة، حيث وضعها ضمن الفئة "الأكثر مديونية" عالميًا، لافتًا لخطورة اعتمادها على "الأموال الساخنة" والديون قصيرة الأجل.

واعترف تقرير للبنك المركزي الشهر الجاري باستمرار سياسات الاقتراض الخارجي وارتفاع ديون مصر للدول العربية و6 أعضاء بـ"نادي باريس"، وارتفاع الدين الخارجي إلى الناتج المحلي من 38.8 بالمئة إلى 44.2 بالمئة.

وأكد أن الديون المستحقة للدول العربية بلغت 37.7 مليار دولار، للسعودية منها 13.5 مليار دولار (8.4 بالمئة من إجمالي الدين الخارجي)، تليها الإمارات بـ11.7 مليار دولار (7.3 بالمئة)، ثم الكويت 6 مليارات دولار (3.7 بالمئة).

كما أظهر التقرير المحلي أن نحو 30.9 مليار دولار من الدين الخارجي ديون قصيرة الأجل، في حين بلغت الودائع الخليجية لدى البنك المركزي 5.3 مليارات دولار للسعودية و4 مليارات للكويت، موضحاً أن مصر مدينة بحوالي 18.8 مليار دولار لستة أعضاء بنادي باريس، لروسيا منها 5 مليارات دولار.

تخفيف أعباء أم خسارة أصول؟
وفي قراءته للمشهد، قال الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، لـ"عربي21"، إن "أزمة الديون المصرية خانقة، وتدل على فشل السياسات الاقتصادية المتبعة وأن التوسع في الديون المحلية والخارجية جرى بلا استراتيجية ولا رؤية، ولم تكن له مستهدفات يمكن الاعتماد عليها".

وأضاف: "ما تم ترويجه مؤخراً من أن الإنفاق على البنية الأساسية سيؤدي لجلب الاستثمارات وزيادة المشروعات وتحسين الناتج المحلي لم يتحقق، لأن وجهة النظر التي اعتُمد عليها كانت تستهدف فقط زيادة معدل الأرقام المتحققة في الناتج المحلي الإجمالي، وليس لإيجاد خطة تنمية".

ولذلك يرى الصاوي، أن "خطة التواصل مع الدائنين واستبدال المشروعات القائمة بالديون أمر له حسابات كثيرة؛ فالدائن سيستغل الفرصة ويفرض شروطه بينما مصر بموقف ضعيف"، ملمحاً إلى أن "مسألة استبدال التنمية بالديون تم اتباعها في عهد حسني مبارك، ورأينا هذا بصفقة (رأس الحكمة)، وسيكون بمشروع (أرض الروم) الخاص بقطر".

ولفت إلى أن "هذه الأمور تدلل على أن الحكومة على استعداد للتضحية بما لديها من أصول، بين موارد طبيعية كالأراضي على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، أو مشروعات عامة وحكومية كانت قائمة منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي"، وختم قائلاً: "الدولة الآن في مأزق مع أزمة الديون، ما يؤكد حالة الخيبة وفشل مشروعات التنمية منذ 2013 وحتى الآن".

أدوات تجميلية.. هل تحل الأزمة؟
وجرى مؤخراً توقيع اتفاقيات مبادلة ديون مع ألمانيا، وأخرى مُخطط لها مع فرنسا وإيطاليا والصين، لكن تشير الأرقام التي يجري مبادلتها إلى أرقام هزيلة بالمقارنة بحجم الديون المصرية، ما يجعلها أداة "تجميلية" أو "موضعية" لا تحل أزمة المديونية بشكل جذري.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقعت مصر وألمانيا اتفاقية مبادلة ديون بقيمة 100 مليون يورو في مجال الطاقة المتجددة، سبقها في تموز/يوليو الماضي، توقيع الصين المرحلة الأولى من برنامج مبادلة الديون بقيمة بين 100 إلى 120 مليون دولار، فيما تستمر المرحلة الثالثة من برنامج مبادلة الديون الإيطالية البالغ 350 مليون دولار.

اظهار أخبار متعلقة



ورأى البعض في التوجه المصري بالتواصل المباشر مع الدائنين، وعبر "نادي باريس" لمبادلة الديون، مؤشراً على عجز الحكومة المصرية عن سداد خدمة وأصل الدين، مؤكدين أن المبادلة هنا ستتم مقابل أصول استراتيجية وحيوية يختارها الدائنون، ما يمثل خسارة مصرية جديدة لأصولها.

ويرى أن الحكومة تقوم بتضليل الشعب، وتزعم أن هذا نوع من الاستثمار المباشر وأن ما يجري هو تحويل الديون لاستثمار، بينما هذا يندرج تحت بند الاستحواذ وبيع الأصول وليس الاستثمار الحقيقي.

وفي حوار بودكاست للأكاديمي المصري الدكتور حسن الصادي، مع المذيعة رانيا بدوي، تحدث عن حجم خطورة الديون، مؤكداً أن "كل إيرادات الدولة لا تغطي فوائد الدين الخارجي"، مؤكداً أنه "رقم مرعب ويؤكد عدم القدرة على تدبير التزامات سداد الفوائد"، مشيراً إلى أن "الأخطر هو مستحقات أصل الدين والتي يترتب عليها بيع الأصول".

ونفى أن تكون مبادلة الديون نوعًا من أنواع الاستثمار الحقيقي، قائلًا: "لا أحد يبادل أصولًا بديون إلا إذا كان يعاني من عدم قدرة على السداد"، مشيرًا إلى أن المشكلة أنه "يتم مبادلة أفضل الأراضي والدائن من يختار، وأفضل المواقع الجغرافية أخذها الدائنون وأكثر المشروعات ربحية تضخ بموازنة الدولة أخذوها".

