قضايا وآراء

التضامن مع قطر.. فرصة سانحة أم حق واجب؟

محمد الصغير
"انعقدت قمة الدوحة ودارات قراراتها حول نستنكر ونشجب، أو نؤكد ونطلب"- قنا
"انعقدت قمة الدوحة ودارات قراراتها حول نستنكر ونشجب، أو نؤكد ونطلب"- قنا
في لحظة ضعف.. سيطر فيها الوهم على العِلم، وسبقت العاطفة العقل، وغرتني فيها الأماني، توقعت شيئا مختلفا عن السابق في قمة الدول العربية والإسلامية الطارئة، التي انعقدت في الدوحة، ولعل ما جعلني أتشبث بسراب الأمنيات، هي الفرصة المواتية لتسجيل موقف غير مكلف، بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، والعجز التام عن تقديم أي شيء من الدعم المشروع أو الإغاثة الإنسانية لشعبها، وتطور الهمجية الصهيونية بالاعتداء على أربع دول عربية خلال أربع وعشرين ساعة، بتجدد القصف على لبنان، والضرب المتكرر في عمق سوريا، واستهداف سفن أسطول الصمود في مياه تونس، ثم تفجير أماكن إقامة وفد التفاوض من قادة حماس، بقصف المباني السكنية المدنية في قلب العاصمة الدوحة، وقبل ذلك وبعده القصف المستمر والصواريخ الموجهة على اليمن.

غلبني حسن الظن فقلت إنها اللحظة الفارقة، التي سنرى فيها موقفا عربيا إسلاميا يتناسب مع تطور غطرسة نتنياهو، لا سيما وأن قطر تقوم بدور الوساطة برعاية دولية، وهي تمثل المجتمع الدولي في هذا الملف، الذي طالما حققت فيه نجاحات متميزة، لذا كانت ردة الفعل الدولية ناقمة وساخطة على استهداف البلد المضيف، والراعي الوسيط، وتوجيه الضربة إلى فريق التفاوض نفسه، حتى شركاء نتنياهو أو حلفاؤه تراجعوا عن دعمه المعلن بعدما باءت عمليته الغادرة بالفشل!

انعقدت قمة الدوحة ودارات قراراتها حول نستنكر ونشجب، أو نؤكد ونطلب، وكان السيد حسام زكي، الأمين المساعد للجامعة العربية، في منتهى المصداقية والشفافية عندما صرح بأن الظروف الحالية لا تساعد على اتخاذ إجراءات عملية!

والمخيب للآمال أن كلمات الوفود العربية في مجلس الأمن، كانت أقوى بكثير من كلماتهم في القمة الإسلامية الطارئة، وتبارت وسائل الإعلام فيما بينها، لتثبت كل دولة أن كلمة رئيسها هي الأقوى والأصرح، وربما لو كانت هذه الكلمات مع بداية الحرب على غزة لكان لها محلها من الإعراب، أما في هذا الظرف، فلا إعراب لها ولا صرف، وجاء رد الصهاينة عليهم في اليوم التالي مباشرة، عنيفا مزلزلا باجتياح غزة بريا، ليهلك ما بقي فيها من مظاهر الحياة، ويجبر أهلها على التهجير الجبري، لأن العرب قالوا آخر ما عندهم، وعلقوا مجددا ما لديهم من آمال على شماعة المجتمع الدولي، الذي لا وزن له عند نتنياهو وعصابته الإجرامية، ولو كانت له إرادة بعيدة عن الإدارة الأمريكية، لاتخذ قرارات قانونية ضد عدوان الصهاينة على دولة لها سيادتها أثناء مهمة أممية، وقد طالب صراحة بذلك ممثل باكستان في قمة الدوحة.

حتى في مرحلة التحليق في سماء الأماني، لم أكن أطلب من القمة الطارئة أكثر من أربع قرارات كلها سلمية وقانونية، وتدور في فلك الاقتصاد والدبلوماسية، وفي نطاق المقدور والميسور:

1- قطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو المعتدي.

2- إعلان مقاطعة الكيان الغاصب اقتصاديا.

3- كسر الحصار عن ‎غزة وفتح المعابر العربية.

4- اعتبار ‎حماس حركة مقاومة شرعية.

حتى لو قاموا بحذف إجابتين، وخرجت هذه القرارات في بيان مقتضب -وهي أضعف الإيمان- لشعر المتابع المهتم بتغيير في طريقة التفكير، واستخدام لآليات متاحة وغير مستحيلة وليست مكلفة، بل قامت بأكثر منها إسبانيا منفردة خلال الأيام الماضية، مغردة بذلك خارج السرب الأوروبي، حيث قامت بالآتي:

• حظرت تصدير السلاح للكيان المحتلّ.

• منعت مرور أي شحنات عسكرية عبر موانيها وأجوائها.

• أدرجت مسؤولين من ‎الصهاينة على قوائم الحظر.

• أوقفت استيراد منتجات المستوطنات.

• ضاعفت مساعداتها الإنسانية لفلسطين ودعمت منظمة الأونروا.

• ألغت صفقة سلاح بـ700 مليون يورو مع ‎حكومة الاحتلال.

• دعمت تحريك دعاوى الإبادة أمام محكمة العدل الدولية.

• طالبت بمنع الكيان المحتل من المنافسات الرياضية الدولية.

ما الذي كبّل قمة الدوحة مجتمعة عن قرارات أخذتها دولة منفردة، لا سيما وقد طالبت بعض الوفود بذلك، كالدكتور أنور إبراهيم رئيس وزراء ‎ماليزيا: "لا بد من التحلي بالشجاعة اللازمة لاتخاذ موقف عملي إزاء الاعتداءات المتواصلة، والإدانة لن توقف إطلاق الصواريخ ولن تحرر ‎فلسطين، بل لا بد من فرض عقوبات على ‎إسرائيل وقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية معها".

وكلمة ‎إندونيسيا كانت قوية وباللغة العربية: "ندعو لتعبئة الشعوب الإسلامية، ودعم المقاومة الفلسطينية، وحصار ‎إسرائيل وقطع جميع العلاقات معها".

منذ بداية الطوفان مارس جيش الاحتلال العدوان المباشر على سبع دول إسلامية، وقصف في يوم العدوان على قطر ثلاث دول عربية أخرى، وبعد قمة الدوحة اجتاح غزة بريا، وعاود قصف سوريا واليمن، وأحلامهم بإسرائيل الكبرى تمتد على حساب ثماني دول في المنطقة.. ماذا ينتظر العرب والمسلمون بعد ذلك إلا معرفة من عليه الدور في الاعتداء القادم؟

التعاطف الحقيقي مع غزة أو الوقوف ضد احتلال فلسطين أمر له كلفته، وقد يعتذر بعضهم بأنه لا يتحمل هذه الفاتورة، والحالة الدولية تحول دون ذلك، لكنهم أضاعوا فرصة التضامن اللائق مع قطر في قضيتها العادلة، والتي كانت ستصب في مصلحة الأمة كلها في معركتها الكبرى، لا سيما وأن قطر لها مع الجميع يد سلفت ودين مستحق.
التعليقات (0)