صحافة دولية

مخاوف أوروبية من فشل "جدار المسيّرات" على الجبهة الشرقية للناتو

أوروبا تشعر بالانزعاج من تحركات طائرات مسيرة متصاعد مع روسيا- جيتي
أوروبا تشعر بالانزعاج من تحركات طائرات مسيرة متصاعد مع روسيا- جيتي
سلطت صحيفة "فزغلياد" الضوء على مبادرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لإنشاء "جدار للطائرات المسيرة"، والمقاومة التي تواجهها من قادة دول الاتحاد، وتحذيرات الخبراء من أن المشروع قد يواجه مصير "جدار ياتسينيوك" سيئ السمعة، وسط اتهامات بالفساد والانقسام.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أوروبا، التي دب فيها الخوف من الطائرات المسيرة، بدأت تنتقل من الأقوال إلى الأفعال. فقد طرحت أورسولا فون دير لاين مبادرة "جدار الطائرات المسيرة" لتعزيز حماية الاتحاد الأوروبي من الطائرات بدون طيار.

مع ذلك، بدأ العديد من قادة "القارة العجوز" مقاومة هذا المسعى. وكما يشير الخبراء، فإن مشروع "جدار الطائرات المسيرة" قد ينافس في فساده "جدار ياتسينيوك" سيئ السمعة. فهل ستنجح فون دير لاين في تحقيق طموحاتها؟

تواجه مبادرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لإنشاء "جدار للطائرات المسيرة" انتقادات حادة داخل الاتحاد الأوروبي. وحسب ما نقلته صحيفة "بوليتيكو"، فإن المبادرة تصطدم بمشكلات خطيرة حتى قبل أن تبدأ، حيث أصبحت الخلافات حول تكلفة الفكرة والشكوك في جدواها "حجر عثرة" في طريقها.

ويُعرف مشروع "جدار الطائرات المسيرة" بأنه مشروع يهدف إلى إنشاء نظام حماية من الطائرات بدون طيار على الجناح الشرقي لحلف الناتو. وتصِرّ فون دير لاين أيضاً على تعزيز هذه المبادرة بنظام للكشف السريع عن التهديدات، بدءاً من العمليات الهجينة وصولاً إلى اختراق الطائرات المسيرة، كما تقترح دعم القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي في مجال أمن الفضاء.

وتأتي هذه المبادرات نتيجة "الغارات" المتكررة للطائرات المسيرة على دول "القارة العجوز"، والتي توجه فيها بروكسل اتهامات لموسكو دون تقديم أدلة. ويوم الخميس، توقف العمل في مطار ميونخ. وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد تم تحويل 15 رحلة جوية إلى وجهات أخرى بسبب اكتشاف طائرة مسيرة، بينما لم تتمكن 17 رحلة أخرى من مغادرة المدينة.

في الوقت نفسه، ألقت السلطات في النرويج القبض على ثلاثة ألمان للاشتباه في إطلاقهم طائرات مسيرة. ووفقاً لصحيفة "بيلد"، فقد تم إطلاق سراح الشبان (وجميعهم في أوائل العشرينات من العمر) بعد اعتقالهم، حيث لم يتمكن التحقيق من إثبات تورطهم في تعطيل عمل مطار "مو إي رانا". وقبل ذلك، تم ترحيل مواطن صيني من البلاد كان يدير طائرته المسيرة الخاصة في مدينة "سفولفير".

وعلى الرغم من أهمية المشكلة، لا يبدي جميع الأوروبيين استعدادهم لدعم مساعي فون دير لاين. فقد انتقد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بعبارات "شديدة اللهجة" نظام تمويل المشروع المقترح، الذي تقدر تكلفة تنفيذه حالياً بمليار يورو.

وتصر دول جنوب الاتحاد الأوروبي، بما فيها إيطاليا واليونان، على أن مثل هذه المبادرات يجب أن تعود بالنفع على الاتحاد بأكمله، وليس فقط على حدوده الشرقية. ورداً على ذلك، ذكّر رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو بأهمية التضامن قائلاً: "لقد أظهرنا التضامن على مدى العقدين الماضيين - خلال الجائحة، وفي الاقتصاد، وفي قضايا الهجرة. لقد حان الآن وقت التضامن في مجال الأمن".

من جهته، يرى الصحفي الأوكراني أناتولي شاري أن الطائرات المسيرة تُطلق باتجاه الدول الأوروبية بأمر من فلاديمير زيلينسكي. ووفقاً لرأيه، فإن مثل هذه الأعمال تخلق مشاكل حياتية كبيرة لمواطني الاتحاد الأوروبي، وتعتزم كييف استغلال حالة الذعر هذه لطلب مساعدات مالية إضافية من بروكسل.

