تتزايد الضغوط على الأسر
المصرية مع حلول موعد دخول المدارس والجامعات المقرر الأسبوع المقبل، في ظل حاجتها لتوفير مستلزمات القطاع
التعليمي، من ملابس وشنط وأدوات وكتب إلى جانب مصروفات
الدراسة، لنحو 30 مليون طالب.
وتعاني فئة من المصريين بشكل خاص مع حلول هذه المناسبة في أيلول/ سبتمبر من كل عام، وهم أسر المعتقلين الذين يواجهون الشدائد مع تجفيف منابع الحاضنة الشعبية التي كانت تتلمس حاجاتهم، وانفضاض الكثير من الداعمين لهم، إما لمخاوف أمنية أو لفتور بسبب طول مدة الاعتقال، أو مع الضغوط المالية التي طالت جميع طبقات المصريين.
عزة نفس رغم الحاجة
تقول "أم محمد"، وهي أربعينة معتقل زوجها وزوجي ابنتيها، لأكثر من 12 عاما: "قبل موعد الدراسة تتبارى المدارس الحكومية في طلب الزي الخاص بها بشروط ومواصفات معينة ومن محال تجارية بعينها، سعر القميص والبنطلون أو القميص والجونلة ما بين 400 و500 و600 جنيه، لكل تلميذ ابتدائي وإعدادي، ونحو 800 جنيه للثانوي".
وتضيف لـ"عربي21": "معي ولد بالمرحلة الثانوية وابنة بعامها الجامعي الأول و4 أحفاد في المرحلة الإبتدائية، ونعجز كل عام عن توفير الزي المدرسي، الذي يستلزم شراء تشيرتات وملابس داخلية وايشاربات وكوتشيات أو جزم، ما يعني حاجة كل طفل إلى ما بين 1000 و2000 جنيه (ما يعادل نحو 32 إلى 65 دولار)، ناهيك عن ملابس الجامعة لفتاة".
اظهار أخبار متعلقة
وتابع: "مصروفات الدراسة بين 200، و300 و500 جنيه لكل مرحلة، بجانب نحو 15 ألف جنيه نظير تقليل الاغتراب لابنتي لجامعة بالقاهرة بعدما وضعها تنسيق الثانوية العامة بمحافظة نائية، وذلك بعد أن اشترينا بالفعل كتبا خارجية للدروس الخصوصية التي بدأت الشهر الماضي، ولا يقل أي درس منها عن 500 جنيه شهريا، ولا يقل سعر كتاب خارجي منها عن 150 جنيه وحتى 300 ويصل حتى 600 للثانوية العامة".
وتبين أن "عزة النفس وسابق عهد أسرتي مع عيش كريم تمنعني من طلب العون من أحد، رغم ما نعانيه من تكاليف زيارة إلى 3 سجون مختلفة كل شهر"، ملمحة إلى أنها "اضطرت للعمل والتجارة، وامتهنت ابنتيها التدريس رغم ضعف دخله".
هروب الحاضنة الشعبية
وتحدث أحد القائمين السابقين على دعم أسر المعتقلين، (ع. س) إلى "عربي21"، موضحا أن "الوضع قاسي وكارثي، ولا نستطيع تلبية مطالب أسر المعتقلين بعد حصار كل من كان يمد يد العون لهم، وتهديد أغلبهم بالسجن، ومخاوف أغلبهم من الوشاية بهم جزاء عمل الخير".
ويشير إلى "انقطاع أغلب مصادر الخير، التي كانت تُستخدم لدعم أسر المعتقلين في أزمات صحية أو زواج البنات أو دخول المدارس"، لافتا إلى وقائع "اعتقال بعض الفتيات اللاتي كن يقمن على الأمر، بعد اختراق الأمن الوطني لصفحاتهن عبر فيسبوك وتمكنه من رقابة الفتيات واعتقال بعضها وتوقف العمل الخيري".
ويؤكد أن "أغلب من عملوا في هذا الأمر تعرضوا للاعتقال، ما دفع أهل الخير للامتناع بشكل نهائي، إلا على مضض وفي الأعياد".
هم يتجدد وعبء بلا عائل
ويقول (م. ع)، أحد المهتمين بملف المعتقلين، ودعم أسرهم، والذين تعرضوا لأكثر من محاولة اعتقال بسبب هذا الدور: "يحمل كل عام دراسي جديد هما على هم لأسر المعتقلين، في ظل إلتهاب الأسعار والمصروفات الدراسية، خاصة إذا كان للأسرة أكثر من طالب".
ويلفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى "عبء دروس التقوية، ودور الحضانة، والملابس المدرسية"، ملمحا إلى أنه "يوجد بعض المدرسين من ذوي المروءة يرفضون تقاضي أجرا عن الدروس الخصوصية"، مشيرا إلى "ما يقوم به الأعمام والأخوال من دور في احتضان هذه الأسر دون صخب أو ضجيج".
اظهار أخبار متعلقة
ويشير إلى أن "هناك فئة لا يدري عنهم أحد شيئا، ولا يتناولها الإعلام المعارض والداعم للمعتقلين، وهم فئة المفصولين من وظائفهم العامة، ففي حي صغير من عدة شوارع بالقاهرة على سبيل المثال هناك 10 أئمة وخطباء جرى فصلهم نهائيا، وهناك ما يقترب من هذا العدد من معلمي وزارة التعليم والأزهر، يعيشون حد الكفاف".
ويوضح أن "كل هذه الأسر تحولت من التخفيف عن أحوال المجتمع إلى عبء، خاصة مع غياب دور الحاضنة الشعبية إلا من الجهود الفردية التي لا تكفي حد الكفاف، حيث يقتصر دور الحاضنة الشعبية ودائرة الأهل والأقارب في الأعياد كإهداء لحوم الأضاحى".
تعاضد شعبي.. وتفوق نتاج عمل
ويبين أننا "في الحي الشعبي بقي بعض الدور في التساند والتعاضد لأن الناس تعرف بعضها وتقدر ظروفها مع انتشار ثقافة التهادي ومراعاة الجيرة وفي الريف أيضا، ومن بعض العادات الجميلة في مجتمعنا المصري تبادل الملابس المستعملة لأكثر من جيل، وكذلك الكتب الخارجية والملخصات".
ويستدرك: "الأمر في المدن أكثر سوءا وقد تضطر الأمهات للعمل في تحفيظ القرآن أون لاين على سبيل المثال، أو العمل في العيادات الطبية والصيدليات خاصة أن هذه الشريحة أغلبها من الطبقة المتعلمة المثقفة".
ويرى أنه رغم الصعوبات التي تواجهها أسر المعتقلين فإن "كفاح الزوجات والأمهات في توفير متطلبات الأسر ومنها متطلبات المدارس، لها نتاج جيد"، موضحا أن "معظم أبناء المعتقلين في صدارة المتفوقين رغم الظروف القاسية".
حيلة صانع معروف
وعن أسباب غياب الدعم عن تلك الأسر، يلمح إلى "طول مدة الاعتقال، والمخاوف الأمنية"، وموضحا أن "أكبر سبب مانع هو تعفف هذه الأسر، لينطبق عليهم قوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)، فهم لم يحاولوا لفت انتباه المجتمع إلى قضيتهم ولم تضعهم جمعيات الخير الأهلية في محور اهتمامها إما رهبة وإما غفلة".
ويحكى أن "إحدى ربات البيوت رفضت مساعدة فاعل خير بإصرار مما اضطره للتحايل بالتواصل مع تاجر الجملة الذي يورد لها بضاعة لمحلها المتواضع، واتفقا على أن يغالطها في الحساب دون أن تدري ويمنحها المزيد من السلع التي دفع ثمنها فاعل الخير هذا".
حملة كراسة وقلم
ويقول المدير التنفيذي لمؤسسة "جوار" عبدالرحمن البدراوي: "مع دخول المدارس وفي ظل الوضع الاقتصادي السيء الضاغط على الأسر المصرية هناك ضغط كبير على أسر المعتقلين، مع عدم وجود عائل وتحمل الأم المسؤولية من تجهيز للمدارس ورعاية البيت والنزول أحيانا لبيئة العمل والبحث عن فرص عمل أفضل".
