أقر مجلس النواب 
المصري، الأحد، مشروع قانون يقضي بزيادة قيمة رسم كل تصديق تجريه وزارة الخارجية للمصريين والأجانب في الداخل والخارج، مع توجيه تلك الرسوم لصالح "صندوق تمويل منشآت وزارة الخارجية"، وتأمين الرعاية الصحية للعاملين بالوزارة السيادية.
ويُعد التعديل الذي شمل بعض أحكام القانون رقم 212 لسنة 1980، والذي كان ينص سابقا على فرض خمسة جنيهات فقط على مباني وزارة الخارجية في الخارج، خطوة اعتبرها مراقبون امتدادا لـ"سياسة الرئيس عبد الفتاح 
السيسي في استنزاف المصريين"، من خلال زيادة الأعباء المالية عليهم.
وشمل القرار أيضا رفع رسوم كل تأشيرة في منافذ الدخول، وكل تأشيرة أو معاملة قنصلية داخل السفارات والقنصليات المصرية، بواقع 50 جنيهاً أو 20 دولارا، أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى (حيث يبلغ سعر الدولار نحو 47.22 جنيها).
التعديل الذي طالبت به الحكومة المصرية، أقر تخصيص حصيلة تلك الزيادات في قيمة خدمات 
الخارجية المصرية، ومنافذ الدخول إلى البلاد، وحصيلة عمل السفارات والقنصليات، لصالح صندوق تشرف عليه وزارة الخارجية، واعتباره موردا من مواردها، وذلك للقيام بأمرين.
الأول: "تطوير وصيانة مباني السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، دون الاعتماد على موازنة الدولة العامة"، والثاني: "توجيه نسبة 5 بالمئة من حصيلة الصندوق لصناديق تأمين أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي وتوفير الرعاية الصحية لهم وللعاملين بوزارة الخارجية".
تبرير البرلمان
لجنتي "العلاقات الخارجية"، و"الخطة والموازنة" بمجلس النواب، بررت موافقتها بأن "التعديل راعى تخفيف العبء عن المواطن الُمستفيد من المعاملات القنصلية بالداخل"، مشيرة إلى أن "الرسم بالخارج يعد مبلغا زهيدا مقارنة بدول العالم"، مؤكدة أن "تحولات الاقتصاد المصري والعالمي كانت تتطلب زيادة بأكثر من ذلك".
وقال وكيل لجنة العلاقات الخارجية طارق الخولي، إن الصندوق الجديد يأتي على غرار صناديق مماثلة لأعضاء الهيئات القضائية، ولأعضاء هيئة الشرطة، والتي يجري تمويل الأولى من رسوم التقاضي، ومن المحررات الرسمية الصادرة من وزارة الداخلية، للثانية.
وخلال الجلسة العامة للبرلمان، ذهب بعض النواب لشرح فوائد التعديل على القانون ومنها تخفف العبء على الموازنة العامة للدولة، وظهور السفارات والقنصليات المصرية بمظهر جيد أمام العالم.
لماذا يدعم السيسي الخارجية؟
يأتي تعديل القانون، وزيادة مخصصات الرعاية الصحية للدبلوماسيين المصريين بعد سلسلة وقفات احتجاجية رفضا لموقف القاهرة من حرب غزة نظمها معارضون أمام سفارات وقنصليات مصرية بأوروبا، شهدت مناوشات بين أفراد أمن السفارات وبعض المحتجين.
ويرى مراقبون أن زيادة الرسوم على معاملات المصريين القنصلية والمحررات الرسمية التي يحتاجها أكثر من 14 مليون يعيشون بالخارج، هي مكافأة من السيسي، لأعضاء الهيئات الدبلوماسية والقنصلية على حساب المصريين، على طريقة تعديلات سابقة لقوانين دعم صناديق ضباط الجيش، والشرطة، والقضاة.
وفي تموز/ يوليو 2016، جرى تعديل القانون (36 لسنة 1975) لدعم صندوق "الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية"، من القضاة، والنيابة العامة، ومجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة.