بدوره، أشار المحلل السياسي الألماني ألكسندر رار إلى أن "غالبية قادة دول الاتحاد الأوروبي يرفضون خطة أورسولا فون دير لاين لإنشاء "جدار للطائرات المسيرة" لأسباب وجيهة". وأوضح أن السبب الأول يتعلق بشخصية رئيسة المفوضية الأوروبية نفسها، حيث بدأت عواصم أوروبية عديدة تتعامل معها بنوع من الانزعاج.

اظهار أخبار متعلقة



ويضيف الخبير أن فون دير لاين تتصرف وكأنها "وزيرة دفاع لأوروبا كلها، بينما لا تخضع لها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولا جيوش الدول الأعضاء. إن رئيسة المفوضية تتجاوز صلاحياتها".

أما السبب الثاني لرفض الأوروبيين المشروع، فمالي. ويوضح رار: "سيكلف "الجدار" الملايين. هذه الأموال مخصصة في ميزانيات دول حلف شمال الأطلسي للتسليح، وليس لمشاريع خيالية". ويتابع المحلل السياسي قائلاً: "أخيراً، يتصاعد في بعض دول الاتحاد الأوروبي الاستياء من محاولات بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وفنلندا جرّ الاتحاد إلى حرب مع قوة نووية هي روسيا. ففي جنوب أوروبا، على عكس شمال القارة، سئموا من الصراع في أوكرانيا".

ويعتقد رار أنه حتى المستشار الألماني ميرتس، الذي كان في البداية يقف بحزم للدفاع عن بولندا ودول البلطيق من "العدوان الروسي"، يميل الآن إلى تبني موقف أكثر حذراً على غرار موقف إيمانويل ماكرون.

من ناحيته، يرى فلاديمير سكاتشكو، المعلق في موقع "أوكراينا.رو" الإلكتروني، أن دول أوروبا الغربية تنتقد مشروع "جدار الطائرات المسيرة" لأنها لا تريد انتقال القطب العسكري والسياسي للنفوذ إلى الجزء الشرقي من القارة. ويضيف أن لباريس وبرلين دوافعهما الخاصة.

ويذكّر سكاتشكو بأن إيمانويل ماكرون يرغب في تولي منصب رفيع في مؤسسات قيادة الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء فترة رئاسته. ويوضح الخبير: "إن بناء "الجدار" سيمنح وزناً مؤسسياً كبيراً لأورسولا فون دير لاين، التي قد تنافس الفرنسي في المستقبل. لذا، من مصلحة باريس عرقلة هذا المشروع".

ويواصل سكاتشكو تحليله قائلاً: "أما بالنسبة لألمانيا، فإن البلاد ستتمسك بكل قوتها بمكانتها كقاطرة صناعية رئيسية في أوروبا. ولا يريد فريدريش ميرتس السماح بسحب الحبل المالي إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو".

ويعتقد المحلل السياسي أن هذا الصراع يسلط الضوء مرة أخرى على الانقسام داخل الفضاء الأوروبي الذي يُفترض أنه موحد. ومع ذلك، لا يزال اللوبي المناهض لروسيا في بروكسل قوياً، لذا فإن فون دير لاين قادرة تماماً على تأمين التمويل للمرحلة الأولى من "جدار الطائرات المسيرة".

ويضيف: "علاوة على ذلك، يمكن سرقة عشرات المليارات من الدولارات من هذا المشروع، ولن يكون من الممكن التحقق من فعاليته على أي حال". وفي هذا السياق، استذكر الخبير مشروع كييف وبروكسل الملياري "السور الأوروبي" (المعروف شعبياً بـ "جدار ياتسينيوك")، الذي تم الترويج له أيضاً كحماية للجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي من روسيا، لكنه في الواقع "لم يكن سوى عملية نهب للمال العام".

واختتم سكاتشكو بالقول: "ليس من قبيل الصدفة أن أُطلق على هذا المشروع في البرلمان الأوكراني اسم "شبكة الحديقة". فقد أشار النائب بوريسلاف بيريزا إلى أنها لن توقف "حتى أرنباً برياً". إن "جدار فون دير لاين" ينتظره المصير نفسه، لأن منفذي المشروع الجديد هم أنفسهم لم يتغيروا".
التعليقات (0)