ملفات وتقارير

فرحة جماعية في الرباط.. كيف أعاد تتويج "أشبال الأطلس" النقاش حول صناعة الأبطال في المغرب؟

 هذا الصدى الإقليمي والدولي يعكس المكانة المتصاعدة للمغرب- ماب
هذا الصدى الإقليمي والدولي يعكس المكانة المتصاعدة للمغرب- ماب
"هؤلاء الشبان أعادوا لنا الأمل في الرياضة المغربية، وأثبتوا أن الاستثمار في التكوين يؤتي ثماره"، هكذا قال أحد المشاركين في الاستقبال الشعبي الحاشد، بينما كانوا المغاربة متواجدين على طول الشارع الرئيسي المؤدي إلى القصر الملكي.

وفي مشهد احتفالي غير مسبوق، توافد المئات من المغاربة، الأربعاء، على شارع محمد الخامس وسط العاصمة الرباط، لمشاركة المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة فرحة التّتويج، بكأس العالم للشباب التي أُقيمت في الشيلي، وهو أول إنجاز من نوعه في تاريخ كرة القدم المغربية والعربية.

بين الأعلام المرفوعة والهتافات المُتصاعدة، اختلطت مشاعر الفخر بالدهشة؛ أمام جيل شاب استطاع أن يهزم مدارس كروية عريقة مثل الأرجنتين والبرازيل، ويكتب صفحة جديدة في مسار كرة القدم المغربية. 


احتفال رسمي برعاية ملكية
بتعليمات من الملك محمد السادس، ترأس ولي العهد الأمير مولاي الحسن، مساء الأربعاء، حفلا بالقصر الملكي بالرباط على شرف أعضاء المنتخب الوطني. وخلال الاستقبال، قدّم رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، والمدرب محمد وهبي، إلى جانب لاعبي المنتخب، التحية، قبل التقاط صورة تذكارية جمعت الأمير بالفريق الشاب المتوّج بكأس العالم.

عقب ذلك، أقيم حفل شاي رسمي، في تقليد دأب عليه القصر المغربي تكريما للرياضيين الذين يحققون إنجازات استثنائية، تعبيرا عن "العناية" التي يوليها الملك محمد السادس للشباب والرياضة، وفق ما جاء في بلاغ وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة.


الرياضة كعنوان لسياسة دولة
رغم الطابع الاحتفالي، فإن الحدث فتح الباب على نقاش أوسع حول استراتيجية المغرب في الاستثمار الرياضي، خصوصا بعد النجاحات المتتالية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، انطلاقا من إنجاز المنتخب الأول في مونديال قطر، مرورا بتألق المنتخبات النسوية، وصولا إلى تتويج فئة الشباب اليوم.

وأبرز عدد من المتابعين للشأن الرياضي، في حديثهم لـ"عربي21" أنّ: "هذه النتائج ليست صدفة، بل ثمرة سياسة رياضية متكاملة، تمثلت أساسا في مشروع أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي تأسست عام 2009، كإحدى أبرز المؤسسات الإفريقية في مجال تكوين المواهب". 

إلى ذلك باتت الأكاديمية تُنتج جيلا من اللاعبين الذين يمزجون بين التعليم والتكوين الاحترافي، ما جعلها أشبه بـ"مختبر لصناعة الأبطال" في القارة.

"هذا الفوز يؤكد أن المغرب يسير بثبات نحو تحويل الرياضة إلى رافعة وطنية للهوية والدبلوماسية"، يقول المتابعين للشأن الرياضي المغربي، في عدد من التصريحات الصحافية، موضحين أن "النجاح في الفئات العمرية يعني أن هناك رؤية بعيدة المدى تتجاوز منطق النتائج الآنية إلى بناء منظومة دائمة".
فرحة وطنية ورسائل سياسية

لم يقتصر الاحتفال على الجانب الرياضي، بل حمل رسائل رمزية متعددة. فالاستقبال الشعبي في الرباط جسّد، بحسب محللين، وحدة وجدانية بين المؤسسة الملكية والمجتمع المغربي، في لحظة وطنية عابرة للفوارق الاجتماعية والسياسية.

الملك محمد السادس، الذي بعث برقية تهنئة لأعضاء المنتخب بعد فوزهم على الأرجنتين، وصفهم بأنهم "شرفوا المغرب وشبابه أحسن تشريف"، في إشارة إلى أن الإنجاز لم يعد مجرد انتصار كروي، بل رمزا لنجاح جيل شاب مؤمن بالعمل والاجتهاد، في بلد يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متعددة.
"كرة القدم اليوم ليست مجرد لعبة، إنها أداة قوة ناعمة تعزز صورة المغرب كدولة صاعدة في إفريقيا والعالم العربي"، يضيف عدد من المتحدّثين لـ"عربي21".

اظهار أخبار متعلقة


الرباط.. فرحة تُعيد الثقة
مع حلول المساء، تحوّل شارع محمد الخامس إلى مهرجان جماهيري. العائلات خرجت بأطفالها، الطلبة يرفعون صور اللاعبين، وأبواق السيارات لا تتوقف. بدا المشهد كما لو أن العاصمة تعيش يوماً وطنيا جديدا، عنوانه "جيل جديد من الأبطال".

تقول فاطمة، طالبة جامعية حضرت الاحتفال، إنّ: "هذا الفوز يعطينا الأمل بأن النجاح ممكن حين تتوفر الفرص والتدريب الجيد".

وتابعت في حديثها لـ"عربي21" بالقول: "ربما يكون هذا المعنى هو ما يجعل تتويج "أشبال الأطلس" أكثر من مجرد حدث رياضي؛ إنه تتويج لسياسة رياضية وطنية بدأت تؤتي أكلها، ورسالة إلى الشباب المغربي بأن التفوق ممكن حين تُصنع الفرص لا حين تُنتظر".

صدى عربي ودولي
لم يمر الإنجاز المغربي مرور الكرام في العالم العربي، إذ تصدّر وسم #أشبال_الأطلس مواقع التواصل في عدد من الدول العربية، وسط موجة تهاني من رياضيين ومحللين عرب وصفوا التتويج بأنه "انتصار لكل العرب". 

كذلك خصّت وسائل إعلام عالمية، المنتخب المغربي بتقارير موسعة، مشيدة بتطور "المدرسة المغربية الجديدة" في كرة القدم.

ويرى مراقبون أن هذا الصدى الإقليمي والدولي يعكس المكانة المتصاعدة للمغرب في المشهد الرياضي العالمي، ويؤكد أن "هذا الجيل من أشبال الأطلس" قد يكون بداية لعصر جديد في كرة القدم المغربية، عنوانه الثقة والاحتراف وصناعة الأمل.
التعليقات (0)