مقالات مختارة

مواجهة إسرائيل باتت مهمة عالمية

رجب ابو سرية
جيتي
جيتي
لا يقول بنيامين نتنياهو، حين يصر على مواصلة الحرب على كل من لبنان وغزة الكلام جزافا، ولا من قبيل الاستهلاك المحلي، ولا حتى بدافع التكتيك التفاوضي، وقد بات من الماضي، بعد إعلان ومن ثم ضمانة اربع دول لخطة ترامب لوقف الحرب على غزة، وحتى الأميركيون متأكدون من أن نتنياهو وكل أعضاء حكومته اجبروا على الموافقة على تلك الخطة، لأنهم كانوا يعرفون بأن الضامنين ذاهبون لوقف الحرب تماما، بمن فيهم الضامن الأميركي، وحتى لا يخسروا آخر حليف تبقى لهم في العالم بأسره، وافقوا على الخطة، مراهنين على أن ينجحوا في وقفها عند حدود تنفيذ المرحلة الأولى منها، تلك الخاصة بإطلاق محتجزيهم لدى «حماس»، مقابل إطلاق الأسرى الفلسطينيين، دون القادة أو الرموز، وما يؤكد كل هذا هو إصرار نتنياهو بالتحديد على التشدق كل الوقت، بكل ما من شأنه أن يبقي على نار الحرب مشتعلة، من قضايا مثيرة للخلاف ليس مع «حماس» وحسب، ولكن مع رعاة خطة وقف الحرب.

ونحن نقصد بهذا معارضته لأن تشمل قوات حفظ السلام جنودا أتراكا، كذلك معارضته لأي دور لكل من قطر وتركيا، رغم أن قطر أولا كانت هي الراعي الرئيس مع مصر لصفقات التبادل، طوال عامي الحرب، وتركيا ثانيا، دخلت على خط رعاة التفاوض في فصله الأخير، كذلك إعلان نتنياهو ليل نهار، على انه لن يكون هناك انتقال للمرحلة التالية، دون استلام إسرائيل لجثث كل من تبقى من محتجزين، مع حرص إسرائيل في الوقت نفسه، على حرمان غزة من المعدات اللازمة للبحث عما تبقى من جثث، فضلا عن كون الجثث التي سلمت لإسرائيل لاحقا، أي أسابيع من بدء تنفيذ خطة وقف الحرب، كانت ضمن ما يسمى الخط الأصفر، أي تحت السيطرة الإسرائيلية التي تمنع عناصر «حماس» من الاقتراب منها، أي أن نتنياهو كان ولا يزال يعرقل تنفيذ الخطة.

ولم يقتصر هذا الأمر على الأقوال وحسب، ولكن رافقت تنفيذ المرحلة الأولى خروقات إسرائيلية بالجملة، ولعل مجرد التذكير بأن هناك نحو ثلاثمائة شهيد سقطوا في غزة، منذ بدء تنفيذ خطة وقف الحرب، يؤكد بأن إسرائيل ما زالت تبقي على نار الحرب مشتعلة، وفقط اضطرت لخفض اشتعالها، خاصة على جبهتي لبنان وغزة، فيما أبقت على النار في جبهة الضفة الغربية كما هي، بل زادت من وتيرتها.
نتنياهو بكل صفاقة لا يرى المرحلة التالية من خطة ترامب

ونتنياهو بكل صفاقة لا يرى المرحلة التالية من خطة ترامب، وذلك بعد تنفيذ كل ما له علاقة بالجانب الذي يهمه فقط من المرحلة الأولى، أي تحرير ما تبقى وهو ثلاث جثث، ولا يرى أنه من جانبه لم يفتح معبر رفح، ولا سمح بإدخال شاحنات الإغاثة بالعدد المتفق عليه، ولم يلتزم بوقف إطلاق النار، وما زال هو وكل أعضاء حكومته يتصرفون على أساس انه «يحق لهم ما لا يحق لغيرهم»، وهذا هو جذر العنصرية أينما ظهرت وكيفما مورست، والحقيقة أننا ومنذ وقت طويل توقعنا أن تتصرف إسرائيل بهذا الشكل، أي بأن لا توقف الحرب تماما.

وستبقي على ما كانت دائما تصفه بالباب الموارب، أو الباب الدوار، وأنها ستفعل في آخر المطاف في غزة ما تفعله في الضفة الغربية منذ عدة سنوات، بالتحديد منذ ما قبل 7 أكتوبر، وفق ممارسة استراتيجية عمليات المطاردة الساخنة، واليوم، تضيف عليها ما يسمى العمليات الاستباقية، القائمة على مجرد الشك، وقد أتخمت العقلية السياسية الإسرائيلية الحاكمة بكل أشكال العنف، لدرجة أن القتل بات طريقا لكل طالب شهرة ومنصب حكومي، ولعل «إقرار» عقوبة الإعدام، يؤكد أن إسرائيل قد قطعت صلتها تماما بما كانت تدعيه دائما من كونها دولة ديمقراطية، وأنها باتت «دولة عالم ثالث»، أو حتى دولة فاشية تحلم بالسيطرة الاستعمارية، على كل الشرق الأوسط.

أي أن تفشي الرغبة في ممارسة القتل لدى قادة إسرائيل، ارتبط بتحقيق هدف إقامة دولة إسرائيل العظمى، التي تسيطر بشكل مباشر على المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل، وبشكل غير مباشر على كل الشرق الأوسط، وقد غذى هذا الحلم لديها، ومنذ عقود الحرص الأميركي على منحها التفوق العسكري على كل دول الشرق الأوسط منفردة ومجتمعة.

وذلك خلال الحرب الباردة، بما في ذلك الدول الحليفة لأميركا، بل وحتى تركيا التي كانت وما زالت عضوا في «الناتو»، وتواصل هذا الحرص الأميركي حتى الآن، أي منذ انتهاء الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود ونصف العقد، ولعل آخر تأكيدات هذا الأمر ظهر قبل أيام خلال اللقاء التاريخي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي كان من أهم بنوده تزويد السعودية بطائرات «أف 35» مقابل استثمارات سعودية في أميركا تبلغ تريليون دولار، وكان نفس هذا الأمر ظهر عند إبرام اتفاقية أبراهام بين إسرائيل والإمارات حيث كانت تطمح الدولة العربية بحصولها على «اف 35» مقابل تلك الاتفاقية، ورغم أن تنفيذ الصفقة دونه خمس سنوات قادمة، بعد موافقة الرئيس الأميركي، ورغم أن ترامب اعتبر السعودية حليفا عظيما كما هو حال إسرائيل، إلا أن مآل الصفقة لم يتضح تماما بعد.

واليوم، وبعد مرور اكثر من عامين على شن إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، ترافقت مع استمرار الحرب الاستعمارية المزدوجة على الضفة الغربية، من قبل المستوطنين والجيش معا، ومع حرب إقليمية شنتها إسرائيل على دول الجوار، لبنان وسورية، وما بعد الجوار، اليمن وإيران ومعهما قطر، وما نجم عن ذلك من تنديد عالمي بإسرائيل، بل ومن عزلة دولية، باتت معها إسرائيل دولة منبوذة تماما، خاصة بعد أن انفض الغرب الأوروبي عنها، ولم يعد لها من حليف سوى إدارة ترامب، أي انه حتى أميركا تقف معها بإدارتها فقط، فيما الحزب الديمقراطي المعارض له موقف مضاد، ولعل ظاهرة زهران ممداني خير دليل على ما نقول، لذلك لا بد من التفكير في الدافع الذي ما زال يدفع نتنياهو وحكومته لمواصلة الحرب، والتعرض لتلك العزلة الدولية، التي لم تتوقف تماما، ارتباطا بعدم توقف الحرب تماما، والتي ستأخذ منحنى نوعيا بعد إعلان دولة تشيلي سعيها للمطالبة بطرد إسرائيل من عضوية الأمم المتحدة.

وبالطبع، فإن وقف الحرب لا يتأكد بوقف إطلاق النار، ولا يكتفي بالانتقال للمرحلة التالية من خطة ترامب، ولا حتى بتنفيذ كل فصول أو بنود تلك الخطة، خاصة في حديثها عن مرحلة انتقالية لمدة عامين، وهذا ما يعرفه نتنياهو جيدا، بل إن مسار وقف الحرب يتأكد مع شق الطريق أمام المسار السياسي الذي ينتهي بقيام الدولة الفلسطينية، وهذا ما عاش نتنياهو حياته السياسية كلها من أجل منعه، بل وضع اليمين ومن ثم اليمين المتطرف المستند لقوة المستوطنين الانتخابية أولا وعنفهم الميداني ثانيا، أي أن هناك جانبا من الحقيقة يرتبط بحسبته السياسية للبقاء في الحكم، فيما الجانب الآخر مرتبط بتحقيق حلم كل اليمين الإسرائيلي بقيام دولة إسرائيل الكبرى، أي على كامل أرض فلسطين التاريخية أو الانتدابية، على اقل تقدير، وذلك في حال تعذر تحقيق حلم إسرائيل العظمى من الفرات إلى النيل.

وبتقديرنا، فإن قصف قطر، ومن ثم فرض خطة ترامب قد وضعا حدا لحلم إسرائيل العظمى، فيما بقي حلم إسرائيل الكبرى على ارض فلسطين الكاملة، مع توسعات حدودية في الشمال، على حساب سورية ولبنان، وشرقا على حساب الأردن وحتى جنوبا على حساب مصر، قائما، ولم يكن زلة لسان ما قاله أيلي كوهين وزير الطاقة عن حزب «الليكود»، من أن دولة فلسطين هي في الأردن، فقد سبقه إلى ذلك بتسلئيل سموتريتش، ونتنياهو نفسه، وكل هؤلاء يقولون أفكار عرابهم جابوتنسكي، ولأن نتنياهو هو قائد الجوقة، بل واكثرهم وعيا، فإنه يتصرف وفق مقولة «الفرصة الأخيرة» حيث إنه يعلم بأنه لم يعد لديه الكثير من الوقت لتحقيق ما يسعى إليه.

وعمليا، هناك ثلاثة أعوام، هي ما تبقى من ولاية ترامب، الذي سيخرج بعدها من البيت الأبيض، فيما قد يدخل إليه من هو على شاكلة ممداني، أي دخول ديمقراطي اشتراكي يتوافق مع العالم، فيما دخول جمهوري على شاكلة جي دي فانس أو مارك روبيو يبدو شبه مستحيل، لكل هذا يواصل نتنياهو محاولته فرض دولة فاشية في مركز العالم الجغرافي، ولأجل هذا يدرك العالم يوما بعد يوم خطورة إسرائيل في ظل حكومة قومية فاشية، تتمتع بأغلبية على أي حال، لذا فإن مواجهة دولة إسرائيل من شر نفسها باتت مهمة عالمية وليست مهمة فلسطينية وحسب.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل