منذ مطلع
الألفية، جعل نيكولا
ساركوزي من "تنظيم الإسلام في
فرنسا" ورقة سياسية
أساسية. فعندما كان وزيرا للداخلية ثم رئيسا للجمهورية (2007–2012)، ركّز خطابه
على تقليص اعتماد المساجد والمؤسسات الإسلامية على
التمويل الخارجي القادم من دول
مثل الجزائر والمغرب وتركيا وقطر، وقدّم نفسه كمهندس مشروع "إسلام
فرنسي" يُفترض أن ينسجم مع قيم الجمهورية والعلمانية.
سياسة ساركوزي
تجاه المؤسسات الإسلامية
- المجلس الفرنسي للديانة
الإسلامية (CFCM): أُنشئ سنة 2003 حين كان وزيرا للداخلية، ليكون قناة رسمية بين
الدولة والجالية المسلمة. لكنه سرعان ما تعرّض لانتقادات بسبب نفوذ دول أجنبية
داخله، وهو ما يناقض هدف الاستقلالية.
الرجل الذي كان يطالب المؤسسات الإسلامية بقطع صلتها بالتمويل الخارجي، تلاحقه اتهامات وأحكام قضائية بتلقي أموال أجنبية مشبوهة لتمويل طموحاته السياسية
- تمويل داخلي بديل: طرح
ساركوزي أفكارا مثل فرض رسم على اللحوم الحلال لتمويل بناء المساجد وتدريب الأئمة.
لكن هذه الأفكار لم تُطبّق، وظلت معظم المشاريع الدينية تعتمد على أموال قادمة من
الخارج.
- تدريب الأئمة: دعا إلى تكوين
الأئمة داخل الجامعات الفرنسية، ليتلقوا تعليما في القوانين والثقافة الفرنسية
بجانب العلوم الإسلامية، بهدف الحد من تأثير الأئمة المرسلين من الخارج.
باختصار، ركّز
ساركوزي على خطاب يشدّد على الشفافية ومراقبة التمويل، مقدّما نفسه كحامٍ
للجمهورية من "اختراقات أجنبية".
المفارقة:
ساركوزي في قفص الاتهام
تظهر المفارقة التاريخية
بوضوح حين نضع هذه السياسات إلى جانب مساره القضائي بعد خروجه من السلطة:
- قضية بيغماليون (Bygmalion): القضاء
الفرنسي أدان ساركوزي بالسجن بسبب تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية عام 2012
عبر فواتير مزوّرة.
- قضية التمويل الليبي: تحقيقات
واسعة كشفت شبهات بتلقيه ملايين اليوروهات من نظام معمر القذافي لتمويل حملته عام
2007، وهو ما نفاه لكنه ما زال يواجه المحاكمة بشأنه.
- أحكام بالسجن: في 2021، حُكم
عليه بالسجن ثلاث سنوات (منها سنة نافذة) في قضية فساد أخرى تتعلق بمحاولة رشوة
قاضٍ.
وجاءت أحدث
تطورات هذا المسار يوم الخميس (25 أيلول/ سبتمبر 2025)، حين أصدرت محكمة الجنايات
في باريس حكما يقضي بإدانة ساركوزي بتهمة التآمر الجنائي في قضية التمويل الليبي،
وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات.
مقارنة سياسات ساركوزي تجاه الإسلام بفضائحه المالية لا تعكس فقط تناقضا شخصيا، بل تكشف أيضا عن أزمة ثقة أعمق في فرنسا
إذن، الرجل الذي
كان يطالب المؤسسات الإسلامية بقطع صلتها بالتمويل الخارجي، تلاحقه اتهامات وأحكام
قضائية بتلقي أموال أجنبية مشبوهة لتمويل طموحاته السياسية.
دلالات سياسية
واجتماعية
هذه الازدواجية
تفتح نقاشا أوسع حول المعايير التي تُطبَّقها الدولة الفرنسية:
حين يتعلق الأمر
بالمؤسسات الإسلامية، يُقدَّم التمويل الخارجي كتهديد للأمن القومي وقيم
الجمهورية. لكن حين يكون التمويل الخارجي موجّها إلى الطبقة
السياسية نفسها، تُطرح القضايا باعتبارها "شبهات" أو "ملفات
قضائية" تستغرق سنوات طويلة في المحاكم.
هنا يظهر
التناقض: إذا كانت الشفافية والقطع مع التدخل الأجنبي مبدأ حقيقيا، فلماذا يُطبَّق
بصرامة على أقلية دينية، بينما يُعامل بتساهل حين يتعلق بأعلى مستويات السلطة
السياسية؟
إن مقارنة سياسات
ساركوزي تجاه الإسلام بفضائحه المالية لا تعكس فقط تناقضا شخصيا، بل تكشف أيضا عن
أزمة ثقة أعمق في فرنسا: أزمة خطاب سياسي يرفع شعارات النزاهة والشفافية، لكنه في
الممارسة يكشف عن هشاشة المنظومة أمام المال السياسي والتمويل الخارجي.