وفي 13 آذار/ مارس 2018، تم تدشين "صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم"، لتوفير الرعاية والدعم لضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة، ما تبعه تعديل في 3 آذار/ مارس 2021، بتحسين وتوسيع أوجه رعاية الصندوق.
ويلفت مراقبون إلى أن منح السيسي، امتيازات خاصة بالجيش، والشرطة، والقضاة، ودعم صناديقهم الخاصة بالموارد، يأتي على خلفية دورهم في الانقلاب العسكري الذي قاده منتصف العام 2013، على أول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي، وأدى إلى قتل واعتقال آلاف المعارضين، ثم تصدره المشهد وتولي حكم البلاد.
ويلمحون إلى أن وزارة الخارجية حققت مؤخرا عدة نجاحات على الصعيد الدولي والإقليمي، بينها دورها في المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي الشهور الماضية، وحشدها لأجل فوز المصري خالد العناني بمنصب مدير اليونسكو 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وشهدت الدبلوماسية المصرية خلال الشهر الماضي نشاطا مكثفا، تمثل في استضافة "مؤتمر السلام" بمدينة شرم الشيخ يوم 13 بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ثم المشاركة في القمة المصرية الأوروبية بالعاصمة البلجيكية بروكسل في 17 من الشهر نفسه، والتي أسفرت عن حصول القاهرة على دعم مالي بقيمة 4 مليارات يورو، إضافة إلى افتتاح المتحف المصري الكبير مطلع الشهر الجاري، والترويج لمؤتمر إعمار غزة المتوقع عقده قريبا.
قيمة الزيادات وحجم الإيرادات
ويتوقع أن تحقق الزيادات الجديدة في الرسوم إيرادات مرتفعة، إذ تشير تقديرات وزارة الهجرة إلى أن عدد المصريين المقيمين في الخارج يبلغ نحو 14 مليوناً، يتركز معظمهم في السعودية والكويت والأردن والإمارات وتركيا، إلى جانب جاليات كبيرة في الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وفرنسا وأستراليا. ويُعد هؤلاء المغتربون أحد أهم مصادر العملة الصعبة لمصر، بعدما بلغت تحويلاتهم نحو 23.2 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
وتصدر الخارجية عبر 26 مكتبا للتصديق تابعة لها بالداخل، ونحو 162 سفارة وقنصلية بالخارج: "التوكيلات" بأنواعها، والإقرارات، وتصديق عقود الزواج، والطلاق، وشهادات الميلاد والوفاة، والشهادات التعليمية، والمستندات التجارية: كالتصديق على شهادات المنشأ والفحص والعلامات التجارية، وعقود تأسيس الشركات والعمل، وغيرها.
تنقسم رسوم التصديق على المحررات في مكاتب وزارة الخارجية إلى: "المستندات العادية والشخصية"، وتتطلب دفع رسوم 115 جنيه، و"المستندات التجارية والاستثمارية"، والتي يدفع طالبها 410 جنيهات، وفق الصفحة الرئيسية لوزارة الخارجية.
وبحسب السفارة المصرية في العاصمة الأمريكية واشنطن فإن الرسوم تصل 47 دولارا للتصديق على المستند غير التجاري، و125 دولارا للتصديق على أي مستند بمحتوى تجاري.
ووفقا لصفحة القنصلية المصرية في دبي، فإن التصديق العادي يتكلف 180 درهما (49 دولارا)، بينما التصديق التجاري بنحو 480 درهما.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب الصفحة الرسمية لسفارة مصر بإيطاليا فإن التصديق العادي على المستندات يكلف 78 يورو، يضاف عليها 75 يورو للترجمة، لتبلغ رسوم التوكيلات 200 يورو بجانب رسم الترجمة، لتصل شهادات الزواج 363 يورو، مع إضافة رسم آخر، و393 يورو مقابل شهادات الطلاق، و45 يورو لاستخراج شهادة الميلاد.