ولفت إلى مكاسب الشركة السعودية المصرية من استحواذها على حصة في شركة الإسكندرية للحاويات عام 2022، ثم بيعها بمكسب 4 أضعاف ما دفعته، محققة 14 مليار جنيه في 3 سنوات، متسائلًا: هل أدى ذلك لزيادة التجارة الخارجية للدولة، وزيادة جاذبية الشركة، ورفع قيمتها المضافة، وتحديث الأرصفة، وزيادة الحصيلة الضريبية، ونسب التعيينات؟".



مخاوف السيادة الوطنية
وفي جانب آخر، تثير اتفاقيات مبادلة الديون مخاوف حول السيادة الوطنية وحماية الأصول الاستراتيجية، ولفهم هذه المخاطر، يجب التمييز بين نوعين من المبادلة: "المبادلة من أجل التنمية"، والمبادلة مقابل ملكية الأصول، والتي تثير المخاوف الأكبر.

وفي الأخير، والذي يأتي ضمن ضغوط صندوق النقد الدولي للتوسع في "برنامج الطروحات"، يتم إسقاط جزء من الدين مقابل امتلاك الدائن حصصًا في شركات حكومية كبرى أو مرافق حيوية أو أراضٍ استراتيجية، ما يعني فقدان السيطرة الوطنية على قطاعات حساسة مثل الموانئ، المطارات، شركات الطاقة، والاتصالات.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وافق الرئيس الصيني شي جين بينغ على برنامج لمبادلة الديون مع مصر، ما أثار المخاوف حينها، نظرًا لتوجهات بكين بالحصول في المقابل على أصول ذات قيمة استراتيجية وتمس الأمن القومي، كالمطارات والموانئ، ما يعتبره البعض احتلالًا اقتصاديًا غير مباشر.

وفي سريلانكا وفي عام 2017، حصلت بنوك صينية على 70 بالمئة ولمدة 99 بالمئة في ميناء كانت تبنيه بالجزيرة الواقعة شمال المحيط الهندي، مع السيطرة على مضائق وجسور حيوية ومطارات وموانئ، مثل مطار عنتيبي في أوغندا، وميناء مومباسا بكينيا، وميناء غوادار بباكستان، وصفقات مبادلة ديون مع اليونان، ومونتينيغرو، وليتوانيا.

وتحتل مصر المرتبة الثالثة في قائمة أكثر الدول الأفريقية اقتراضًا من الصين منذ بداية الألفية الثالثة حتى نهاية 2023، بحجم قروض بلغ 9.7 مليار دولار، وفق مركز جامعة بوسطن لسياسات التنمية العالمية.

ورغم أن المبادلة تخفف الضغط على الدولار، إلا أنها تحمل مخاطر أخرى حيث تلتزم مصر بتوفير ما يعادل قيمة الدين بالجنيه المصري لتمويل المشروع المتفق عليه، ما قد يضطرها إلى الاستدانة المحلية ومن ثم زيادة التضخم.

ضغوط الصندوق.. ودعوات مضللة
ويأتي التوجه المصري قبل أيام من إقرار صندوق النقد الدولي الثلاثاء، للمراجعتين المدمجتين الخامسة والسادسة لقرض المليارات الثمانية، ما ينتج عنه تدفق نحو 3.8 مليار دولار إلى خزينة الدولة، وذلك في وقت تحل فيه مصر كثاني أكبر مقترض من الصندوق، حيث حصلت منذ عام 2016 وحتى عام 2025 على حوالي 28 مليار دولار.

ونهاية الشهر الماضي، أعلن وزير المالية المصري، أحمد كجوك، دراسة مصر وشركاء دوليين إنشاء "نادٍ للمقترضين" لتوحيد مواقفها في إدارة الديون، ما رأى فيه خبراء أن مصر وصلت أقصى حدود قدرتها على تحمل الديون، وأن النادي خطوة للتفاوض مع الدائنين على الإنقاذ قبل التعثر والانهيار.

ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021، تقوم مصر بتأهيل ديونها المحلية للمقاصة الأوروبية باتفاق مع شركة "يورو كلير"، وجعلها مفتوحة أمام المستثمرين الأجانب، وفق تصريح لوزير المالية السابق، محمد معيط.

وفي مقال سابق له في "عربي21"، حذر الخبير الاقتصادي علاء الدين سعفان، من "مبادلة الديون"، مؤكداً أنها "دعوات مضللة"، وموضحاً أنها "في الحقيقة بيع أو تنازل عن أصول الدولة"، مبيناً أن "البديل الصحيح إعادة جدولة الديون لوقف نزيف الميزانية وتحويل الاقتصاد هيكلياً إلى اقتصاد إنتاجي تنموي وليس اقتصاداً ريعياً فاشلاً يعيش على الضرائب والقروض".

اظهار أخبار متعلقة


ويحذر خبراء من استمرار توجه الحكومة المصرية نحو الاقتراض وبيع الأصول ونتائجهما الخطيرة، وفي حوار لقناة فضائية مصرية، حذرت الأكاديمية المصرية عالية المهدي، من استمرار الاقتراض الخارجي مشيرة إلى أن أقساط وفوائد الديون بلغت 65 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام في العام المالي الماضي، و142 بالمئة من الإيرادات العامة للدولة.

وعبر "فيسبوك"، أكد الكاتب الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أن حجم الديون المصرية أكثر بكثير من المعلن إذا تم "احتساب ديون المؤسسات العامة والحكومية مثل هيئات البترول والكهرباء والسلع التموينية وقروض المفاعل النووي وصفقات الطاقة السعودية ومشروع القطار الكهربائي السريع والبرج الأيقوني وغيرها".
التعليقات (0)

خبر عاجل