ويلفت في حديثه لـ"عربي21": "لاحظت أن بعض أبناء المعتقلين في المرحلة الجامعية يعتمدون على أنفسهم في توفير مصروفاتهم الدراسية؛ لكن قبل المرحلة الجامعية الأزمة أكبر مع دروس خصوصية لا تقل كل مادة منها عن 500 و600 جنيه شهريا وتصل 2000 و3000 بالمرحلة الثانوية، والكل يسعى لتقليص التكلفة بمنع الدروس والاعتماد على النفس مع الوضع الاقتصادي العام السيء".
اظهار أخبار متعلقة
ويشير إلى تدشين مؤسسة "جوار"، حملة "كراسة وقلم"، قبل دخول المدارس، بين 4 حملات موسمية سنوية بهدف "تقليل الضغوط على البيوت مع زيادة ضغوط الزيارة وتضاعف نفقة البيوت"، ملمحا إلى "تغطية حاجة 1000 تلميذ"، وموضحا أنها "لا تسد عجز كل البيوت ولا كل أبناء المعتقلين".
تتكاثر القوائم في موسم الفقد
وعن قسوة أوضاع أسر المعتقلين خلال "دخول المدارس"، تقول الناشطة والحقوقية المصرية أسماء مهاب، لـ"عربي21": "يصبح البيت نصف مدينة حينما يصبح بلا أب بسبب الاعتقال والنفي والاختفاء القسري".
وتضيف: "مع كل عام دراسي جديد تتكاثر القوائم: حقائب، كتب، أدوات، مصروفات، وهي قوائم تبدو عادية، لكنّها تتحول إلى كابوس يومي إذا فقد بيتك عموده الاقتصادي، أو غاب عنه من كان يوقظ الصغار صباحا بابتسامة؛ ولعائل منعته سنوات طويلة من التحرك بحرية، ولأبناء حملوا غياب الأب على صدورهم، يصبح موسم المدرسة مرآة لمآسي أكبر من مجرد نقص في المستلزمات".
وتحكي: "في أزقة الحي تُروى قصص لا تخرج عادة على الملأ: أمهات يعملن ليل نهار لتنفق قليلا من الكفاف على دفاتر قديمة أو حذاء به رقعة، وأطفال يختلط في نفوسهم إحساس الحنين بالخجل".
وتشير إلى قول إحدى الجارات التي تعرفت على حالة أسرة معتقل منذ سنوات: "إنهم خرجوا بأبسط ما يملكون "صبرهم وكرامتهم" لكن شدة الحاجة أحيانا تقف على باب المدرسة وتقول: لا يمكنك الدخول"، موضحة أن "هذا الكلام لا يحتاج تحققا طويلا ليكشف أن المشكلة ليست مادية فقط، بل نفسية واجتماعية تكبر مع الوقت".
حلول متاحة
وترى مهاب، أن "الحلول البسيطة متاحة لكنها تحتاج قرارا مجتمعيا؛ من جمع كتب مستعملة مرتبة إلى مجموعات دعم دراسية تطوعية، ومن حملات سرية لتأمين زي وشنطة للأطفال، إلى برامج توفير استشارات نفسية لدعم الأمهات والأبناء".
اظهار أخبار متعلقة
وتؤكد أنه "ليس كل شيء قابلا للقياس بالأرقام، فأحيانا زيارة مخلصة أو حديث طمأنة يمكن أن يخفف عبئا أكبر من أي مساعدة مالية مؤقتة".
وتخلص للقول إن "أزمة أسر المعتقلين مع دخول المدارس ليست مجرد مشهدا إنسانيا عابرا، بل اختبار لقيم المجتمع"، متسائلة: "فهل نسمح للعجز أن يصبح قدرا لا مناص منه، أم نعيد إحياء ثقافة التكاتف التي تجعل من الجار ملاذا والعطاء رسالة؟".
وتختم مؤكدة أن "التعليم حق، والأطفال لا ذنب لهم في أي صراع، وقبول هذا الحق ورعايته هو أقل ما يمكن تقديمه لهم حتى لا يتحول العام الدراسي إلى موسم فقدان آخر".