العالم كله يحضر حالة احتضار جنوني لإسرائيل، بسبب حربها المروِّعة على
غزة وتداعياتها على الجميع، خاصة منطقة الشرق الأوسط، الغريبة عن كيان عِبري يُصِر ويعاند بأن يكون له وجود غير شرعي وغير مقبول من قبل الجميع.. ما يحدث اليوم في غزة، هو تكثيف سياسي وعسكري لما يجب أن تكون عليه إسرائيل المزعومة، ليس بقوة الأسطورة والإفك والادعاء، بل ِبشرعية الباطل وتكريس الزيف وقبول العبث. تلك هي الحقيقة الزائفة التي تريد سلطة مجنونة أن تفرضها على عقول سياسية سليمة بالقوة.. نوع من “العبث اللامعقول”. فقد تخطى العالم اليوم، بعد أحداث غزة، فكرة أن إسرائيل كيان محتل، والتاريخ الفوري يشهد على ذلك، كما تجاوز العالم الأسطورة التي لم تعد مسوغا للاحتلال واغتصاب الأرض.
الجديد في السياق الراهن، هو القوة البهيمية العمياء التي يمارسها بنيامين
نتنياهو وعصابته، التي يجب أن تبرر
الاحتلال ومعه شرعية فرضه بالقوة المسلحة.. وقد وصل الأمر الى الاعتداء على ست دول في المنطقة، منذ انتهاك دولة الاحتلال اتفاق إطلاق النار يوم 18 مارس الماضي.. (لبنان، سوريا، اليمن، إيران، قطر، فضلا عن السلطة الفلسطينية، التي وصل مصيرها لدى النازيين الجدد، أن تُضم أخيرا الى مشروعها المفتوح دائما على المزيد، وإعدام فكرة الدولة الفلسطينية من أساسها). إسرائيل..
جنون وعربدة وطيش، عنوان يحيل إلى لماذا يتألم كل العالم مما يصنعه جيش الاحتلال في غزة، وتداعياته على كل العالم، وليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، لأن اللحظة المعاصرة تظهر الأبعاد الزمنية من ماضٍ وحاضر ومستقبل، ويصبح المشهد، كما يُقرأ مباشرة في حرب إسرائيل على غزة، أن الألم والضرر والفاجعة قاسم مشترك حالا، أو لاحقا، ما دام الوضع الدولي القائم، صار يأبى بالضرورة نظام الأبارتهيد العنصري والصهيوني، وكلها أنظمة اعتبرتها الأمم المتحدة منافية للحكم والإدارة والتسيير، ويجب شجبها وإبعادها من العلاقات الدولية، وإحكام نصوص القانون الدولي الإنساني على توكيد تجريمها، على ما هو الحال مع الكيان العبري، المحاصر بالمحاكم الدولية وبالمواقف المنددة به من قبل كل شعوب العالم.
العالم الجديد لا يقبل كيانا فاشيا قام على حالة إبادة جماعية وارتكاب جريمة تتساوي مع جريمة جلاد الأمس، لأن مفهوم الضَّحية لايكْفِي الكيان العبري من أجل أن يكون دولة قوية، بل يجب أن يكون جلاّدا من أجل دخول الأنظمة العظمى، على ما هو حال الدول الكبرى. نعم، دولة الاحتلال، هي دولة استعمارية على منوال الدول الاستعمارية بالأمس، يجب أن تمتلك السلاح النووي وتواصل تفوقها على كل دول المنطقة للحصول على عضوية النادي الإمبريالي، وتحظى بشرعية المعاملة التي تفلت من القانون الدولي، ونظام الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المكرَّسة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، نوع من شرعية التفوق التي لا يُسأل عنها كبار العالم.
شعوب العالم كلها تتألم وتشتكي من الوجع الإسرائيلي، وتسعى جاهدة، عبر العمل الإنساني والنشاط المدني إلى الحد منه، وتجاوز بعض سياسات الدول الاستعمارية والإمبريالية السابقة على النظام الدولي، لما قبل تأسيس الأمم المتحدة وسياسة إبادة الشعوب، التي صارت العنصر الجوهري والركن الركين في تكوين ونشأة الدول الحديثة والمعاصرة. فقد صار نزيف غزة وجرحها يتألم له الجميع بسبب البث الحي والمشاهدة المباشرة، والعالم كله أصبح يقف على مشترك إنساني جديد، يساهم مع الوقت بيقظة سياسية وأخلاقية ترفض الأنظمة المتهالكة على شاكلة الفاشية والنازية (أنظمة أوروبية ضد الشعوب الأوروبية) والعسكرية (النظام الياباني العسكري الإمبراطوري ضد الشعب الصيني) والصهيونية الانفلاتية الإباحية، على ما هو عليه الكيان العبري في إسرائيل ضد الشعوب العربية والإسلامية.
الحديث عن النهايات صار ممكنا في الحالة التي انفرد بها الاحتلال الصهيوني
ما يجري في غزة وتطورات
الضفة الغربية بسبب العدوان الإسرائيلي الآثم، هو حراك سياسي دولي نحو القضاء على الاستثناء والغريب، والعبث غير المعقول في النظام الدولي، المتجه دائما إلى التَّشكل.
فالحديث عن النهايات صار ممكنا في الحالة التي انفرد بها الاحتلال الصهيوني البغيض، وإصراره على التَّوسع ولو بقوة ضُعْفه، لأنه كيان صناعته غربية في الأصل والفصل، ونهاية المصير على ما نشهد في الظرف الراهن، عندما أقدم على الانتحار أمام كل العالم وأمضى على نهايته الحتمية. فلم يعد الأمر يُقَيَّم في علاقة إسرائيل مع العرب فقط، بل مع العالم الإسلامي والعالم كله أيضا. الحديث عن إمكانية نهاية إسرائيل هو الذي يقودنا إلى الوضع في أوروبا، بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا منذ 24 فبراير 2022 ومجرياته القائمة حاليا والمستمرة في التوسع الى سائر دول أوروبا الاتحادية. لم يكن السابع من أكتوبر 2023 هو بداية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، بل هو آخر ما وصلت إليه الحرب في سجل الحوليات والصراعات الدولية، منذ أن زرع كيان اليهود الفاسد في أرض العرب عام 1948. فعندما تتنصل دولة الاحتلال من قرارات الأمم المتحدة وتُعَطّل بكل فجاجة المؤسسات الأممية، وتُصِر وتُعَاند على انتهاك القانون الدولي وضرب قرارات المحاكم الدولية بعرض الحائط.
هذا ما يؤكد فساد التأسيس ونهاية المصير لكيان غريب وغربي في منطقة عربية بريئة من حسابات ونوايا الاستكبار الإمبريالي، الذي وصلت به الوقاحة إلى استغلال ثانٍ لليهود وزَجهم في حروب ومعارك مع العرب، وتركهم في تداعيات لولب جهنّم الحروب الى ما لا نهاية.. واليوم تتأكد نهاية إسرائيل بالمعنى الذي يجب أن يتغير النظام الدولي وتراتبية قوته العسكرية والاقتصادية والأخلاقية، خاصة السياسية، لكي يوضع الحد النهائي الكامل لنموذج الكيانات المحتلة، تبيّن مع ضربات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة على غزة، أن إسرائيل هي النموذج الأخير والنهائي في عالمنا المعاصر.
الحرب التي تخوضها إسرائيل على الفلسطينيين في كل مناطق العالم.. نعم، في كل مناطق العالم، لأن المسَوّغ اللاحق الذي سوف تقدمه هو، أن كل فلسطيني مرشح دائما للانضمام الى المقاومة والانتقام الدائم والمتواصل لشهدائه.
وعليه، فالحرب على حماس مجرد ذريعة متأخرة لسياسة انتحارية، آل إليها جيش الاحتلال بسبب غربته عن العصر وعن المنطقة، الأمر الذي وضعه في حالة أن أي هزيمة تلحق به هي نهاية له.. لأن هذا الجيش هو صناعة غربية، ومن غير مكوّن طبيعي، ولا مقوّم عادي، على ما هي عليه جميع الأمم والدول.
لا بل نهايته قائمة وتتمثل في عدم الخروج بنتائج سياسية من الحرب التي لا يعرف سواها، ومن ثم، صَعُب عليه تحقيق الانتصار، بل الهزيمة الدائمة تلاحقه دائما عندما يتعلق الأمر بمواجهة دول قائمة، مثل إيران التي أكدت له إمكانية زوال إسرائيل لو امتدت الصواريخ الإيرانية عشرة أيام أخرى، لأن قائمة المواقع التي أصيبت هي نصف ما يملك الكيان العبري، ويكفي المدة نفسها لكي يمحى النصف الآخر، ومن ثم تنتهي إسرائيل لأنها قائمة على مدينة واحدة اسمها تل أبيب.. والانتصارات تُحَقِّقها الدول، مثل الدولة الإيرانية ذات الحضارة الفارسية، وليس المدن على ما حاول جيش الاحتلال الذي يحارب بالنيابة عن الغرب وبمساعدة خائبة وقوية من عرب الطُّوق.
القدس العربي