منح الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب قطر ضمانة "أمنية استثنائية"، قد تشمل الدفاع عنها عسكريا، وذلك في أمر تنفيذي صدر في وقت سابق من هذا الأسبوع، يتضمن اعتبار أي هجوم على أراضي قطر أو سيادتها أو بنيتها التحتية الحيوية "تهديدًا لسلام وأمن
الولايات المتحدة".
وجاء في تحليل لشبكة "سي إن إن" أنه "ربما الأهم من ذلك، أن الأمر يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تدافع عن قطر عسكريًا، نظرا لأن القرار ينص على أنه في حال وقوع مثل هذا الهجوم، ستتخذ الولايات المتحدة جميع التدابير القانونية والمناسبة- بما في ذلك الدبلوماسية والاقتصادية، وإذا لزم الأمر، العسكرية- للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ودولة قطر، ولاستعادة السلام والاستقرار".
وذكر التقرير أن هذا يعد تطورا استثنائيا في علاقات ترامب المثيرة للجدل مع الشرق الأوسط، لعدة أسباب، أبرزها أنه يمنحها ضمانة أمنية تُضاهي ضمانات "الناتو".
ومن الجدير بالذكر أن صياغة الأمر التنفيذي تُشبه إلى حد كبير الضمانة الأمنية التي يُقدمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) للدول الأعضاء. وقطر ليست عضوًا في الحلف، على الرغم من أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن صنفتها في 2022 حليفًا رئيسيًا من خارج "الناتو".
وينص البند الخامس من ميثاق الحلف على أن الدول الأعضاء، مثل الولايات المتحدة، تُوافق على أن أي هجوم مُسلح على إحداها "يُعتبر هجوما عليها جميعا".
اظهار أخبار متعلقة
كما ينص على أن الأعضاء "سيساعدون الطرف أو الأطراف المهاجمة باتخاذ الإجراءات اللازمة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة أمن منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه".
ولا يُلزم الأمر التنفيذي لترامب بالرد العسكري بقوة في حال تعرض قطر لهجوم، لكن التعامل مع الهجمات على قطر كتهديدات للولايات المتحدة يُمثل تصعيدًا في التعامل مع هذا الحليف العربي.
ويفعل ترامب ذلك بشكل مُنفرد. مع ذلك، هناك اختلافات جوهرية بين هذا وبين ضمان "الناتو" الأمني.
والأمر المهم هو أن ترامب يفعل ذلك بشكل منفرد، من خلال أمر تنفيذي، وهذا مهم لأنه يعني أن هذه ليست معاهدة ملزمة قانونا ومُصدق عليها- أي معاهدة تتطلب توقيع مجلس الشيوخ الأمريكي.
وقال التحليل إنها "في الواقع وعد يقدمه ترامب مستخدما تصريح منصبه، وهو أمر لن يُلزم به الرؤساء المستقبليون لكن قيام ترامب بذلك بشكل منفرد أمر ملفت للنظر في حد ذاته، فالدستور يمنح مجلس الشيوخ صراحة سلطة إبرام المعاهدات، وها هو الرئيس يتجاوز الكونغرس في أمر خطير كإمكانية إجبار الجيش الأمريكي على الحرب".
وتجاوز ترامب الكونغرس في العديد من الأمور التي تقع عادة ضمن نطاق اختصاصه، وأبرزها الرسوم الجمركية التي تقررها المحكمة العليا حاليا. ونجح في الغالب بفضل موافقة الجمهوريين في الكونغرس، فهم غالبا لا يرغبون في معارضته، ولكن مرةً أخرى، يتجاوز الحدود.
وأضاف التحليل "يُطرح سؤال جوهري حول ما إذا كان الجمهوريون والمحافظون في الكونغرس، سيفعلون- أو على الأقل سيقولون- شيئا حيال تجاوز ترامب لهم بشأن هذا الأمر التنفيذي المتعلق بقطر".
وأوضح "ولا يعود ذلك فقط إلى تأكيد ترامب على سلطة كانت تقليديا من نصيب مجلس الشيوخ، بل لأنه يقدّم ضمانة أمنيةً نيابة عن بلد يشكك فيه الكثير من الجمهوريين".. ولطالما اشتكى الجمهوريون من انتهاكات قطر المزعومة لحقوق الإنسان، وارتباطها بجماعات يصنفونها "إرهابيةً، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحركة "حماس".
وذكر "برزت هذه المخاوف في وقتٍ سابقٍ من هذا العام عندما وافق ترامب، بشكلٍ مثير للجدل، على طائرة قطرية بقيمة 400 مليون دولار لاستخدامها كطائرة رئاسية جديدة".
وقال السيناتور ريك سكوت آنذاك: "لن أسافر على متن طائرة قطرية، إنهم يدعمون حماس". بينما وذكرت السيناتور شيلي مور كابيتو: "سأبحث عن أي ثغرات أمنية".
وانتقدت الناشطة اليمينية لورا لومر، ذات النفوذ لدى الرئيس الأمريكي، بشدة قبول الطائرة، مقترحة أن يركز ترامب بدلا من ذلك على "تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية".
