ما زال الإطار التنسيقي - الذي أعلن نفسه الكتلة البرلمانية الأكبر – يواصل العمل من أجل اختيار رئيس وزراء للحكومة العراقية، ضمن مسار سياسي مكثف يجري منذ صدور قرار المحكمة الاتحادية الذي حوّل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، ما فرض تسريع المشاورات قبل الدخول في فراغ سياسي أطول، فيما كشف القيادي في تيار الحكمة فهد الجبوري، عن وجود 14 مرشحًا لدى الإطار لنيل المنصب.
اظهار أخبار متعلقة
اللافت، أن منصب رئيس الوزراء لم يعد العقدة الأكبر في ظل تضارب تصريحات قياديي الإطار التنسيقي بشأن مرشحيهم، وهو ما فاقمه مفهوم "الكتلة الأكبر" الذي بات كـ"سُنة سياسية" أقرتها المحكمة الاتحادية خلال انتخابات 2010، بل إن حمى الخلافات أصابت الأحزاب الكردية – الكردية حول منصب رئيس الجمهورية أيضًا.
ومع تشكيل أغلبية سنية تُشبه الكتلة الشيعية الأكبر داخل قوى الإطار التنسيقي، وإعلان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ترشحه لمنصب رئاسة الحكومة، واعتزال رئيس الحكومة المنتهية ولايته لشركائه السابقين، فإن المرحلة المقبلة ما زال يكتنفها الغموض، ولمعرفة ما ستتمخض عنه الاجتماعات والتكتلات الجديدة، أجرى موقع "
عربي21" لقاءًا خاصًا مع سفير العراق السابق في فرنسا ومدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور غازي فيصل.
الإطار التنسيقي الذي أعلن نفسه الكتلة الأكبر، يقول إن لديه 14 مرشحًا لمنصب رئاسة الوزراء، هل هذه ظاهرة صحية سياسيًا؟ أم إنها توحي بوجود تشظٍّ وانقسامات بين كتل الإطار؟
- الإطار التنسيقي الذي أعلن نفسه الكتلة الأكبر في
البرلمان العراقي الجديد، يعكس في الواقع حالة من الصراع الداخلي والتفاوض حول منصب رئيس الوزراء. وفقًا لتقارير حديثة، لم يتم الإعلان عن 14 مرشحًا بشكل رسمي، بل هناك مراجعة لعدة أسماء محتملة، تصل إلى حوالي 5 مرشحين. هذا التنوع في الأسماء يشير إلى وجود اختلافات داخلية داخل الإطار، حيث يسعى بعض الأعضاء إلى فرض شروط على المرشح المقبل لضمان عدم تكرار تجربة محمد شياع السوداني الذي بنى قاعدة قوة مستقلة نسبيًا. سياسيًا، هذه الظاهرة ليست صحية تمامًا، إذ توحي بتشظٍّ يمكن أن يؤخر تشكيل الحكومة ويضعف الاستقرار، خاصة مع الحاجة إلى توافق سريع لمواجهة التحديات الاقتصادية مثل الموازنة.
حزب الدعوة رشح نوري المالكي لرئاسة الحكومة، ما هي حظوظه بالفوز؟ ما تجربته السابقة مثيرة للجدل؟ وهل قدم للأحزاب الكردية تنازلات من أجل دعمه؟
- حزب الدعوة الإسلامي أعلن ترشيح نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء في 22 تشرين الثاني 2025، بعد تصويت بالإجماع في مجلس الشورى الخاص به. حظوظه في الفوز تبدو معقولة نسبيًا، إذ يحظى بدعم داخل الإطار التنسيقي ومن بعض القوى السنية والكردية. ومع ذلك، تجربته السابقة كرئيس وزراء (2006-2014) مثيرة للجدل بشدة، إذ يُتهم بتعزيز الطائفية، وتفشي الفساد، وفقدان السيطرة على الأمن مما ساهم في صعود تنظيم داعش واحتلال ثلث العراق. هذا الإرث قد يعيق دعمه من بعض الأطراف، خاصة في ظل رغبة الإطار في مرشح "غير قوي" لتجنب تكرار استقلالية السوداني. أما التنازلات للأحزاب الكردية، فقد زار المالكي أربيل مؤخرًا لمناقشة دعمهم، مما يشير إلى إمكانية تقديم تنازلات حول الميزانية أو المناصب لكسب تأييدهم، لكن لم يتم الكشف عن تفاصيل محددة حتى الآن.
تأسيس القوى والتحالفات والأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات "المجلس السياسي الوطني"، هل جاء بتوافق داخلي أم بأمر خارجي؟ وهل سيزيد من ثقل التمثيل السني في الحكومة؟
- تأسيس "المجلس السياسي الوطني" من قبل التحالفات والأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات جاء في 23 تشرين الثاني 2025، بعد اجتماع موسع في بغداد بدعوة من خميس الخنجر (تحالف السيادة). يبدو أن التأسيس داخلي بشكل أساسي، هدفه توحيد المواقف السنية وتنسيقها حول القضايا الوطنية الكبرى، مثل تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس البرلمان. لا توجد دلائل واضحة على أمر خارجي مباشر، رغم أن بعض التقارير تشير إلى محاولة السُنّة لتعزيز دورهم في مواجهة الإطار التنسيقي الشيعي. هذا المجلس قد يزيد من ثقل التمثيل السني في الحكومة، إذ يجمع تحالفات مثل تقدم، وعزم، والسيادة، وغيرها، مما يمنحهم قوة تفاوضية أكبر للحصول على مناصب مثل رئاسة البرلمان أو الوزارات الرئيسية، خاصة مع حصولهم على مقاعد ملحوظة في الانتخابات.
هل ترى أن هناك حراكاً داخل الإطار التنسيقي باتجاه الإطاحة بأي فرصة لتجديد ولاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني؟
- نعم، هناك حراك واضح داخل الإطار التنسيقي باتجاه تقليص فرص تجديد ولاية محمد شياع السوداني كرئيس وزراء. أكدت مصادر داخلية أن أربع فصائل رئيسية في الإطار اتفقت على منعه من الولاية الثانية، خوفاً من أن يعمل ضد مصالحهم كما فعل سابقاً ببناء قاعدة قوة مستقلة. على الرغم من فوز تحالفه بـ46 مقعداً، إلا أن الإطار يفرض شروطاً صارمة على أي مرشح، مثل عدم تشكيل حزب سياسي أو حركة، واختيار فريق عمله عبر لجنة خاصة بالإطار.
هل تعتقد أن الموقف الأمريكي تجاه تشكيل الحكومة في العراق ما زال ضبابيًا؟ ما رأيك بتصريحات مبعوث ترامب مارك سافايا؟
- الموقف الأمريكي تجاه تشكيل الحكومة في العراق ليس ضبابياً؛ بل هو واضح ومباشر، يركز على دعم السيادة العراقية، وإنهاء المليشيات المسلحة خارج سيطرة الدولة، ومنع أي تدخل خارجي (خاصة الإيراني). المبعوث الخاص للرئيس ترامب، مارك سافايا، أكد في تصريحاته أن الولايات المتحدة تراقب عملية تشكيل الحكومة عن كثب، ولن تسمح بتدخل خارجي، مع التأكيد على أن العراق يجب أن يكون شريكاً قوياً خالياً من التأثيرات الضارة. هذه التصريحات تعكس استراتيجية ترامب لإعادة بناء العراق دون مكان للمليشيات، مع دعم الوحدة بين بغداد وأربيل. سافايا، الذي ينحدر من أصول كلدانية عراقية، يُعتبر مبعوثاً فعالاً لتعزيز الروابط، ويخطط لزيارة العراق قريباً للقاء القادة الرئيسيين.
وكالة "فيتش" ثبتت العراق عند تصنيف "بي ناقص" بسبب ارتفاع المخاطر السياسية والركود المالي، محذرة من تداعيات تأخر عملية تشكيل الحكومة، ما المخاطر على البلاد التي تعاني البطالة والفقر؟
- وكالة فيتش أكدت تصنيف العراق الائتماني عند "-B" مع نَظْرَة مستقرة في تشرين الثاني 2024، مشيرة إلى ارتفاع المخاطر السياسية، الركود المالي، والاعتماد الشديد على النفط (90% من الإيرادات). كما توقعت تأخراً في الموافقة على موازنة 2026 إذا طال أمد تشكيل الحكومة، مما يزيد العجز المالي من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 إلى 8% في 2024، ومتوسط 12.4% في 2024-2025. أما التداعيات على البلاد، التي تعاني من بطالة تصل إلى 15-20% وفقر يؤثر على 25% من السكان، ستكون خطيرة تتمثل بـ"صعوبة في دفع الرواتب والمعاشات، زيادة التضخم، تأخر الاستثمارات في البنية التحتية، وتفاقم الفجوة الاجتماعية". هذا قد يؤدي إلى احتجاجات، خاصة إذا انخفضت أسعار النفط دون 70 دولاراً للبرميل، مع ضعف الحوكمة والقطاع المصرفي الذي يعاني من مخاطر عالية. الحل يكمن في تنويع الاقتصاد وتسريع الإصلاحات، لكن التأخير السياسي يعيق ذلك.
اظهار أخبار متعلقة
رغم مرور نحو أسبوعين منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، رجحت أوساط سياسية تأخير تشكيل الحكومة وفق سيناريوهات سابقة كما حدث خلال الانسداد السياسي في انتخابات 2021، حيث توقع عضو تحالف "الفتح" محمود الحياني أن الأمر سيطول إلى 5 أو 6 أشهر بسبب اختلاف في الرؤى والقناعات لدى الكتل السياسية، إلا أن عضو ائتلاف نوري المالكي، عمران الكركوشي، قال إن الإعلان عن الحكومة الجديدة سيكون سريعًا ولا توجد صعوبات في ترشيح رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية.
وبالنسبة لمبعوث ترامب إلى العراق، مارك سافايا، الذي عيّن في 19 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لطالما حاول ردع الناخبين الشيعة عن دعم الكتل الموالية لإيران بحسب موقع "
ميدل إيست مونيتور"، فضلا عن توجهيه مرارًا تهديداتٍ مُبطّنة بفرض عقوباتٍ مُعوِّقة، إلا أن التهديدات أتت بنتائج عكسية، حيث أسفرت الانتخابات عن فوز المليشيات المدعومة من إيران بـ59 مقعدًا برلمانيًا من أصل 329 مقعدًا، إلى جانب العديد من المقاعد التي شغلتها أحزاب مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظام الإيراني، وبينما أشاد سافايا بالسوداني لما وصفه بتوجيهه البلاد في الاتجاه الصحيح، أكّد أن الولايات المتحدة تتوقع من
الحكومة العراقية الجديدة تحرير العراق مما وصفه بـ"التدخل الخارجي الخبيث، بما في ذلك من إيران ووكلائها".
ولعل المرحلة المقبلة ستشهد اشتدادا بصراع النفوذ بين واشنطن وطهران داخل العراق، وفقا لتقرير
معهد الشرق الأوسط الأمريكي، الذي أكد أن طهران تعتمد بشكل كبير على الدعم العراقي الذي يشكل خطّ حياة لنظامها السياسي، على حد تعبيره، كما كشف المعهد عن وجود نوايا لدى الإدارة الأمريكية لاستخدام نظام تمويل العراق من قبل الاحتياطي الفدرالي بالدولار من عائدات النفط كورقة ضغط مباشرة على الحكومة العراقية المقبلة، وصولًا إلى زعزعة استقرارها إذا لم تلتزم بالشروط الأمريكية"، مبينًا أن "واشنطن لا تستخدم هذه القناة كأداة ضغط فحسب، بل كسلاح يمكن توظيفه لزعزعة استقرار الحكومة القادمة في بغداد
وأوضح أن السياسة الأمريكية الحالية تجاه العراق تقوم على مزيج من الحوافز والتهديدات لحثّ بغداد على اعتماد سياسات تتوافق مع المصالح الأمريكية، خصوصًا في ملفات مكافحة الإرهاب وإدارة الشؤون الإقليمية، مع الحرص على عدم السماح بحدوث تبعات سلبية على سوق الطاقة العالمية أو على مصالح الشركات الأمريكية العاملة داخل العراق.
من جهته، قال موقع "
ذا ميديا لاين" الأمريكي، إن العراق ومنذ الغزو الأمريكي له عام 2003، ظل يعمل بنظام سياسي طائفي غير رسمي لتقاسم السلطة، فعادةً ما تُسند رئاسة الجمهورية إلى كردي، ورئاسة البرلمان إلى سني، ورئاسة الوزراء إلى شيعي، وقد أدى هذا الترتيب في كثير من الأحيان إلى تحويل مفاوضات ما بعد الانتخابات إلى مساومات مطولة بين الكتل الطائفية والعرقية قبل التوافق على تقاسم المناصب.