أظهر تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تفاصيل وثائق رسمية تُظهر أن حكومة
الاحتلال وقّعت خلال الشهور الأخيرة عقوداً بملايين الدولارات مع شركات أمريكية مقربة من الرئيس دونالد ترامب، بهدف تحسين صورة تل أبيب في
الولايات المتحدة بعد تراجع التأييد الشعبي لها، خصوصاً بين المسيحيين المحافظين والإنجيليين، عقب العدوان الوحشي على قطاع غزة.
وتتضمن العقود، وفقاً للوثائق المسجلة في وزارة العدل الأمريكية، حملات دعاية واسعة تستهدف ملايين المصلين في الكنائس الأمريكية، واستخدام شبكات من "البوتات" ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى محاولات للتأثير على نتائج محركات البحث وإجابات أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، بما يجعلها أكثر ميلاً لوجهة النظر الإسرائيلية.
عقود مع مقربين من ترامب
أكبر هذه العقود وُقّع في آب/ أغسطس الماضي مع شركة Clock Tower X المملوكة لـ براد بارسكال، مدير الحملات الرقمية لترامب في انتخابات 2016 و2020.
العقد قيمته ستة ملايين دولار لأربعة أشهر فقط، ويهدف إلى “تطوير وتنفيذ حملة أمريكية واسعة لمكافحة معاداة السامية”، لكنه في الواقع يركز على تحسين صورة إسرائيل داخل الأوساط المحافظة.
وينص العقد على إنتاج أكثر من 100 مادة إعلامية أساسية شهرياً، تشمل فيديوهات وبودكاست وصوراً ورسائل مكتوبة، إضافة إلى آلاف النسخ المشتقة للوصول إلى نحو 50 مليون مشاهدة شهرياً، تتركز 80% منها على منصات مثل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب.
ويجري توزيع المواد عبر شبكة Salem Media، وهي تكتل إعلامي مسيحي محافظ يملك أكثر من 200 محطة إذاعية وموقع إلكتروني، يقوده حالياً بارسكال نفسه.
اظهار أخبار متعلقة
تراجع غير مسبوق في التأييد الشعبي
تركّز "إسرائيل" في هذه الحملات على الجمهور المسيحي، خصوصاً الإنجيليين، بعدما أظهرت استطلاعات Pew بين عامي 2022 و2025 تراجعاً حاداً في الدعم الشعبي لإسرائيل حتى بين المحافظين.
فقد ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين ينظرون سلباً إلى الاحتلال من 42 بالمئة عام 2022 إلى 53 بالمئة عام 2025، وتشير البيانات إلى أن نصف الجمهوريين الشباب باتوا يحملون مواقف سلبية منها، في تراجعٍ غير مسبوق.
ويعزو محللون هذا التراجع إلى تداعيات الحرب في غزة، وإلى نظريات مؤامرة انتشرت في الأوساط اليمينية بعد مقتل المعلق المحافظ تشارلي كيرك، زاعمةً أن إسرائيل اغتالته بسبب انتقاده للحرب.
استهداف المصلين بالإعلانات
إحدى أبرز الحملات المقترحة أعدتها شركة Show Faith by Works التابعة للمستشار الجمهوري تشاد شنِتغر، وتتجاوز ميزانيتها ثلاثة ملايين دولار.
تركز الحملة على استهداف الكنائس والمنظمات المسيحية في الولايات الغربية من خلال ما وُصف بأنه “أكبر حملة تحديد مواقع جغرافية في التاريخ الأمريكي”، عبر رسم خرائط رقمية لكل كنيسة وكلية مسيحية رئيسية في ولايات ككاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وكولورادو، بهدف تعقّب الحاضرين خلال ساعات العبادة وتوجيه إعلانات لهم لاحقاً.
وتقدّر الوثائق حجم الجمهور المستهدف بنحو ثمانية ملايين مصلٍّ وأربعة ملايين طالب مسيحي.
وتتضمن الحملة رسائل دينية تبرر دعم إسرائيل عبر مقولات “كتابية”، وتتهم
الفلسطينيين بأنهم اختاروا حماس ويدعمون “الإرهاب” ويشاركون إيران في “نية إبادة إسرائيل”.
اظهار أخبار متعلقة
التأثير على ChatGPT
الوثائق تشير إلى أن العقود الجديدة تمثل أول حالة موثقة لدولة تحاول التأثير على الخطاب الصادر من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وClaude.
ويتضمن عقد شركة Clock Tower X بنداً بعنوان “عمليات البحث واللغة” يهدف إلى “توليد نتائج موجهة في محركات البحث وأنظمة المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي”.
ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل انتقالاً من مرحلة تحسين ظهور المواقع المؤيدة لإسرائيل في نتائج جوجل (SEO)، إلى مرحلة التأثير في طريقة صياغة الإجابات التي تنتجها النماذج اللغوية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
مؤثرون و"مشروع إستير"
كما كشفت الوثائق عن حملة أخرى بقيمة مليون دولار نفذتها شركة Bridges Partners لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية، ضمن مشروع يُعرف باسم "مشروع إستير".
ويهدف المشروع إلى تجنيد 14 إلى 18 مؤثراً أمريكياً لإنتاج محتوى إيجابي عن إسرائيل، بمعدل 25 إلى 30 منشوراً شهرياً لكل واحد منهم على إنستغرام وتيك توك ويوتيوب.
وتشير الملفات إلى أن المشروع قد يكون مرتبطاً بخطة مشابهة أطلقها “مؤسسة التراث” (The Heritage Foundation) المحافظة تحت الاسم نفسه، والتي دعت لتجريم النشاطات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأمريكية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وتُظهر الوثائق أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي باتت تعتبر الذكاء الاصطناعي “أداة مركزية” في عملياتها الدعائية الخارجية، خاصة عبر منظمة “أصوات من أجل إسرائيل” (Voices for Israel) المدعومة من وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية.
وتشير وثائق داخلية إلى إنشاء "غرفة حرب تكنولوجية" تضم أنظمة مراقبة وتحليل بيانات ضخمة وأدوات تفعيل وتوزيع رسائل، ضمن ما تسميه تل أبيب “عمليات الإدراك الجماهيري” لمواجهة ما تصفه بـ“حملات نزع الشرعية عن إسرائيل”.
للاطلاع إلى التحقيق كاملا (
هنا)