نشرت صحيفة "
واشنطن
بوست" مقالا للكاتب شادي حميد تحدث
فيه عن مخاطر إزدواجية المعايير الأمريكية كما بدت في رد إدارة دونالد ترامب على
الهجوم الإسرائيلي ضد قطر.
وقال إن هذه المواقف المزدوجة
ارتدت سلبا، وقال إن رد البيت الأبيض على محاولة اغتيال قادة حماس يزيد من تآكل
الموقف الأمريكي وكون الولايات المتحدة وسيطا يمكن الوثوق به.
وظن الكاتب عندما تواصلت معه صديقة بشأن
الغارات على العاصمة القطرية، الدوحة يوم الثلاثاء، أنها تشير إلى إضراب العمال
المهاجرين، ولم يعر كلامها الإهتمام المطلوب، ثم رأى ما حدث بالفعل، حيث قصفت
إسرائيل فيلا في العاصمة القطرية، مستهدفة كبار مسؤولي حماس، ويعلق قائلا:
"لم أكن أتوقع غارة إسرائيلية على قطر حليفة الولايات المتحدة وموطن إحدى
أكبر القواعد العسكرية الأمريكية" في الشرق الأوسط.
قصفت "إسرائيل" خمس عواصم
وقال حميد، إن "هذا
ما يحدث عندما تعتقد دولة ما أنها تعمل وفق قواعد مختلفة عن غيرها وهذا ما يحدث
عندما يثبت أقرب حليف لها، أي الولايات المتحدة، مرارا وتكرارا أن هذه القواعد
المختلفة ليست مقبولة فحسب، بل راسخة"، وبإضافة الدوحة، قصفت "إسرائيل" الآن
خمس عواصم شرق أوسطية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك بيروت ودمشق وطهران وصنعاء.
اظهار أخبار متعلقة
وكانت هناك فرصة لوقف حرب الإبادة
في غزة، حيث قدم الرئيس دونالد ترامب "العرض النهائي" الذي نقل إلى
القيادة السياسية لحماس في الدوحة يوم الاثنين. لكن، وكما فعل رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، فقد صعد من حدة أعماله العدائية لتحقيق
أهدافه السياسية، مقوضا المفاوضات ومغيرا قواعد اللعبة.
وكان خليل الحية، الذي كان يقود
محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة، أحد الأهداف المقصودة
لـ"إسرائيل". ونجا الحية من الهجوم، لكن خمسة
آخرين، بينهم أحد أفراد قوات الأمن الداخلي القطرية، قضوا شهداء.
ولم يكن التوقيت مصادفة، كان
مفاوضو حماس يجتمعون في لحظة الهجوم لمناقشة مقترح ترامب لوقف إطلاق النار، وكان
من المقرر أن يردوا في ذلك المساء، ومع ذلك، أصبحوا أهدافا في حي سكني بدولة ذات سيادة لعبت دور.
استضافة حماس عمل مشروع
ولفت حميد إلى أن استضافة قطر لحماس ليست عملا غير مشروع، بل تحظى بموافقة
أمريكية، وحتى تتمكن الإدارات الأمريكية، بما فيها إدارة ترامب، من التفاوض مع
حماس، المصنفة كـ"منظمةً إرهابي" في الولايات المتحدة.
ويقول حميد إن
هجوم الدوحة مناورة غريبة ولكنها ذات دلالة: اقتل الأشخاص الذين تحاول التفاوض معهم لإطالة أمد
الحرب التي تقول أنك تحاول إنهائها، لكنها لم تكن المرة الأولى. في ضربات على
طهران في حزيران/ يونيو، حاولت "إسرائيل" اغتيال علي شمخاني، المسؤول الإيراني الذي
يشرف على المحادثات النووية مع إدارة ترامب.
تحذير بعد فوات الأوان
وبعد الضربات الإسرائيلية في
الدوحة، كان رد ترامب صريحا على غير العادة، ففي توبيخ علني نادر لـ"إسرائيل"، عبر عن
غضبه عبر موقع "تروث سوشيال" قائلا إن: " القصف الأحادي الجانب
لقطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة، تعمل بجد وشجاعة للتوسط في
السلام معنا، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أمريكا".
لم تكن الولايات المتحدة على علم
بالضربة إلا قبل وقت قصير، مما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى الإسراع لتحذير قطر،
ولكن بعد فوات الأوان.
اظهار أخبار متعلقة
منح "إسرائيل" حق مطلق
ويعلق حميد أن هناك بالفعل معايير
مزدوجة، ولكن ليس بالطريقة التي يفترض بها غالبا، إسرائيل هي "الدولة"
الوحيدة في الشرق الأوسط التي يبدو أن لها حقا غير محدود "في الدفاع عن نفسها"،
بينما تنكر هذا الحق على الآخرين في الوقت نفسه، يمكنها أن تتصرف بحصانة عبر
الحدود الدولية وتنتهك السيادة، وتعطل العمليات الدبلوماسية، مهما كانت التداعيات،
بغض النظر عن العواقب.
وفي المقابل، تتمتع أي دولة أخرى في المنطقة أو في أي مكان
آخر، بمثل هذه الحرية، ولا يقتصر الأمر على "إسرائيل" فقط، فهو يتعلق بالأمريكيين
وباستعداد أمريكا تمكين السلوك ومساعدته، مع أنها تدينه لو مارسته دولة أخرى.
ولم يكن مفاجئا رد الحزب
الديمقراطي الخافت على الهجوم، ولم يرق إلى انتقادات ترامب، فقد أعرب زعيم الأقلية
في مجلس الشيوخ تشارلس إي- شومر عن قلقه وطلب إحاطة سرية، فيما لم يعرب زعيم
الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز حتى عن قلقه ورفض إدانة أو قول أي شيء على
الإطلاق، بشأن الضربة نفسها، وهو ما كان تذكيرا، بأن أمريكا تفتقر إلى حزب معارضة
فعال.
تداعي العلاقات مع الحلفاء
وشدد الكاتب على أن هذه هي النهاية المنطقية لسياسة التعامل مع "إسرائيل" على أنها استثنائية لعقود: "لقد أقنعنا أنفسنا بأن دعم
إسرائيل يعني عدم قول لا أبدا". ويتساءل حميد: "ماذا يقول هذا عن القوة
والمصداقية الأمريكية؟ إذا لم نتمكن من منع حليف من مهاجمة حليف آخر، فما فائدة أن
نكون قوة عظمى؟ إذا لم نتمكن من ضمان استمرار مفاوضات السلام دون أن يقصف أحد
الطرفين مفاوضي الطرف الآخر، فأي نوع من الوسطاء نحن؟ الحقيقة المرة هي أن دور
إسرائيل المدمر في المنطقة سيستمر حتى يتم كبح جماحها، وهناك دولة واحدة فقط قادرة
على كبح جماحها وهي الولايات المتحدة، نحن نوفر الأسلحة والغطاء الدبلوماسي والدعم
المالي الذي يمكن إسرائيل من الهيمنة الإقليمية، ومع هذا الدعم، تأتي المسؤولية،
ليس فقط عن أمن إسرائيل، بل وعواقب أفعالها أيضا".
ويقول: "إلى أن تكون
الولايات المتحدة على استعداد لتحمل هذه المسؤولية بجدية، ستتكرر مشاهد مثل ضربة
الدوحة يوم الثلاثاء، وفي كل مرة، ستتآكل مصداقيتنا كوسيط موثوق، وستتداعى
علاقاتنا مع حلفائنا الآخرين. وفي مرحلة ما، علينا أن نقرر: هل نحن قوة عظمى
عالمية تحاسب جميع الأطراف، أم أننا ببساطة ممكنون لإسرائيل؟".