مقالات مختارة

السلام الملتهب في غزة: تحديات المرحلة الثانية من خطة ترامب

إبراهيم نوار
الأناضول
الأناضول
شارك الخبر
تحاول إسرائيل من خلال دبلوماسية «التخطيط الاستباقي» الاشتباك مع خطة السلام في غزة، بحيث تكون مخرجاتها النهائية متوافقة مع أهدافها في السيطرة، وتفريغ الخطة من مضمونها، مع المحافظة على شكلها العام. وتسير في هذا السياق الزيارة المقبلة التي سيقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي. ومن المرجح أن تنتقل خطة إحلال السلام في غزة التي بدأت في أكتوبر الماضي إلى المرحلة الثانية في أوائل العام المقبل، على أساس اتفاق شرم الشيخ المعروف بخطة العشرين نقطة، وقرار مجلس الأمن الدولي 2803.

ومن المتوقع ألا تسير المرحلة الثانية سيرا سهلا، بل إن صعوبتها تزيد كثيرا عما كانت عليه المرحلة الأولى، التي شهدت انتهاكات واسعة النطاق. وتعمل إسرائيل على فرض شروط وخطوط حمر للتعاون مع «مجلس السلام» وتنفيذ التزاماتها التي نص عليها الاتفاق. وما يساعد على الاعتقاد بأن المرحلة الثانية ستبدأ قريبا وربما مبكرا في شهر يناير في حال التوصل إلى اتفاق بشأن النقاط الخلافية، خلال الزيارة المتوقع أن يقوم بها نتنياهو لواشنطن في نهاية العام الحالي.

وتتضمن أهداف المرحلة الثانية نزع سلاح حماس، وانسحاب إسرائيل من معظم المناطق التي لا تزال تحتلها، وراء ما تسميه «الخط الاصفر»، وبناء مقومات إدارة محلية في غزة تعمل تحت إشراف «مجلس السلام» الذي يرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشارك فيه عدد من قيادات بعض دول الشرق الأوسط، وربما من دول أخرى إسلامية من خارج المنطقة. لكن المهمة الرئيسية التي تهم الفلسطينيين جميعا هي البدء في عملية الإعمار وإعادة البناء وعودة الحياة الطبيعية إلى الشارع الفلسطيني في غزة، بكل ما يحمله ذلك من معان.

وطبقا لنص اتفاق شرم الشيخ ستكون الولايات المتحدة مسؤولة عن تنفيذ مهمة مركبة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي، الانتقال من فراغ السلطة واحتمالات الفوضى، إلى حالة تثبيت الاستقرار الأمني والإداري، والبدء في عملية نزع سلاح حماس وغيرها من منظمات المقاومة الفلسطينية في غزة، وإقامة آلية للمراقبة العسكرية والأمنية، والبدء في إقامة حكومة محلية تشرف على الأمن الداخلي وإدارة الخدمات العامة، والتمهيد لنقل الحكم إلى سلطة فلسطينية معتدلة، تسهم في عملية صنع السلام. ويعتقد دينيس روس في مداخلة أخيرة ضمن وجهات نظر خبراء في شؤون المنطقة (معهد واشنطن في 12 من الشهر الحالي) أن إطلاق «مجلس السلام» وإعلان أسماء أعضائه، والدور المنوط به من شأنه أن يزيد الضغط على حماس للتعاون، كما سيتعين على المجلس أن يأخذ زمام المبادرة في الضغط من أجل نزع سلاح حماس ومعالجة النقاط الصعبة الأخرى في الخطة. وتمثل «قوة الاستقرار الدولية» الجهاز الرئيسي الذي سيعتمد عليه «مجلس السلام» في توفير البيئة العملية والشروط المسبقة الأمنية والعسكرية لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار، بدرجة أعلى مما كان عليه الحال في المرحلة الأولى.
تشكيل تلك القوة يتوقف على موافقة إسرائيل على الدول المشاركة فيها

لكن تشكيل تلك القوة يتوقف على موافقة إسرائيل على الدول المشاركة فيها، وعدد القوات وتسليحها والمهمة المنوطة بها، ودورها في الظروف العادية وفي أوقات الطوارئ والاضطرابات. وهذه نقاط لا يمكن التوصل إليها قبل حدوث اتفاق على الخطوط العريضة لدور «مجلس السلام» وأهدافه بين ترامب ونتنياهو. ولا أظن أن نتنياهو سيقبل بأي تفاهمات بشأن تكوين مجلس السلام وأعضائه ودور قوة الاستقرار الدولية والدول المشاركة فيها، قبل أن يحصل من ترامب على ضمانات قوية بشأن نزع سلاح المقاومة، وتهجير عناصر حماس وضمان عدم عودتهم، وتدمير البنية العسكرية للمقاومة، والعمل على تسليم السلطة إلى إدارة منزوعة القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.

أما مسألة نزع سلاح حماس، فإنها تتوقف على شروط طبيعتها، وتنفيذها على مراحل، وتحديد نوعية الأسلحة المطلوبة، والمدى الزمني لتنفيذ نزع السلاح وحق الوصول إليه بواسطة السلطة الجديدة في قطاع غزة، بعد انتهاء تشكيل إدارة مؤقتة، والدور الذي ستلعبه حماس في قطاع غزة مستقبلا.

وبما أن المهمة الأساسية لقوة الاستقرار الدولية هي تحقيق الاستقرار في غزة، وهو الشرط الأولي الضروري للبدء في عملية إعادة البناء والإعمار، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وإطلاق حرية دخول السلع والمساعدات الإنسانية وإتاحة الخدمات الأساسية المادية والاجتماعية، فإن تحقيق ذلك يتطلب تفاهما عميقا وموثوقا فيه مع حماس، لتشجيعها على أن تلعب دورا إيجابيا في مستقبل القطاع، إذا تأكدت أن عملية السلام لا تنطوي على سياسة إقصائية موجهة ضدها. هذا المنطق تعارضه حكومة نتنياهو بقوة، وتعتبر أن المحور الرئيسي للمرحلة الثانية من خطة السلام، يتوقف أساسا على نزع سلاح حماس. وفي المقابل تريد إسرائيل السماح لها بالتلاعب في الالتزام بشروط مفاوضات السلام، ومنها وقف الاعتداءات على الفلسطينيين، وعدم اعتراض قوافل المساعدات الانسانية، باعتبار أنها الطرف الذي يتحمل عمليا مسؤولية إدخال المساعدات وتحديد ما تسمح بدخوله.

ومن الملاحظ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يشارك التعنت الإسرائيلي ضد حماس، ولا يحكم عليها حكما سلبيا مطلقا باعتبارها «تنظيما إرهابيا» من وجهة نظر القانون الأمريكي، بل قد تكون لديه مبررات قوية لدراسة صفقة للتعاون مع حماس إذا أحسنت قيادتها الحالية، إعادة تقديم نفسها للإدارة الأمريكية باعتبارها شريكا محتملا على غرار ما فعلته هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد الهيئة سابقا ورئيس سوريا المؤقت حاليا. إن خبرة الإدارة الأمريكية مع القيادة السورية الجديدة تتسم بالطابع الإيجابي، منذ أن بادرت المملكة السعودية بتقديم قيادتها إلى ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض. حماس يمكن أن تستفيد من هذا المناخ السياسي، الذي يسمح بالتعامل مع تنظيمات كانت في الوقت الحالي.

وليس من المتوقع أن يحصل نتنياهو خلال زيارته القريبة إلى واشنطن تنازلات كبيرة من الرئيس الأمريكي، نظرا لاعتبارات كثيرة داخلية في إسرائيل وإقليمية في الشرق الأوسط. وبالنسبة للداخل الإسرائيلي يواجه نتنياهو تدهورا كبيرا في وضعه المؤسسي، خصوصا بعد قرار المحكمة العليا إلغاء قرار إقالة المدعي العام، والجدل الدائر بشأن أحقيته في ممارسة السياسة في حال العفو عنه في قضايا الفساد والرشوة التي يحاكم فيها حاليا. وعلى الصعيد الإقليمي لا يزال من غير المعروف أسماء الدول الموافقة على المشاركة في قوة الاستقرار الدولية، وما هي الشروط التي ستُفرض بموجبها عمليات الانتشار، وفي أي مواقع محددة. وقد أعلنت حماس معارضتها الشديدة لنزع السلاح، وطرحت بدلا من ذلك صيغاً أخرى حول «تجميد» أو «تخزين» أسلحتها العسكرية. وفي الوقت نفسه تُصر مصر وتركيا على أن تُركز القوات الإسرائيلية أولاً على إنشاء منطقة عازلة بين القوات الإسرائيلية وقوات حماس، ثم تتناول مسألة نزع السلاح لاحقاً.

كذلك من الملاحظ أن هناك توترا بين إسرائيل ومصر من الصعب تجاهله، خصوصا بعد إعلان مصر رفض عقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في الظروف الراهنة، ما يعطي إشارات لا تخطئ عن ضعف نتنياهو السياسي إقليميا. وتوجد في الولايات المتحدة أصوات قوية تعتبره مسؤولا عن تطرف المستوطنين في الضفة الغربية. ومن ثم فإن قدرته في الضغط على ترامب الآن هي في أسوأ حال، ما يجعله هدفا سهلا، رغم محاولات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

وعلى هذا فإنه رغم التفاؤل بانتقال خطة ترامب للسلام في غزة إلى المرحلة الثانية، فإن هناك تحديات كثيرة يتعين التغلب عليها من أجل توفير الشروط الضرورية للنجاح. أول هذه الشروط هو المحافظة على استقرار وقف إطلاق النار وإلزام إسرائيل بوقف هجماتها.

الشرط الثاني هو إعلان تشكيل مجلس السلام، والهيئة التنفيذية الإدارية، وتشكيل قوة الاستقرار الدولية مع تحديد إطار واضح لمهمتها، وتحديد برنامج الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة في القطاع، والشرط الثالث هو توفير مقومات البدء في برنامج الإعمار وإعادة البناء، ثم تأتي بعد ذلك مسألة جمع سلاح حماس وآليات الوصول إليه بواسطة الشرعية الفلسطينية.

وإذا كانت إسرائيل حريصة على لعب دور دبلوماسي يسهم في رسم خطوط تنفيذ خطة ترامب، فإنه يتعين على الدبلوماسية العربية أيضا أن تشتبك في عملية رسم ملامح المستقبل في غزة، وأن تبذل مجهودا كبيرا في تأكيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة، وأيضا في تأكيد حق شعوب المنطقة في التعايش على أسس العدالة والمساواة والاحترام المتبادل والتعاون.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل