على وقع أزمة سياسية وأمنية أقرت الجمعية الوطنية في
تشاد، تعديلات دستورية تتضمن تمديد الولاية الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات، مع إمكانية ترشح الرئيس لعدد ولايات لا محدود، بدل ولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة في الدستور الحالي.
وستمنح التعديلات الدستورية الرئيس الحالي محمد
إدريس ديبي، الترشح عدة مرات لرئاسة البلاد، وذلك بعد أن تولى السلطة خلفا لوالده الذي ظل رئيسا للبلاد لفترة طويلة قبل مقتله في عام 2021 بينما كان يتفقد قوات تقاتل ميليشيات في شمال البلاد.
وبررت الحكومة التشادية هذه التعديلات الدستورية بأنها تهدف إلى "تعزيز الاستقرار المؤسسي" لكن معارضين وصفوها بأنها تمثل "انتكاسة لديمقراطية البلاد".
اظهار أخبار متعلقة
وقال رئيس "
حزب العدالة والتنمية" المعارض أمين جبريل الوالي، إن "الدستور ليس أداةً بسيطةً يُمكن إعادة صياغتها حسب أهواء أصحاب السلطة". موضحاً أن الدستور يعد "ضمان توازننا الديمقراطي، والأساس الذي ترتكز عليه حريتنا وحقوقنا".
وذكر المعارض جبريل الوالي، أن التعامل مع هذا النص الجوهري بهذه الطريقة، يُعدّ "خيانةً لمن ما زالوا يؤمنون بالمُثُل الجمهورية، وللأجيال القادمة التي تستحقّ أفضل من هذا الاضطراب الدائم" وفق قوله.
مسار إقرار التعديل
وبعد أن أقرت الجمعية الوطنية التعديلات الدستورية الجديدة من المقرر أن يصوت عليها مجلس الشيوخ، ثم تعرض في اجتماع لغرفتي البرلمان في جلسة مشتركة في 13 أكتوبر، إذ يتطلب إقرارها أغلبية 3 أخماس الأعضاء، ثم يوقع رئيس البلاد بعدها على الدستور لصبح معتمدا.
وقال علي كولوتو تشايمي رئيس الجمعية الوطنية للصحفيين إن الجمعية الوطنية أقرت التعديلات الدستورية بغالبية 171 صوتا مؤيدا مع امتناع عضو واحد عن التصويت وعدم معارضة أي عضو.
أبرز التعديلات المقترحة
وتتضمن التعديلات بالإضافة إلى تمديد ولاية رئيس الجمهورية من 5 إلى 7 سنوات، مع إمكانية ترشحه لعدد ولايات لا محدود، بدل ولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة في الدستور الحالي، استحداث منصب نائب لرئيس الوزراء، وتوحيد مدة ولاية النواب وأعضاء مجلس الشيوخ والمجالس المحلية في 6 سنوات.
وتقترح التعديلات كذلك، التمويل العمومي للحملات الانتخابية، والسماح لرئيس الجمهورية برئاسة حزب سياسي.
اظهار أخبار متعلقة
كما تتضمن إخضاع أعضاء الحكومة للمحاكم العادية في قضايا الجرائم والفساد المالي، في استجابة لمطالب متزايدة بمحاسبة النخب السياسية، إضافة إلى إقرار عطلة صيفية للرئيس ورئيس الوزراء، على غرار ما هو معمول به في دول أخرى.
دوافع القرار
ووفق الناشط السياسي والاجتماعي في التشادي محمد البشير حسن حسن صالح، فقد أقدم نظام محمد إدريس ديبي (المعروف شعبياً بـ"محمد كاكا") على تمرير مشروع تعديل الدستور التشادي الحالي بعد أقل من عامين فقط على صدوره.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى ان الدوافع واراء تعديل الدستور "لا تتعلق بتحسين الأداء السياسي أو تلبية طموحات الشعب، بل تفصّل الدستور على مقاس الرئيس وتمنحه صلاحيات أوسع وبقاء أطول في الحكم".
وأوضح أنه تم احتساب بداية تطبيق الدستور الجديد بعد 2029، ما يمنح الرئيس فترة غير محسوبة من 2024 إلى 2029، إضافة إلى فترتين دستوريتين لاحقتين، مما قد يمنحه 19 عامًا في السلطة دون انقطاع، إضافة إلى حكمه الـ3سنوات الأولى خلال الفترة الانتقالية " 2021 إلى 2024.
"تحكم في القرار التشريعي"
واعتبر حسن صالح، أن تمرير المشروع في الجمعية الوطنية تم بسلاسة "ما يُشير إلى وجود تحكم تام من قبل السلطة التنفيذية في القرار التشريعي، مضيفا أن البرلمان "لم يُرفض أي مشروع قُدّم له مما يدل على غياب الرقابة الشعبية الحقيقية".
ولفت إلى أنه مع بقاء مجلس الشيوخ فقط للمصادقة، يُرجّح بنسبة شبه مؤكدة أن يُمرّر التعديل بالكامل خلال أسابيع.
تداعيات متوقعة
وتقع حسن صالح، أن يتسبب التعديل في "تفكك الثقة الشعبية فالمواطنون الذين رأوا في محمد كاكا أملاً في التغيير خاب أملهم وبدأوا ينظرون إليه كامتداد للنظام السابق، لا كقائد إصلاحي".
ورجح المتحدث أيضا ضمن التداعيات المتوقعة عودة الحركات المسلحة وأبرزها جبهة من أجل التناوب والوفاق في تشاد FACT والمجلس العسكري CCMSR، بعد أن التزمت جبهة FACT بوقف إطلاق النار منذ 2021 وأعلنت مؤخرًا استعدادها لاستئناف العمل المسلح.
اظهار أخبار متعلقة
كما توقع "تأزم الوضع في تيبست مع تصعيد عسكري من طرف الحكومة في مناطق غنية بالمعادن ما قد يشعل فتيل صراع مسلح جديد".
ورجح أيضا أن يتسبب تعديل الدستور في "انقسام سياسي ومجتمعي" مضيفا أن تغليب المصالح السلطوية على الحوار الوطني الحقيقي سيزيد من عزلة النظام ويقوي جبهة المعارضة الداخلية والخارجية.
"محاولة إطالة أمد بقاء الرئيس"
واعتبر حسن صالح في حديثه لـ"عربي21" أن تعديل الدستور في هذا التوقيت ليس إلا محاولة واضحة لإطالة أمد بقاء الرئيس في السلطة واحتكار القرار السياسي والاقتصادي، مضيفا أن هذه الخطوة تؤكد أن النظام الحالي يسير على خطى سابقيه في القمع والتفرد مما ينذر بفترة اضطرابات قادمة على كافة المستويات.
تقلبات سياسية وأمنية
وتأتي هذه التعديلات الدستورية في وقت تشهد في تشاد أزمات سياسية واضطرابات أمنية، حيث عرفت تشاد العام الماضي انتخابات رئاسية مثيرة للجدل.
فقد أعلنت لجنة الانتخابات حينها فوز الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي بالانتخابات الرئاسية، فيما أعلن منافسه الرئيسي سوكسيه ماسر، فوزه وحذر من التلاعب بنتائج الانتخابات وذلك بعد حملة انتخابية مشحونة، لكن في النهاية اعتمدت لجنة الانتخابات فوز ديبي، ولم يسبق للتشاد أن عرفت تداولا سلميا للسلطة أو انتقال ديمقراطي حقيقي.
وتشاد دولة أفريقية غير ساحلية نصفها الشمالي صحراوي، استقلت عن فرنسا عام 1960 وتحدها من الشمال ليبيا، ومن الشرق السودان، ومن الجنوب
أفريقيا الوسطى، ومن الجنوب الغربي الكاميرون، ومن الغرب نيجيريا والنيجر.
تبلغ مساحتها 1.284 مليون كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 17.7 مليون نسمة، وفق أرقام عام 2023 المستمدة من قاعدة بيانات البنك الدولي.
شهدت تشاد سنوات طويلة من النزاعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي.