دراسة: طريقة قديمة تساعد على حل المشاكل الشخصية بحكمة
لندن- عربي2122-Sep-2507:02 PM
0
شارك
التفكير بضمير الغائب يحول المشاكل الشخصية إلى فرص للتصرف بحكمة- CC0
كتب ديفيد روبسون، الكاتب العلمي ومؤلف كتاب "تأثير التوقعات: كيف يمكن لعقليتك أن تحول حياتك"، مقالا في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، يذكر فيه طريقة قديمة يمكن أن تمنح قدرة أكبر على التفكير الحكيم عند مواجهة المشكلات الشخصية.
ويقول روبسون إن التفكير بعقلانية خلال أوقات التحديات الشخصية ليس بالأمر السهل، إذ تغمرنا المشاعر وتشوش قراراتنا، ورغم قراءته مئات الإرشادات المستندة إلى الأدلة البحثية، إلا أن كثيرا منها لم يكن عمليا، بخلاف ما يُعرف بـ"التحدث عن الذات بصيغة الغائب" أو "Illeism"، أي الحديث عن النفس بضمير الشخص الثالث بدلا من ضمير المتكلم.
يشير الكاتب إلى أن هذه الحيلة البلاغية استخدمها السياسيون لإضفاء هالة من الموضوعية على تصريحاتهم. فعلى سبيل المثال، لم يقل يوليوس قيصر في حديثه عن الحرب الغالية: "انتقمتُ للشعب"، بل قال: "قيصر انتقم للشعب"، وكأنها حقيقة تاريخية دونتها جهة محايدة.
ويضيف روبسون أن الحديث عن الذات بهذه الصيغة قد يبدو مصطنعاً في عصرنا الحالي، وربما مادة للسخرية، لكن الأبحاث النفسية الحديثة تؤكد أن هذه الاستراتيجية تُحسّن القدرات الإدراكية بشكل ملموس، خاصة عند مواجهة قرارات صعبة، لأنها تساعد على تحييد المشاعر ورؤية الصورة الأكبر بموضوعية.
مفارقة سليمان
يستعرض روبسون ما يُعرف بـ"مفارقة سليمان"، أي ميل الأشخاص إلى إظهار تفكير أكثر حكمة عند التعامل مع مشكلات الآخرين مقارنة بمشكلاتهم الشخصية.
ولفهم ذلك، يشير إلى أبحاث أشرف عليها عالم النفس الاجتماعي إيغور غروسمان من جامعة واترلو في كندا، الذي طوّر مقاييس للحكمة مستندة إلى أعمال فلاسفة، مثل التواضع المعرفي، وتقبّل الآراء الأخرى، والسعي إلى التوافق.
وفي إحدى دراساته، طلب غروسمان من المشاركين التفكير بصوت عالٍ في مشكلات طُرحت عبر أعمدة استشارات في الصحف والمجلات، وقيّم باحثون مستقلون ردودهم وفق تلك المقاييس. وجد أن هذه الطريقة كانت أفضل من اختبارات الذكاء (IQ) في التنبؤ برضا الأشخاص عن حياتهم وجودة علاقاتهم الاجتماعية.
وبحسب الإذاعة، تشير دراسات لاحقة إلى أن التفكير الحكيم يتأثر بالسياق، فالمشاركون حققوا نتائج أعلى حين وسّعوا تركيزهم من مشاكلهم الخاصة إلى النظر أيضاً في مشكلات الآخرين، وهنا تتضح المشكلة: عند اتخاذ قرارات شخصية نصبح أكثر عاطفية وحساسية، وهو ما يعمينا عن الرؤية الشاملة.
ويذكر روبسون مثالا شخصيا: إذا تلقى تقييما سلبيا من زميل عمل، فقد يدفعه شعور الإحراج إلى رد فعل دفاعي وتجاهل النقد، عوضاً عن التفكير في فائدته على المدى البعيد.
كيف نصبح أكثر حكمة؟
يسأل الكاتب: هل يمكن أن تساعدنا "حيلة الآخر" على تجاوز "مفارقة سليمان"؟ ويجيب: نعم، لأن التحدث عن الذات بصيغة الشخص الثالث يخلق انفصالاً نفسياً يجعلنا نقيّم المواقف بموضوعية، ونرى الصورة الكاملة بعيداً عن المشاعر اللحظية.
ويستشهد روبسون بدراسة لغروسمان بالتعاون مع إيثان كروس من جامعة ميشيغان، أظهرت أن من يتحدثون عن أنفسهم بصيغة الغائب يظهرون تواضعاً معرفياً أكبر، واستعداداً أوضح لتقبّل وجهات نظر الآخرين، ما يرفع نتائجهم على مقياس التفكير الحكيم.
وتعاون غروسمان في أحدث الأبحاث، مع أبيجيل شولر وآنا درفمان وزملاء آخرين، حيث طُلب من المشاركين كتابة مذكرات يومية لشهر كامل عن تحديات واجهوها، نصفهم بصيغة المتكلم والنصف الآخر بصيغة الغائب.
وأظهرت النتائج أن من استخدموا صيغة الغائب تحسنت درجاتهم على مقياس التفكير الحكيم، وأكدوا أنهم أصبحوا أكثر قدرة على الإحساس الإيجابي والتصرف المتزن خلال الأزمات.
يخلص روبسون إلى أن وضع تحدياتنا في سياقها المناسب عبر استخدام صيغة الغائب يجعلنا أكثر اتزاناً، ويمنحنا قدرة على اتخاذ قرارات حكيمة. وأشار إلى أنه بات يطبق قاعدة "الشخص الثالث" في قراراته كافة، سواء كانت في العمل أو الحياة الشخصية، لأنها تساعده على تجاوز الحزن والإحباط والتصرف بوعي أكبر.