شدد المفكر السياسي
المصري وعضو مجلس الشيوخ، الدكتور
عبد المنعم سعيد، في حواره مع موقع "عربي21" على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة "لا تزال ممكنة رغم كل الصعوبات والتشابكات الراهنة"، معتبرا أن الظروف الإقليمية والدولية قد تشكل، بعد انتهاء الحرب، فرصة لفتح مسار سياسي جديد إذا توفرت الإرادة الحقيقية من الأطراف المعنية.
وأوضح أن المأزق الذي وصل إليه الاحتلال
الإسرائيلي سياسيا وأخلاقيا يجعل خيار الدولة الفلسطينية أكثر حضورا في النقاش الدولي، رغم مقاومة الحكومة الإسرائيلية الحالية لأي حل سياسي.
وفي الوقت نفسه، أكد سعيد أن الموقف المصري ثابت وصلب تجاه رفض أي محاولة للتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع
غزة، مشيرا إلى أن القاهرة "تتعامل مع هذا الملف باعتباره خطا أحمر يرتبط مباشرة بالأمن القومي المصري."
وشدد على أن مصر تدير الأزمة بحسابات دقيقة، وتتخذ خطوات عملية على المستويين السياسي والأمني لمنع أي سيناريو من شأنه المساس بثوابت موقفها.
وانطلاقا من هذين الموقفين، انتقل الحوار ليتناول التطورات العسكرية والسياسية، إضافة إلى التحولات الإعلامية التي وصفها سعيد بأنها "الأكثر تأثيرا في تشكيل وعي العالم تجاه الحرب".
وأشار سعيد أن هناك أزمة سياسية داخل إسرائيل تتمثل في تآكل الثقة بين المجتمع الإسرائيلي وقيادته.
ورأى أن حكومة نتنياهو تواجه تحديا وجوديا بعد سلسلة من الإخفاقات العسكرية والاستخباراتية، مؤكدا أن ما يجري داخل تل أبيب ليس خلافا سياسيا عابرا، بل "هزة استراتيجية قد تؤدي إلى تغيير شامل في البنية السياسية بمجرد توقف العمليات العسكرية."
وقال إن "إسرائيل باتت تملك قوة نيران هائلة، لكنها فقدت القدرة على صياغة الرواية."
أما على المستوى الإقليمي، فقد أكد سعيد أن المنطقة تعيش مرحلة خطرة مع تمدد الحرب إلى جبهات متعددة، سواء في جنوب لبنان أو البحر الأحمر أو الضفة الغربية.
وأشار إلى أن سلسلة الاشتباكات المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله تشي باحتمال الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة إذا أخطأ أحد الأطراف في الحساب. وأضاف أن الولايات المتحدة تبذل جهودا لمنع اتساع الصراع، لكنها تواجه قيودا داخلية وضغوطا من تل أبيب تجعل خياراتها محدودة للغاية.
اظهار أخبار متعلقة
وبخصوص الدور المصري، أكد سعيد أن القاهرة تعمل بمنطق الدولة وليس بمنطق الانفعال السياسي، مشيرا إلى أن الهدف المركزي هو الحفاظ على الأمن القومي، وخاصة منع أي محاولة لإعادة طرح سيناريو تفريغ غزة من سكانها.
وقال إن "مصر ليست طرفا في المزادات الإعلامية، لكنها تنفذ سياسة ثابتة أساسها حماية حدودها ومنع
التهجير، وفي الوقت نفسه العمل على تسهيل دخول المساعدات وتخفيف المعاناة الإنسانية."
وأضاف أن مصر تدرك أن "اليوم التالي للحرب" سيكون مرحلة شديدة الحساسية، إذ ستتداخل فيها مصالح دولية وإقليمية، وستظهر صراعات على إدارة غزة وإعادة إعمارها.
ورأى أن الولايات المتحدة تحاول بناء تصور لما بعد الحرب، لكن هذا التصور "غير مكتمل ويصطدم بالواقع الفلسطيني الداخلي وبالمقاومة الشديدة من جانب الحكومة الإسرائيلية."
ولم يغفل سعيد الإشارة إلى التحولات العميقة في الرأي العام العالمي، والتي اعتبرها عاملا مفصليا في تغيير كيفية إدارة الصراع خلال السنوات المقبلة.
وقال إن "جيلا كاملا في الغرب أصبح أكثر تحررا من الرواية التقليدية حول الصراع، وأكثر انفتاحا على الرواية الفلسطينية، وهذا تطور لم تكن إسرائيل مستعدة له ولا قادرة على إيقافه."
وفي ختام حديثه، أكد سعيد أن المنطقة تقف أمام مرحلة مفصلية قد تفتح الباب لحلول سياسية، لكنها قد تحمل أيضا احتمالات تصعيد واسعة. وقال إن مستقبل الصراع يتراوح بين وقف إطلاق نار قابل للتطور نحو مسار سياسي، أو استمرار حرب طويلة منخفضة الشدة، أو انفجار إقليمي كبير إذا فشلت الأطراف في ضبط إيقاع المواجهات.
وختم قائلا: "رغم كل التعقيدات، تبقى إمكانية قيام دولة فلسطينية قائمة، وقد تتحرك من خانة المستحيل إلى خانة الممكن، لأن ميزان القوى الدولي والإقليمي يتغير، ولأن مصر تقف بثبات ضد أي خطط تمس جوهر القضية أو تتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني."