نشرت صحيفة "
وول ستريت جورنال" تقريرا جاء فيه، أن غزة أصبحت في عالم صناعة الفن والموسيقى نقطة ساخنة وتقسم الفنانين والمشجعين وسط تزايد حصيلة الموت والمعاناة الإنسانية في القطاع المحاصر.
التقرير الذي أعدته أنفي بوتاني ورويا شهيدي قالتا فيه، إنه ومع اقتراب الحرب في غزة من عامها الثاني، احتل النزاع مركز الصدارة في عالم الموسيقى، ويلوح المزيد من الفنانين بالأعلام الفلسطينية ويرددون شعارات أو يتهمون إسرائيل بالإبادة الجماعية. أما أولئك الذين يلتزمون الصمت، فيواجهون ضغوطا متزايدة لاختيار جانب. وقد صعّدت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس) دعواتها لمقاطعة الأعمال الموسيقية التي لا تتحدث علنا عن غزة وللمروجين الذين تربطهم أي علاقات بالحكومة أو قطاع الأعمال الإسرائيلي.
اظهار أخبار متعلقة
وفي هذا الأسبوع، دعت حركة المقاطعة أنصارها إلى مقاطعة جولة فرقة "ريديوهيد" الأوروبية المعلن عنها حديثا، مشيرة إلى حفل الفرقة البريطانية في تل أبيب عام 2017، وارتباط عازف الجيتار جوني غرينوود بموسيقي إسرائيلي. ولطالما كانت صناعة الموسيقى مسرحا للنقاش السياسي: أناشيد مناهضة لحرب فيتنام في الستينيات وحملة "لايف إيد" ضد المجاعة في إفريقيا في الثمانينيات وحفلات تضامنية مع حركة "حياة السود مهمة" أو الحرب في أوكرانيا.
حرب غزة قضية أكبر بكثير
وعلى النقيض من القضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى الأخيرة، حيث كان التضامن قصير الأمد وغير مثير للجدل في الغالب، أصبحت الحرب في غزة قضية أكبر بكثير وأكثر إثارة للانقسام، ما أدى إلى خلق احتكاكات بين المشجعين والرعاة والفنانين.
ومع استمرار الحرب، وبعد انتشار صور المجاعة الأخيرة في غزة وعلى نطاق واسع بالأشهر الأخيرة، ازداد الضغط على الفنانين للتعبير عن آرائهم من قبل النشطاء المؤيدين لفلسطين والعديد من متابعيهم، وقد حقق قطاع الموسيقى الحية العالمي إيرادات بلغت نحو 35 مليار دولار العام الماضي، وتعد الولايات المتحدة وأوروبا أكبر أسواقه بلا منازع، ومن المتوقع أن ينمو إلى 67 مليار دولار بحلول عام 2035، وفقا لغولدمان ساكس. لكن منظمي المهرجانات يشعرون بالقلق من أن الاستقطاب السياسي قد يعيق النمو.
رفع العلم الفلسطيني
وعبرت فرقة البوب الأمريكية "إيماجن دراغونز" علنا عن رغبتها في البقاء بعيدا عن السياسة، لكنها في حزيران/يونيو رفعت علما فلسطينيا على خشبة المسرح في حفل موسيقي في ميلانو بعد أشهر من الضغط من المعجبين. وقادت المغنية البريطانية تشارلي إكس سي إكس هتافات "الحرية لفلسطين" على خشبة المسرح في مهرجان بريمافيرا ساوند بورتو في البرتغال هذا الصيف بعد أن واجهت رد فعل عنيف على الإنترنت لعدم التعبير عن آرائها.
ونقلت الصحيفة عن الكسندر كانون، استاذ علم الموسيقى الإثني بجامعة برمنغهام قوله: "جميع الفنانين لديهم هذا الحساب في أذهانهم حول مدى احتجاجي في هذا المجال؟". وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ترصد حسابات مجهولة، مثل "صهاينة في الموسيقى"، التصريحات المؤيدة لإسرائيل، بينما يقدم موقع "ريفيرس كناري ميشن" كاتالوغا لأسماء الموسيقيين الذين لم ينتقدوا تصرفات إسرائيل في حرب غزة، وقد اكتسب بعض الفنانين شهرة واسعة بفضل تعليقاتهم حول الحرب.
ففي مهرجان غلاستونبيري البريطاني الذي ينظم في حزيران/يونيو اهتمت عناوين الصحف أقل اهتماما بالموسيقى وأكثر تركيزا على المواقف المؤيدة لفلسطين التي اتخذتها عشرات الفرق، وجاءت اللحظة الأكثر إثارة للجدل عندما هتف ثنائي الراب الإنجليزي بوب فيلان "حرة، حرة فلسطين"، قبل أن يهتف "الموت، الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي". وكانت التداعيات فورية، حيث أدان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والسفارة الإسرائيلية في بريطانيا هذه التعليقات. كما واعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي بثت الحفل الموسيقي على الهواء لاحقا. وتم حذف الوصلة الغنائية من مواقع البث الحية التابعة لها والعديد من فترات المهرجانات.
كما ألغت فرقة الراب في أيرلندا الشمالية "نيكاب"، التي غالبا ما تزين عروضها بشعارات مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل، جولتها القادمة في الولايات المتحدة وسط استمرار المشاكل القانونية في بريطانيا. ويواجه أحد أعضاء المجموعة تهم الإرهاب في بزعم عرضه علم حزب الله خلال حفل موسيقي العام الماضي.
ضغوط حركة
المقاطعة
ويمتد الضغط للتحدث علنا عن غزة خلف الكواليس، فقد انسحبت مغنية الراب الأمريكية أزيليا بانكس مؤخرا من مهرجانين بريطانيين، هما "بوم تاون" و"ميدن فوياج"، قائلة إن المنظمين ضغطوا عليها للإدلاء بتصريحات "حرروا فلسطين" على المسرح.
وفي منشور على منصة إكس قالت بانكس:" بشكل أساسي، كانوا يحاولون ابتزازي من خلال التلميح إلى أنني بحاجة إلى أن أقول إنني أدعم فلسطين وإلا سيستبعدون وصلتي من الحفل". ونفى مهرجان "بومتاون" أنه أملى على الفنانين مواقف، فيما لم يرد مهرجان "ميدين فوياج".
وفي الجانب الآخر، يتم استبعاد فنانين آخرين. وتقول المغنية الإسرائيلية الإيرانية ليراز شارحي إنها خسرت عروضا لرفضها نشر "فلسطين الحرة" على وسائل التواصل الاجتماعي، كما وتم إلغاء عرضين لغرينوود، عازف الجيتار في ريديوهيد، والموسيقي الإسرائيلي دودو تاسا في وقت سابق من هذا العام بعد ضغوط من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي أشارت لعرضين لغرينوود وتاسا في إسرائيل في عامي 2024 و2025، بينما عزف تاسا للجنود الإسرائيليين في أواخر عام 2023، بعد وقت قصير من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر التي قادتها حماس.
وفي بريستول، تم إلغاء حفل موسيقي للفرقة اليهودية "أوي فا فوي" بعد شكاوى بشأن غلاف الألبوم الذي يظهر المغنية زوهارا محاطة بالبطيخ، وهي فاكهة مرتبطة بالعلم الفلسطيني. ووصفت المجموعة ذلك بأنه تمييز ضد هويتها الإسرائيلية.
اختلاف ردود
الأفعال
واختلف الفنانون في ردود أفعالهم على الحرب. فقد أصدر نجوم الصف الأول، بمن فيهم دوا (دعا) ليبا وكولدبلاي وبيلي إيليش وأوليفيا رودريغو، بيانات حول الأزمة الإنسانية المتفاقمة. بينما لم يدل آخرون، مثل تايلور سويفت، بأي تعليقٍ علني حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما أثار غضب بعض المعجبين على الأقل. ونظرا لوقوعهم في مرمى النيران، يعيش بعض الفنانين في منطقة وسط.
ففي أيار/مايو، ندد توم يورك، قائد فرقة ريديوهيد، بالحكومة الإسرائيلية ووصفها بأنها متطرفة وساخرة، وقال إن هجومها على غزة قد تجاوز منذ فترة طويلة ذريعة الدفاع عن النفس. وفي الوقت نفسه، انتقد حماس ووصفها بأنها "وراء أهدافها بنفس القدر"، وقال إن عبارة "فلسطين حرة" البسيطة لم تطرح أسئلةً صعبة حول دوافع الجماعة المسلحة لهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد انتقد البعض على وسائل التواصل الاجتماعي البيان، وقالت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إنه "يبيض صورة الإبادة الجماعية". وقال يورك إن رد الفعل العنيف قد أثر "سلبا" على صحته النفسية. وكتب: "حملات المطاردة على وسائل التواصل الاجتماعي (وليس بالأمر الجديد) من كلا الجانبين، والتي تضغط على الفنانين ومن يحلو لهم ذلك الأسبوع للإدلاء بتصريحات وما إلى ذلك، لا تفعل شيئا يذكر سوى زيادة التوتر والخوف والتبسيط المفرط للمشاكل المعقدة".
اظهار أخبار متعلقة
وأصدر أعضاء فرقة يوتو بيانات مماثلة في آب/ أغسطس، انتقدوا فيها كلا من إسرائيل وحماس. وانتقد الكثيرون في أيرلندا، التي لطالما تزيد فيها مستويات
دعم الفلسطينيين، مقارنة بالعديد من الدول الغربية الأخرى، الفرقة لعدم انتقادها إسرائيل بشدة أكبر. وتساءلت صحيفة "آيريش إندبندنت": "كسرت فرقة يوتو صمتها تقريبا وأعربت عن دعمها لغزة، ولكن هل فات الأوان؟". ووصفت المغنية الأيرلندية ماري كوغلان بيان فرقة يوتو بأنه "فاسد ومثير للشفقة".