وفي العام 2018، رفعت السفارات والقنصليات المصرية رسوم التوثيق وإصدار المحررات الرسمية، لتعيد رفع قيمتها إلى أكثر من 110 بالمئة في أيلول/ سبتمبر 2020، لترتفع من 150 إلى 180 وحتى 275 يورو، لتصل مؤخرا وفق تأكيد متعاملين لـ"عربي21"، حدود 400 يورو لوثيقة الزواج فقط.
وقال المصري المقيم في ميلانو، (م. ح): "لا أفضل التعامل مع القنصلية المصرية، لسوء معاملة الموظفين، واستغلالهم لنا ماديا أسوأ استغلال، وضياع يوم كامل لقضاء معاملة قد لا تستغرق في المكاتب الحكومية الإيطالية أكثر من 5 دقائق".
وفي السياق، وعقب الانقلاب العسكري الذي ضرب البلاد 3 تموز/ يوليو 2013، يشكو آلاف المعارضين المصريين في بلدان تركيا وماليزيا وغيرها من قيود واسعة على تمرير معاملاتهم القنصلية واستخراج محرراتهم الرسمية وتجديد بطاقاتهم وجوازات سفرهم المصرية.
تعديل فج
وفي تعليقه يرى الباحث في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، أن "هذا تعديل فج يمس جوهر قضية المصريين العاملين في الخارج"، موضحا أن "فرض الدولة الرسوم بالدولار بدا كتوجه واستراتيجية بحق أموال ومدخرات المصريين وتحويلاتهم منذ عام (2021/2022)".
القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، أضاف لـ"عربي21": "في ظل أزمة الدولة المالية اكتشفت أن تحويلات المصريين تعادل مصادر دولارية مثل تصدير المواد البترولية، ودخل قناة السويس، والسياحة؛ وبدأت تطلق مبادرات وتضع خططا وتطرح استراتيجيات للتحكم فيها".
وتابع: "وصل الأمر حد إعلان وزيرة التعاون الدولي السابقة نبيلة مكرم عبيد، إنشاء شركة يساهم فيها المصريون بتحويلاتهم ومدخراتهم، مع مبادرات بيع السكن والأرضي بالمدن الجديدة ومبادرة السيارات وجميعها بالعملة الصعبة، وتسوية موقف تجنيد المقيمين بالخارج مقابل 5 آلاف دولار ثم رفعه إلى 7 آلاف".
استراتيجية الاستنزاف
ويرى بربري، أن "هذا الإجراء الجديد يأتي ضمن استراتيجية لاستنزاف مدخرات المصريين باعتبارها ملكا للدولة"، ملمحا إلى أن "تحويلات المصريين للبنوك المحلية يتم صرفها رغما عنهم بالجنيه، مع توقيف من يصر على صرف تحويله بالدولار، ومصادرة ما بحوزته من عملات أجنبية".
وقال: "بهذا تكون الاستراتيجية واضحة، وأن جزءا من الإجراء الحاصل بزيادة الرسوم والأعباء هو فرض جباية جديدة، ليس لأجل خزينة الدولة، ولكن لتحسين أوضاع وزارة سيادية من الوزارات الاستراتيجية المحورية صاحبة الموازنات كبيرة".
مكافأة النخب
وأكد أن "توجه السلطات هذا يكشف عن عدة أزمات، أولها: انسحاب الحكومة من الإنفاق على الوزارات والأجهزة الحكومية من أموال الخزينة العامة، وثانيها: تحميل المواطن قيمة الصرف عليها رغم أنها لا تشركه في القرارات والسياسات، وثالثا: مكافأة النخب من الدبلوماسيين على حساب المغتربين".
اظهار أخبار متعلقة
ووصف الناشط العمالي، هذا التوجه بأنه "قاعدة سياسية لامتصاص أموال المصريين في الخارج عبر مبادرات وخطط وسياسات متنوعة"، ملمحا إلى أن "ذلك يخلق لدى المصريين المغتربين انعدام ثقة في الحكومة، وفي وضع سعر الصرف، وفي الإصلاح الاقتصادي".
في نهاية حديثه طالب الدولة بـ"ألا تتعامل مع المصريين بالخارج أنهم خزان للعملة الصعبة لمعالجة أزمات الدولة من الديون، وعجز الميزان التجاري، ومحاولة إنعاش إيرادات قناة السويس وتصدير المواد البترولية وغير البترولية، والوصول بالسياحة للطفرة المتوقعة مع البينة التحتية الكبيرة لها".
معاناة 108 ملايين مصري
ويلفت ناشطون إلى أنه في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بدعم الفئات العليا من المجتمع وأصحاب الرواتب الكبيرة من ضباط الجيش والشرطة والقضاة وأعضاء السلك الدبلوماسي، يعاني نحو 108 ملايين مصري من تفاقم الأزمات الاقتصادية وزيادة نسب الفقر والغلاء.
وبداية من تموز/ يوليو الماضي، تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه شهريا نحو (148 دولارا بسعر اليوم)، وبينما يصل الأحد الأقصى للأجور نحو 245 ألف جنيه شهريا، للقيادات الحكومية وكبار الموظفين بالدولة.
ورغم اتساع الفجوة بين الحدين الأدنى والأقصى، ترفض الكثير من الشركات الخاصة والقطاعات الاقتصادية تطبيق الحد الأدنى للأجور، ما دفع لتزايد وتيرة الإضرابات العمالية.
وشهدت مصر مؤخرا عددا من الوقفات الاحتجاجية والإضرابات العمالية بسبب ضعف الرواتب، منها إضراب 1500 عامل بشركة "القناة لرباط وأنوار السفن" التابعة لهيئة قناة السويس الحكومية، الأربعاء الماضي، بحسب "لجنة العدالة"، ومقرها جنيف.
ورفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود مرتين خلال العام الجاري، أولها في نسيان/ أبريل، بقيمة جنيهين لكل نوع، فيما جاءت الزيادة الثانية في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وشملت جميع أنواع البنزين والسولار وبنسبة 13 بالمئة، ما دفع اتحاد عمال مصر، لمطالبة الحكومة بزيادة جديدة في الأجور.
ويشكو أصحاب المعاشات من سوء أوضاعهم مع ضعف قيمة المعاش الشهري الذي يبلغ متوسطه لعام 2024، نحو 3 آلاف جنيه وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو ما يقابله متوسط إنفاق للأسرة على الطعام والشراب نحو 5600 جنيها، فيما يشير تقرير بعنوان: "نحو سياسة عادلة للمعاشات"، إلى أن نسبة أصحاب المعاشات تحت خط الفقر تبلغ 34 بالمئة.
وفي شباط/ فبراير الماضي، كشفت أرقام حكومية عن وضع صحي سيئ، ومعاناة نحو ثلث المصريين من مرض "فقر الدم"، ما أرجعه متحدثون لـ"عربي21" إلى نقص بعض أنواع الغذاء، وسوء نوعيته، وتراجع أدوار الدولة في مجال الصحة، وتسليم القطاع الصحي والدوائي للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، وتراجع الاهتمام بالتغذية الصحية لتلاميذ المدارس.
وأشار "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار"، بمجلس الوزراء المصري، إلى أن 40 بالمئة من المصريين يعانون من "فقر الدم"، مؤكدا أن ذلك "يسبب انخفاضا في الطاقة الإنتاجية للفرد، ويمثل عبئا اقتصاديا على الدولة".
وفي 20 آذار/ مارس الماضي، أصدر مركز "بصيرة" تقريرا كشف انخفاض استهلاك المصريين للحوم إلى النصف؛ لارتفاع أسعارها، وضعف قوتهم الشرائية، مؤكدا انخفاض استهلاك المصريين من اللحوم من 18 طن لكل 1000 من السكان عام 2018 إلى 9 طن لكل 1000 من السكان عام 2022.