أكد زاهر بيراوي، رئيس
اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة وعضو تحالف أسطول الحرية، أن تحرك "أسطول الصمود" الجاري حالياً يمثل أضخم محاولة بحرية لكسر حصار
غزة منذ أحداث "مافي مرمرة" عام 2010، مشدداً على أن الشعوب الحرة باتت تتحمل مسؤولية مواجهة الإبادة المستمرة في القطاع في ظل عجز وصمت رسمي عربي ودولي.
وقال بيراوي في مقابلة خاصة مع "عربي21": "نحن نضع هذا الحراك في سياقه الصحيح.. غزة تعيش إبادة وقصفاً وقتلاً وتهجيراً، بينما الأنظمة إما متواطئة مع الاحتلال أو عاجزة عن مواجهته. لذلك لم يبقَ لغزة إلا الشعوب التي تتحرك بكل الوسائل الممكنة، من المظاهرات والفعاليات الشعبية إلى محاولات
كسر الحصار البحري".
من "الضمير" إلى "أسطول الصمود"
أوضح بيراوي أن خطتهم لعام 2025 اعتمدت على إطلاق سفن متتابعة لتشكيل ضغط على الاحتلال، بدأت بسفينة "الضمير" في أيار/ مايو الماضي من ليبيا، لكنها تعرضت لقصف إسرائيلي قبالة مالطا. ثم تلتها سفينة "مادلين" في حزيران/ يونيو الماضي بمشاركة شخصيات بارزة مثل الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ٬ والناشط البرازيلي تياغو آفيلا، قبل أن تُحتجز من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وفي تموز/يوليو الماضي، أبحرت سفينة "حنظلة" كجزء من موجة التحركات ذاتها.
وأضاف: "هذه الموجات أثبتت أن التضامن لا يتوقف عند المظاهرات، بل يتحول إلى فعل مباشر في البحر، رغم المخاطر والاعتداءات الإسرائيلية".
فشل المحاولات البرية
وأشار بيراوي إلى أن محاولات كسر الحصار براً بدأت عبر "المسيرة العالمية إلى غزة" من القاهرة، و"قافلة الصمود العربية" من تونس وليبيا، والمغرب العربي٬ ولكنها فشلت بسبب منع السلطات المصرية المتضامنين من الوصول إلى معبر رفح البري٬ ما دفع النشطاء الدوليين للتوجه نحو البحر.
وقال: "من هنا جاءت فكرة أسطول الصمود، عبر تحالف يضم الحركة العالمية نحو غزة وأسطول الصمود المغاربي (“قافلة الصمود العربية”) ومبادرة صمود نوسانتارا لدول شرق آسيا، وعدد من مكونات ونشطاء أسطول الحرية وفي مقدمتهم الحملة البرازيلية والحملة الالمانية واللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة وشركاؤها في دول شمال أفريقيا والعالم العربي".
أكثر من 500 متضامن
وكشف رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة أن أكثر من 20 سفينة أبحرت بالفعل من برشلونة باتجاه تونس، على أن تنضم إليها سفن أخرى من تونس وليبيا واليونان وإيطاليا. وأوضح أن عدد المشاركين يناهز 500 متضامن من 44 دولة، بينهم شخصيات سياسية وبرلمانية وأطباء ونشطاء حقوق إنسان.
وأكد في مقابلته أن: "أسطول الصمود هو الواجب الأخلاقي والإنساني في زمن الإبادة. قد تعترضنا إسرائيل أو تهاجمنا كما فعلت سابقاً، لكننا لن نتوقف. رسالتنا أن غزة ليست وحدها، وأن الشعوب قادرة على فرض معادلة جديدة في مواجهة الاحتلال".
كما أكد بيراوي أن عدد السفن المشاركة في "أسطول الصمود" مرشح للزيادة مع انضمام سفن من تونس وليبيا واليونان وإيطاليا، مشدداً على أن العدد الكبير جزء أساسي من خطة التحرك، بهدف إرباك الاحتلال الإسرائيلي وفرض مشهد تضامني غير مسبوق مع غزة.
وقال في مقابلته لـ"عربي21":"المنظمون يتعمدون عدم الإفصاح عن العدد النهائي للسفن، لأنه جزء من الخطة الأساسية. لكن ما ظهر للإعلام في تدشين المسار من برشلونة كان عشرات السفن، بينها قوارب إسناد وتضامن، رافقت أكثر من 20 سفينة على الأقل متجهة إلى تونس، بانتظار انضمام سفن أخرى من موانئ مختلفة".
وأشار إلى أن مشهد انطلاق السفن من ميناء برشلونة كان "تاريخياً"، حيث شارك فيه آلاف المتضامنين الدوليين، ما يعكس "حالة التضامن الهائلة مع غزة التي تتعرض لإبادة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية".
وشدد بيراوي على أن الهدف الأساس من الأسطول هو "كسر الحصار غير القانوني وغير الأخلاقي" المفروض على غزة منذ سنوات طويلة، مضيفاً: "نحن نستجيب لنداء غزة وصرخات المقهورين الذين يُقتلون يومياً على مرأى العالم. نخجل من أننا لا نملك إمكانيات أكبر، لكن هذه السفن تحمل رسالة أن الشعوب لن تستسلم ولن تترك غزة وحدها".
وأضاف: "حتى لو خرجت 50 أو 70 سفينة، فهذا لا يُغني عن دور البرلمانات والشارع في الضغط السياسي والإعلامي لوقف الحرب وكسر الحصار. هذه المعركة معركة كل الشعوب الحرة، وليست مسؤولية المتضامنين وحدهم".
مشاركة عربية بارزة
كشف رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة٬ أن "أسطول الصمود" يضم مئات المتضامنين من مختلف دول العالم، بينهم شخصيات سياسية وبرلمانية وإعلامية وطبية، في محاولة لتعزيز الضغط السياسي والإعلامي على الاحتلال الإسرائيلي وكسر الحصار المفروض على القطاع منذ عقود.
وقال بيراوي في حواره لـ"عربي21" إن معظم المشاركين الذين انطلقوا من برشلونة كانوا من دول غير عربية، نظراً لصعوبات تتعلق بإجراءات السفر والتأشيرات بالنسبة للعرب، بينما تشهد تونس وجوداً عربياً وإسلامياً واسعاً، حيث يشارك أكثر من 120 إلى 150 متضامناً عربياً، إلى جانب وفود من تركيا وماليزيا وباكستان ودول إسلامية أخرى.
وأوضح أن السفن التي ستبحر من تونس ستضم "شخصيات عامة وسياسية مؤثرة"، مشيراً إلى مشاركة رئيس وزراء ليبي سابق، إضافة إلى برلماني من موريتانيا، وبرلماني ونائب رئيس سابق للبرلمان الجزائري، فضلاً عن شخصيات وطنية من دول مغاربية مختلفة. كما أكد أن أطباء وإعلاميين ونشطاء دوليين سيصعدون على متن السفن، إلى جانب شخصيات تونسية عامة تمثل أحزاباً ومنظمات منضوية في "التنسيقية التونسية للعمل من أجل فلسطين" و"التنسيقية المغاربية للعمل المشترك".
لسنا في "نزهة بحرية"
ووصف بيراوي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين سخروا فيها من التحرك ووصفوه بـ"النزهة البحرية"، بأنها "تصريحات سخيفة تكشف استهتار الاحتلال بشعوب العالم واستهانته بالقوانين الدولية".
وقال رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، إن هذه التصريحات "تعكس عقلية الاستعلاء الصهيوني التي ترتكز على القوة الغاشمة والدعم الأمريكي المطلق"، لكنها في الوقت ذاته "تدل على حالة ضعف استراتيجي تعيشها دولة الاحتلال التي تواجه عزلة دولية غير مسبوقة".
وأضاف: "نحن لا نذهب في نزهة.. المتضامنون يخاطرون بحياتهم تماماً كما حدث في مجزرة أسطول الحرية (مافي مرمرة) عام 2010، حيث قتل الاحتلال نشطاء مدنيين بدم بارد. إسرائيل قد تعتدي مجدداً، لكن ذلك لن يوقف مسيرة الشعوب نحو التضامن مع غزة".
وأشار بيراوي إلى أن السفن المشاركة صغيرة ومكتظة، ولا تسمح للمشاركين بقدر من الراحة، إذ يتناوب النشطاء على النوم بسبب ضيق المكان، مؤكداً: "هي رحلة محفوفة بالمخاطر، لكنها استجابة لنداء المقهورين والمشردين في قطاع غزة، وليست ترفاً أو استعراضاً إعلامياً".
وبشأن اتهامات الاحتلال بأن السفن لا تحمل مساعدات كافية، أوضح
البيراوي أن السفن تحمل "شحنات إنسانية رمزية" تشمل أدوية وأجهزة طبية وحليب أطفال، لكنها "غير كافية مقارنة باحتياجات غزة التي تتطلب أكثر من ألف شاحنة مساعدات يومياً".
وشدد على أن الهدف الأساسي للأسطول هو "كسر الحصار السياسي والإعلامي"، وإيصال رسالة للعالم بأن "غزة ليست وحدها"، داعياً إلى فتح المعابر لإدخال آلاف الشاحنات المتوقفة، وقال: "نحن لا نزعم أننا نحمل ما يكفي لإنقاذ غزة، لكننا نحمل رسالة تضامن وإصرار على كسر هذا الحصار اللاشرعي، وفضح جرائم الاحتلال أمام العالم".
الاحتلال يمارس إرهاب الدولة
وردّ بيراوي على تهديدات وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي توعّد بالتعامل مع المشاركين في القافلة البحرية باعتبارهم "مشتبهاً بهم بالإرهاب"، مؤكدين أن هذه التصريحات "تكشف الوجه الحقيقي للإرهاب الصهيوني".
وقال رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، زاهر البيراوي في حواره مع "عربي21"، إن اتهامات الاحتلال "سخيفة ولا أساس لها"، مشدداً على أن المشاركين "لا يحملون سلاحاً، بل هم نشطاء مدنيون تلقوا تدريبات خاصة على العمل السلمي واللا عنفي، حتى في حال مواجهة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح".
وأضاف: "الكيان الذي يمارس الإبادة وجرائم الحرب يتّهم المدنيين بالإرهاب.. هذا يعكس ضعف روايته أمام العالم. الحقيقة أن الاحتلال هو من يرتكب الإرهاب المنظم ويخالف القانون الدولي بعرقلته المتكررة لمحاولات كسر الحصار".
وأشار بيراوي إلى أن لدى المنظمين فريقاً قانونياً يضم أكثر من 30 محامياً، إلى جانب دعم واسع من مؤسسات حقوقية دولية تؤكد مشروعية هذا الحراك، محذراً من أن أي اعتداء على الأسطول "سيُعتبر جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الأسود".
وحول السيناريوهات المحتملة، أوضح البيراوي أن المنظمين "يدركون تماماً المخاطر"، مشيراً إلى أن تجاوز انطلاق السفن من برشلونة وتونس مثّل خطوة مهمة أفشلت ضغوط الاحتلال ومحاولاته السابقة لتعطيل الأسطول عبر التهديد أو القصف أو الضغط السياسي.
وتابع: "السيناريو الأمثل أن تصل السفن إلى شواطئ غزة برسالتها الإنسانية والسياسية. أما السيناريو المرجّح فهو أن يحاول الاحتلال السيطرة عليها بالقوة أو اعتراضها في عرض البحر، وربما باستخدام الطائرات المسيّرة أو المروحيات وحتى القوة المميتة، كما فعل سابقاً".
ودعا بيراوي الدول التي يحمل الأسطول رعاياها، سواء كانت غربية أو عربية وإسلامية، إلى التدخل الفوري والضغط على حكومة الاحتلال لمنع أي اعتداء، قائلاً: "هذه ليست مغامرة شخصية.. إنها استجابة لنداء غزة التي تتعرض لإبادة جماعية منذ نحو 700 يوم. على الحكومات أن تتحمل مسؤوليتها بحماية مواطنيها ومنع إسرائيل من ارتكاب جريمة جديدة".
سفن جديدة ستبحر في أيلول
كما أكد رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة٬ أن فشل وصول أسطول الصمود الحالي إلى شواطئ القطاع "لن يكون نهاية المطاف"، مشدداً على أن المنظمين أعدّوا خططاً بديلة لمواصلة التحرك.
وقال بيراوي لـ"عربي21": "تحالف أسطول الحرية، الذي نحن جزء أساسي منه، يعمل بالفعل على تجهيز دفعة جديدة من السفن ستنطلق في النصف الثاني من أيلول/سبتمبر الجاري، بالتعاون مع تحالف (ألف مادلين) الذي يضم منظمات تضامنية فرنسية وأوروبية".
وأوضح أن ما يسميه المنظمون "الخطة باء" قائم منذ سنوات، مضيفاً: "منذ الاعتداء الدموي على سفينة مافي مرمرة عام 2010، كان واضحاً لدينا أن كل محاولة قد تُواجه بالقتل أو الاعتقال أو المنع.. لكننا لم ولن نمنح الاحتلال إنجاز إيقاف حركة التضامن الدولي".
وختم بيراوي بالتأكيد أن التحركات البحرية القادمة "ليست مجرد مبادرات رمزية"، وإنما جزء من استراتيجية متواصلة للضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي من أجل إنهاء الحصار الذي وصفه بأنه "جريمة ضد الإنسانية".