خضعت حكومة
رئيس الوزراء البريطاني
كير ستارمر لتعديلات وزارية كبيرة بعد عام وشهرين من توليه
منصبه، وسط انخفاض حاد في الشعبية وسلسلة من الاستقالات الوزارية والتي أثارت دهشة الشارع البريطاني والإعلام، في ضوء تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة في ملفات الهجرة والرعاية الاجتماعية.
وعقب الاضطرابات
السياسية التي عصفت بالحكومة، والتي كان من أبرزها استقالة نائبة رئيس الوزراء
البريطاني أنجيلا راينر، بسبب فضيحة التهرب الضريبي، شملت التغييرات الوزارية عدة
مناصب رئيسية، ومنها خروج ديفيد لامي من منصب وزير الخارجية، فيما حلت بدلا منه إيفيت
كوبر، المعروفة بموقفها القوي المؤيد لـ"إسرائيل"، بعد فترة مثيرة للجدل كوزيرة
للداخلية، وهو المنصب الذي كلفت به
شبانة محمود، وزيرة العدل السابقة ذات المواقف
المؤيدة للفلسطينيين، حيث أصبحت وزيرة للداخلية، وهي خطوة من المتوقع أن تثير
توترات سياسية ودبلوماسية.
من هي شبانة
محمود؟
وُلدت شبانة
محمود في برمنجهام عام 1980 لأبوين باكستانيين، أمضت جزءًا من سنواتها الأولى في
المملكة العربية السعودية قبل أن تعود إلى المملكة المتحدة، ودرست القانون في كلية
لينكولن بجامعة أكسفورد، ودرست لاحقًا المحاماة، وتخصصت في قضايا التعويض المهني، وشغلت
عدة مناصب رئيسية في صفوف حزب العمال، بما في ذلك وزيرة المالية في حكومة الظل، ومن
ثم وزيرة السجون في الحكومة نفسها.
ابتعدت لفترة
وجيزة عن الساحة السياسية عام 2015 خلال قيادة جيريمي كوربين، لكنها عادت تحت
قيادة كير ستارمر، وبحلول عام 2023، شغلت منصب وزيرة العدل في حكومة الظل، وبعد
فوز حزب العمال في الانتخابات العامة عام 2024، أصبحت وزيرة العدل ومستشارةً للورد،
وفي هذا المنصب، دفعت ببرامج الإفراج المبكر عن السجناء لتخفيف الضغط على السجون.
دورها الجديد
تتولى محمود،
بصفتها وزيرة للداخلية، مسؤولية معالجة تراكم طلبات اللجوء، والترحيل، وإصلاح
الشرطة، والتحقيقات في عصابات التجنيد، ويسلط ترقيتها الضوء على مدى جدية ستارمر
في التعامل مع قضايا الهجرة والأمن، والتي من المتوقع أن تُحدد جزءًا كبيرًا من
أجندة حكومته.
وبحسب صحيفة
الغارديان، فإن قدرت شبانة محمود على التعامل مع مسؤولياتها الجديدة، سوف ينظر
إليها باعتبارها مفتاحا للحد من التهديد الانتخابي المتزايد الذي يشكله حزب
الإصلاح في المملكة المتحدة بزعامة نايجل فاراج، ليبقى السؤال، هل ستنجح محمود في
الاختبار؟!.
تقليل عدد
العابرين للقناة الإنجليزية
منذ عام 2018،
حاول ستة وزراء داخلية من حزب المحافظين سبقوا محمود، إيفات كوبر، الحد من
الارتفاع المطرد في عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى المملكة المتحدة عن طريق
الصعود إلى قوارب صغيرة في فرنسا، ولكن دون جدوى، ومن المتوقع أن تقدم محمود، وهي تمثل
دائرة انتخابية متعددة الأعراق، سياسات تجعل من الصعب التقدم بطلب اللجوء إذا ما وصل
مقدم الطلب "المهاجر" عبر طريق غير نظامي، وبالتالي سيكون من السهل إبعاده،
وفي مقابلة مع صحيفة "ذا سبيكتاتور"، قالت محمود: "أنظر إلى مجتمع
أمثله، 70 في المئة منه من غير البيض، إذا سألتَ ناخبي، سيُطالبون بنظام هجرة عادل".
وفي الشهر
الماضي، واجه ستارمر انتقاداتٍ عندما تبيّن أن أعداد من عبروا القناة الإنجليزية
في قوارب صغيرة منذ تولي حزب العمال السلطة تجاوزت 50 ألفًا، حيث لا تزال العصابات
تنشط في شمال فرنسا بهدوء.
خفض عدد فنادق
اللجوء
سخر حزب
العمال من المحافظين خلال الانتخابات العامة الأخيرة لإيواء طالبي اللجوء في
الفنادق، وتعهد بإنهاء هذه الممارسة عند توليه السلطة، وبعد ثلاثة عشر شهرًا،
واجهت حكومة ستارمر مظاهرات عنيفة وخيبة أمل لدى الناخبين بسبب الزيادة الكبيرة في
أعداد الوافدين على متن قوارب صغيرة.
كما ارتفع عدد
الأشخاص الذين ينتظرون قرارات اللجوء في المملكة المتحدة والذين يقيمون في فنادق
بنسبة 8 بالمئة ليصل إلى 32,059 شخصًا، فضلا عن تضاعف الدعوات لإغلاق الفنادق،
والتي ظهرت خلال التظاهرات أمام فنادق اللجوء ونوع الهتافات المطالبة بطرد
المهاجرين.
وبحسب
الغارديان، ستسعى محمود لحل المشكلة عبر تسريع وتيرة الاستماع إلى طلبات اللجوء،
وجعل من الصعب الطعن في القرارات الخاصة بهذا الشأن، كما ستبحث عن أماكن بديلة
لإيواء طالبي اللجوء أثناء انتظارهم الاستماع إلى قضاياهم، بدلا من الفنادق التي
قيل إنها تكلف الحكومة أموالا طائلة.
هجرة
"صفرية"
مع إصرار
نايجل فاراج على تطبيق سياسة هجرة "صفرية صافية"، ستدرس محمود التغييرات
المقترحة على تأشيرات الدراسة والعمل وإدخال اختبارات اللغة الإنجليزية، والتي من
شأنها أن تؤدي إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يدخلون المملكة المتحدة بنحو 100 ألف
شخص، وسبق أن دافعت محمود عن تصريح لرئيس الوزراء قال فيه إن المملكة المتحدة تخاطر
بالتحول إلى "جزيرة من الغرباء"، في حالة عدم وجود قيود على تدفق
المهاجرين.
وقد تواجه
المحاولات الرامية إلى خفض صافي الهجرة معارضة من جانب الشركات التي تشعر بالقلق
إزاء نقص المهارات والجامعات حال تم فرض القيود على التأشيرات الخارجية، في حين قد
يطلب قطاع الخدمات الصحية الوطنية والرعاية تأشيرات للسماح لمزيد من الممرضات
والعاملين في مجال الرعاية من الخارج.
هل ستحظر
تأييد فلسطين؟!
ستواجه محمود
قرارا صعبا بشأن ما إذا كان سيتم مواصلة تنفيذ قرار إيفيت كوبر القاضي بحظر حركة
"فلسطين أكشن" بموجب قوانين الإرهاب بعد رشّ طائرات بالطلاء في قاعدة
بريز نورتون الجوية الملكية، حيث يُعدّ الانضمام إلى هذه الحركة أو دعمها الآن
جريمة قد تؤدي إلى السجن لمدة تصل إلى 14 عامًا، فيما يعارض آلاف الأشخاص الحظر الذي
يرون بأنه غير متناسب وأدى إلى توسيع التعريف المعتاد للـ"إرهاب".
تُدرك محمود أن موقف حزب العمال من الحرب في غزة قد
تسبب بخسارة الكثير من الأصوات في بعض المناطق، فقد انخفضت أغلبيتها إلى حوالي
3500 ناخب في الانتخابات العامة لعام 2024، في مواجهة مرشح مستقل اتهم الحزب بالتقصير
في رعاية الأطفال الفلسطينيين.
اظهار أخبار متعلقة
ومع مجمل تلك
التحديات، فأن شبانة محمود باتت تتعرض لموجة من التشكيك بولائها إلى المملكة بسبب
مواقفها الداعمة لفلسطين وأصولها العرقية التي قيل إنها ستدفعها للتعاطف مع
المهاجرين.
ومع إدراج الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن على الأجندة السياسية المحلية والدولية ، فإن التحيز الدائم لإسرائيل يجعل الحكومة تسير على خط حساس للغاية ومتقلب، فهي عالقة بين الدبلوماسية الدولية وبخاصة تجاه الإدارة الامريكية، والانقسامات الحزبية المحلية، والانقسام العام البريطاني بشكل متزايد حول هذه القضية الفلسطينية.