وألمح السيناتور تيد كروز إلى أن قطر قد تمول سرا حركة "أنتيفا" في الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع جامعة ماريلاند في 2023 أن الأمريكيين عمومًا، وحتى الجمهوريين، لديهم نظرة سلبية تجاه قطر.
وطرح الاستطلاع هذا السؤال في سياق انخراط قطر المتزايد في عالم الرياضة- ما يصفه النقاد بـ"تبييض صورتها الرياضية".
ومن بين الجمهوريين الذين أعربوا ذات مرة عن شكوك عميقة تجاه قطر: ترامب نفسه، الذي قال في 2017: "لطالما كانت دولة قطر مُموّلة للإرهاب على مستوى عالٍ جدًا"، وحثها على "وقف تمويلها للأيديولوجية المتشددة".
كان من بين المحافظين الذين انتقدوا الطائرة القطرية، المُذيع بن شابيرو، الذي قال إنها تُعادل قبول "هدايا من أشخاص يدعمون حماس والإخوان المسلمين والجزيرة وغيرهم"، ثم أضاف: "هذا ليس شعار أمريكا أولاً".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد التقرير أنه "ليس من الصعب فقط التوفيق بين ضمان أمن قطر وشكاوى ترامب من تمويلها للإرهاب قبل أقل من عقد، بل إنه يتعارض أيضًا مع أجندته "أمريكا أولاً"، وسبق أن سخر ترامب من مفهوم الضمانات الأمنية، بل وألمح بين الحين والآخر إلى أن الولايات المتحدة قد لا تلتزم بالمادة الخامسة من الناتو".
وفي 2018، أشار إلى أن الاضطرار إلى حماية دولة صغيرة عضو في حلف "الناتو" مثل الجبل الأسود قد يُصعّد الأمور إلى مستويات "حرب عالمية ثالثة".
وقال إنه "ليس إلا أحدث دليل على ترامب ازداد ميلاً للعسكرة وانفتاحاً على التهديد، على الأقل، بتوريط الولايات المتحدة في صراعات خارجية. وهذا يُدخل الولايات المتحدة أكثر في برميل بارود، وهذا أيضا ضمان أمني في منطقة شديدة الاشتعال".
ويتعهد ترامب بمساعدة دولة شنت إسرائيل ضرباتٍ عليها قبل أقل من شهر ضد قيادات "حماس" في
الدوحة وهاجمتها إيران قبل أقل من 3 أشهر.
وفي الواقع، لطالما وجدت قطر نفسها متورطةً في صراعات الشرق الأوسط. ففي 2017، تورطت قطر أيضاً في أسوأ أزمة دبلوماسية في الشرق الأوسط منذ عقود.
ففي ذلك الوقت، قطعت دول كبرى أخرى علاقاتها معها بسبب دعمها المزعوم للإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة على نطاق أوسع.
وهناك أسباب جيوسياسية للحفاظ على تحالف وثيق مع قطر، وهو ما أدركته الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء في السنوات الأخيرة. كما لعبت قطر دوراً هاماً في محاولات ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام في غزة.
وقدّم ترامب هذا الأسبوع خطته المكونة من 20 بندا للسلام في القطاع، والتي لم تتضمن بندا من نسخة سابقة ينص على أن إسرائيل لن تهاجم قطر. لكن خطوة ترامب لا تُرسخ فقط علاقة مثيرة للجدل ووثيقة للغاية؛ بل ترسخها في منطقة يمكن أن يُطلب منها فيها الوفاء بهذا الوعد.
يُعيد هذا الوضع أيضًا تسليط الضوء على علاقات ترامب وعائلته المثيرة للجدل مع قطر- وهي دولة سعت بوضوح إلى كسب ود الرئيس الأمريكي.
واعتبر التحليل أن "قبول الطائرة القطرية يُعدّ أمرا محفوفا بالمخاطر بشكل خاص، نظرًا لتصريح ترامب بأن الطائرة الفاخرة ستُنقل إلى مكتبته الرئاسية بعد انتهاء ولايته، بدلاً من بقائها قيد الاستخدام من قِبل الحكومة الأمريكية".
وفي نيسان/ إبريل، أعلنت منظمة ترامب عن خطط لإنشاء منتجع غولف يحمل علامة ترامب التجارية في قطر، بدعمٍ من شركة يدعمها صندوق الثروة السيادية القطري.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أسبوعين أن صفقة ترامب المثيرة للجدل لبيع رقائق ذكاء اصطناعي قيمة للإمارات تزامنت بطرق مريبة للغاية مع صفقة مربحة للعملات المشفرة مع الإماراتيين.
اظهار أخبار متعلقة
ولقد طمس ترامب وشركاته الشخصية بوضوح الخطوط الفاصلة بين الأعمال الحكومية والمصالح الشخصية في الشرق الأوسط.
ونفى البيت الأبيض وجود تضارب في المصالح للصحيفة، قائلا إن ستيف ويتكوف، المفاوض الرئيسي، كان "يعمل مع مسؤولي الأخلاقيات والمستشارين لضمان امتثاله التام".
ويثير الأمر التنفيذي المتعلق بقطر أيضًا تساؤلات متنوعة، بعضها يتعلق بالصلات بين المنافع الشخصية المحتملة والإجراءات الحكومية الرسمية.