برز
جيل زد في العديد من دول العالم باعتباره قوة احتجاجية صاعدة، قاد من خلالها حركات شعبية واسعة النطاق ضد الفساد والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية.
وتحولت هذه
الاحتجاجات، التي نظم بعضها عبر المنصات الرقمية، إلى انتفاضات ميدانية، تراوحت بين السلمية والدامية، في مناطق جغرافية متعددة من
المغرب وكينيا مرورا
نيبال وبنغلاديش وببيرو، لتسلط الضوء على دور الجيل الرقمي في تحدي الأنظمة السياسية القائمة وممارسة الضغط الشعبي المباشر.
يشير مصطلح جيل زد إلى الأفراد المولودين بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عادة بين عامي 1997 و2012 وفق مركز بيو للأبحاث، وهو الجيل الأول الذي نشأ بالكامل في عصر الإنترنت والتقنيات الرقمية.
ويتميز هذا الجيل بالتواصل الفوري والوجود الرقمي المستمر، مع اعتماد واسع على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية وتكوينهم الاجتماعي والثقافي.
ويأتي جيل زد بعد جيل الألفية المعروف باسم "جيل واي" المولود بين 1981 و1996، وقبل جيل "ألفا" المولود بين 2013 و2025، ويُعد أول جيل رقمي أصلي "Digital Native" لم يعرف عالم ما قبل الإنترنت.
الاحتجاجات في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية
بنغلادش (تموز/يوليو 2024):
عرفت البلاد احتجاجات دامية أطلقت عليها "ثورة جيل زد"، قادها آلاف الطلاب الشباب ضد نظام المحاصصة الحكومي الذي يخصص 30% من وظائف الخدمة المدنية لأقارب المحاربين القدامى.
وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل 91 شخصا على الأقل وإصابة المئات، ما دفع رئيسة الوزراء السابقة حسينة واجد إلى الاستقالة بعد اقتحام المتظاهرين مقرها الرسمي في العاصمة دكا. وقد فرضت الحكومة حظرا على الإنترنت وحظر تجول شاملا في محاولة للسيطرة على الغضب الشعبي.
كينيا (آب/أغسطس 2024):
شهدت العاصمة نيروبي في 2024 احتجاجات شعبية غير مسبوقة قادها شباب جيل زد، عبر منصات التواصل الاجتماعي، احتجاجا على مشروع قانون مالي مثير للجدل يتعلق بالضرائب على الخبز والسيارات.
وتحولت الاحتجاجات من رفض سلمي إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، مع اقتحام مبنى البرلمان وانقطاع خدمات الإنترنت.
وأعلنت الحكومة الكينية تعديل مشروع القانون بعد أن احتشد عشرات المتظاهرين خارج مبنى البرلمان في حزيران/يونيو 2024، فيما أكد الرئيس وليام روتو أن مشروع القانون ألغي بسبب رفض الشعب، معترفا بفشل السياسة المالية.
وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن الاحتجاجات تحولت إلى أعمال عنف رغم تأكيد الحكومة على حماية حق التجمع، مشيرة إلى وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان خلال التظاهرات.
وبعد عام من الاحتجاجات، خرج آلاف المتظاهرين مرددين شعارات مثل "يجب أن يرحل روتو"، مع رموز سلمية مثل أغصان الأشجار، في إشارة إلى رفضهم لحكم الرئيس وممارساته.
اظهار أخبار متعلقة
بيرو (أيلول/سبتمبر 2025):
اندلعت احتجاجات في بيرو بعد أن ألزمت الحكومة جميع البيروفيين وهم - مواطنون من اصل أوروبي - فوق سن 18 عاما بالانضمام إلى صندوق تقاعد خاص، ما أثار غضبا واسعا بين الشباب وأدى إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة في ليما، العاصمة.
واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، الذين ردوا بإلقاء الحجارة والعصي، وأسفرت الاشتباكات عن إصابات عدة، بينها إصابة صحفيين.
وأشارت تنسيقية حقوق الإنسان الوطنية إلى مسؤولية الشرطة عن العنف، بينما ذكرت الأخيرة أن أحد عناصرها أصيب بحروق من الدرجة الأولى نتيجة قنبلة مولوتوف.
باراغواي (أيلول/سبتمبر 2025):
شهدت البلاد مظاهرات قادها جيل زد تحت شعار "نحن 99.9% ولا نريد الفساد"، احتجاجًا على المحسوبية وضعف الخدمات العامة ونقص فرص العمل. حاولت قوات الأمن تفريق المحتجين باستخدام الغاز المسيل للدموع.
بينما رد بعض الشباب برشق الحجارة. وتم اعتقال أكثر من 30 شخصًا، وشارك نحو 3 آلاف شرطي في تفريق الاحتجاجات، فيما أعلن مجلس الشيوخ استجواب وزير الداخلية وقائد الشرطة بشأن اتهامات بالقمع والاعتقالات التعسفية.
نيبال (أيلول/سبتمبر 2025):
اندلعت احتجاجات ضخمة بعد حظر الحكومة منصات التواصل الاجتماعي، ما اعتبره الشباب محاولة لإسكاتهم. وتجمع آلاف المتظاهرين في العاصمة كاتماندو، رافعين شعارات ضد الحظر ومنددين بامتيازات "أبناء النخبة".
وسرعان ما تحولت التظاهرات إلى أعمال عنف شملت إحراق مبان حكومية ومقرات وزراء وصحيفة محلية، ما أدى إلى سقوط أكثر من 25 قتيلا و633 جريحا خلال يومين.
وفي ظل تصاعد الاحتجاجات، قدم وزراء الداخلية والزراعة والمياه والصحة استقالاتهم، كما استقال رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي، وتولى الرئيس الشرفي رام تشاندرا باوديل قيادة حكومة انتقالية مؤقتة، بينما تدخل الجيش لفرض السيطرة على الأوضاع.
الهند (لاداخ، أيلول/سبتمبر 2025):
شهدت منطقة لاداخ الحدودية بين الهند والصين موجة احتجاجات قادها شباب جيل زد، مطالبين بمنح منطقتهم صفة الولاية وضمانات دستورية للحفاظ على خصوصيتهم الثقافية.
وتحولت المسيرات السلمية إلى مواجهات دامية في مدينة ليه، أسفرت عن مقتل أربعة متظاهرين وإصابة العشرات، كما أعلنت السلطات إصابة عناصر أمنية بعد وصول تعزيزات عسكرية إضافية.
اظهار أخبار متعلقة
المغرب (أيلول/سبتمبر 2025):
انطلقت مظاهرات غير مسبوقة في المغرب قادها شباب تحت اسم "جيل زد 212"، مستخدمين تطبيق ديسكورد للتنسيق بينهم، احتجاجا على الفساد ونقص الخدمات العامة وانعدام فرص العمل.
وتحولت بعض الاحتجاجات إلى أعمال شغب ومواجهات مع قوات الأمن، وشهدت مدن مثل إنزكان وآيت عميرة ووجدة والراشيدية وبني ملال وتمارة اعتداءات على ممتلكات عامة وخاصة، مع توقيف 409 أشخاص، بينهم 193 تم إحالتهم إلى المحاكمة بتهم تتعلق بالحرق العمد والاعتداء على عناصر الأمن، بينما أفرج عن البقية بكفالة.
مدغشقر (تشرين الأول/أكتوبر 2025):
أجبرت احتجاجات "جيل زد مدغشقر"، المستلهمة من نيبال وبنغلاديش، الرئيس أندري راغولينا على التنحي عن السلطة، عقب تمرد عسكري وتحركات شعبية واسعة بدأت بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه، وتحولت إلى مطالب بالإصلاح السياسي واستقالة الحكومة بأكملها.
استخدم المتظاهرون في مختلف الدول رموزا ثقافية مشتركة، أبرزها علم القراصنة الأسود من مانغا "ون بيس"، الذي يمثل التمرد على الحكومات الفاسدة ومعنى الحرية الفردية.
ملامح جيل زد الاحتجاجية
يمتاز جيل زد بعدة سمات أساسية:
- رقميون بالفطرة: يقضون ساعات طويلة على الهواتف الذكية ويستخدمون الإنترنت كمصدر أول للمعلومات وتنظيم الاحتجاجات.
- ضغط أكاديمي مرتفع: يعاني تسعة أعشارهم من ضغوط كبيرة لتحقيق نتائج دراسية مرتفعة، وفق أبحاث مركز بيو.
- انخراط اجتماعي وسياسي: ينخرطون في قضايا العدالة الاجتماعية والشفافية ومكافحة الفساد وتغير المناخ.
- ثقافة الفيديو الرقمية: يمثلون نحو 60% من مستخدمي تطبيق تيك توك، الذي أصبح منصتهم المركزية للتعبير ونشر المحتوى السياسي والاجتماعي.
- تجنب بعض العادات السلبية: أقل انغماسا في الكحول مقارنة بالأجيال السابقة، وفق دراسة "يوجوف"، حيث يمتنع 39% منهم عن استهلاك الكحول.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
شكلت منصات التواصل الاجتماعي أداة مركزية لتنظيم الاحتجاجات، وتسليط الضوء على التفاوتات الاجتماعية والفساد الحكومي، ونشر الصور والفيديوهات التي وثقت الأحداث بشكل مباشر.
واستفاد المتظاهرون من تطبيقات الألعاب ومنصات الدردشة مثل "ديسكورد" لتنسيق التحركات، واقتراح قادة مؤقتين، وإدارة التجمعات.
وبذلك يعتبر جيل زد امتدادا لحركات احتجاجية سابقة مثل احتلال وول ستريت 2011، والربيع العربي 2010-2012، وثورة المظلات في هونغ كونغ 2014، لكنه يختلف في مستوى التنظيم والقدرة على التعبئة الرقمية العالمية.