مقالات مختارة

القضية الفلسطينية لم تعد عربية… وماذا بعد؟

عبد الناصر سلامة
الأناضول
الأناضول
ربما يكون الأمر صادماً للبعض، إلا أنها الحقيقة، التي يعلمها الكثيرون، خاصة من المشتغلين بالسياسة، وهي أن العرب تخلّوا عن القضية الفلسطينية، إلى الحد الذي لم يعد يقبل الشك، بل الأدهى وهو الأهم والأكثر صدمة، أن هناك من بين العرب من أصبح يتبنى وجهة النظر الصهيونية، يناصر كيان الاحتلال على كل الأصعدة، في المحافل الدولية تارة، بالدعم العيني والمادي تارة أخرى، بالتدليس الإعلامي والتعليمي والثقافي تارة ثالثة، وهكذا إلى أن أصبح الكيان يتفاخر بنجاحه في تحقيق هذا الهدف، الذي لم يكن يتخيله أكثر المتشائمين في أي مكان بالعالم.

وقد جاء أخيرا ما يسمى «إعلان نيويورك» الذي تبنته 17 دولة، بقيادة فرنسا، ومشاركة أربع دول عربية، ليزيح آخر ورقة توت، كانت تستر سوءة العرب، حينما دعا الإعلان إلى نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تسعى إلى تحرير، أرض محتلة، بحكم قرارات الأمم المتحدة نفسها، سواء الجمعية العامة أو مجلس الأمن، ومحاولة تغليف تلك الفضيحة، بما يسمى الاعتراف بحل الدولتين، رغم أن هناك 147 دولة تعترف بالفعل بدولة فلسطين، ورغم أن الرأي العام العالمي يعي تماماً، أننا أمام محاولة التفاف جديدة على ذلك الزخم الشعبي العالمي، الذي استفاق من غيبوبة استمرت نحو ثمانية عقود، كان الإعلام الصهيوني خلالها مهيمناً، ومبرمجاً على الكذب والتزييف.

طوال العقود الخمسة الأخيرة، على أقل تقدير، كان العرب يطالبون الشعب الفلسطيني بالنهوض وحيداً، لتحرير أرضه، باعتبار أنه الأَولى بذلك، ثم تطورت الأوضاع فأصبح ذلك الشعب متهماً بالتقصير تارة، وبيع القضية تارة أخرى، المقاومة نفسها أصبحت في مرمى الاتهام، بأنها صناعة الاحتلال، أو على الأقل تعمل من خلاله، إلى أن جاءت ساعة الحسم، حينما قرر الشباب الفلسطيني المقاوم في قطاع غزة حمل السلاح، وبدء الجهاد أو الكفاح المسلح، في السابع من أكتوبر 2023، تحت عنوان «طوفان الأقصى».

ظهر العرب على حقيقتهم بعد الطوفان بشكل خاص، صمت مطبق، ثم تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، دون أي فعل على أرض الواقع، بل كان ما كان من ممارسات دعم للاحتلال تقشعر لها الأبدان، تمخضت في نهاية الأمر عن ذلك الإعلان المشار إليه، بضرورة نزع سلاح المقاومة! رغم اتجاه العدو – بتنسيق أمريكي – إلى التصعيد والتضحية بأسراه، في مغامرة أو مقامرة، قد تكتب نهايته.. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى عدة ملاحظات:

أولاً: على مدى نحو عامين من حرب الإبادة، لم تعلن أي دولة عربية، من الدول التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، عن قطع تلك العلاقات، بإغلاق السفارة هنا وهناك، أو التهديد بإغلاقها، أو على أقل تقدير استدعاء السفراء، أو أي شيء من هذا القبيل.

ثانياً: لم تبادر أي من هذه الدول المشار إليها، أو غيرها ممن لا تقيم علاقات دبلوماسية، بوقف التبادل التجاري مع الكيان، على خلفية إصراره على استمرار الحرب، بل على العكس، تشير التقديرات إلى أن حجم الصادرات إلى الكيان قد زاد بنسبة تصل إلى الضعف مع بعضها.

ثالثاً: لم تحاول أي من الدول العربية، تقديم دعم من أي نوع، سياسياً أو عسكرياً أو حتى معنوياً، إلى أي من جبهات المساندة للشعب الفلسطيني، في لبنان أو اليمن أو إيران، حتى لو من دون إعلان، حتى يعي العدو أن حجم المواجهة يمكن أن يتسع بمرور الوقت.

رابعاً: لم تسمح معظم الدول العربية لمواطنيها، تنظيم مظاهرات احتجاج، على غرار الدول الأجنبية في أنحاء العالم، أو حتى تقديم مساعدات، أو الحشد الإعلامي والثقافي والجماهيري في هذا الإطار، أو إقامة ندوات ومؤتمرات، أو أي فعاليات من شأنها توضيح عدالة القضية، للنشء والشباب.

خامساً: لم تتضامن الدول العربية، مع دولة جنوب افريقيا، في القضية التي أقامتها أمام محكمة العدل الدولية، بشأن الإبادة في غزة، أو مع العديد من الدول الأخرى في القضية التي أقامتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بشأن اعتقال قادة الكيان المسؤولين عن الإبادة.

سادساً: لم تحاول أي من الدول العربية، ولو من خلال الجامعة العربية، الدفاع عن المقاومة الفلسطينية، في المحافل الدولية، باعتبارها حركات تحرر، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، التي تقر بأن فلسطين أرض محتلة، ومن ثم لا يجوز نزع سلاح المقاومة.

سابعاً: لم تلوّح الدول النفطية العربية، باستخدام صادرات النفط كسلاح، على غرار ما حدث في حرب أكتوبر عام 1973، بل حدث العكس تماماً، وهو حصول الولايات المتحدة، الداعم الأكبر للعدو الصهيوني، على أكبر استثمارات في تاريخها من هذه الدول.

ثامناً، لم تعد أي من الدول العربية، ولا حتى الجامعة العربية، تستخدم ولو من خلال وسائل الإعلام المحلية، أو البيانات الرسمية، تعبير (الصراع العربي- الإسرائيلي) باعتباره أصبح صراعاً خالصاً مع الشعب الفلسطيني فقط.
العالم لم يعرف أي تحرر لأي من الأمم دون تضحيات جسيمة

تاسعاً: تاريخياً، كل حركات التحرر في العالم، كانت تحصل على مساعدات عسكرية من دول الجوار، أو دول الإقليم، بدءاً من جنوب افريقيا والجزائر وليبيا في افريقيا، إلى فيتنام وأفغانستان وباكستان في آسيا، إلى معظم دول أمريكا اللاتينية، إلا أن الحالة الفلسطينية، أصبح يندى لها الجبين، نتيجة وقوعها في إقليم منبطح شكلاً وموضوعاً.

عاشراً: لأول مرة في العالم، يجري الحديث عن نزع سلاح الأطراف المعتدى عليها، من فلسطين إلى لبنان وسوريا وإيران، وفي المقابل التسليم بتمكين المعتدي من امتلاك أسلحة دمار شامل، دون أدنى محاولات للربط بين نزع هذه وتلك في آن واحد.

رغم ذلك، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الشعب الفلسطيني جدير بتحرير أرضه، دون حاجة لأحد، بعد أن أثبت للعالم أنه يمتلك إرادة استثنائية، تمكنه من ذلك، إلا أن الأمر يقتضي في المقام الأول، عودة الوحدة بين فرقاء غزة والضفة، فرقاء الداخل والخارج، فرقاء السياسة والأيديولوجية، يقيناً منهم جميعاً أن الفرقة ليست في صالح القضية، كما أنها ليست في صالح أي من الأطراف، وهو ما يقتضي العودة إلى اتفاق المصالحة بالصين، الذي وقع عليه 14 فصيلاً، في شهر يوليو من العام الماضي، في مقدمتهم حركتا فتح وحماس، تحت عنوان «إعلان بكين» وهو الاتفاق الذي لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن. 

في الوقت نفسه، لم تعد القضية الفلسطينية، مجرد قضية عربية أو إسلامية أو حتى إقليمية فقط، بعد أن أضحت، بفعل طوفان الأقصى، قضية رأي عام عالمي، من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، تحظى بزخم شعبي، غير مسبوق لأي من القضايا المطروحة على الساحة، ما وضع الأنظمة السياسية في كل أنحاء العالم أمام أزمة إنسانية مع نفسها، وأزمة سياسية مع شعوبها، تغير معها التعاطي السياسي والإعلامي العالمي إلى حد كبير، وهو ما يوجب على الشعب الفلسطيني البناء عليه، باستمرار المقاومة والنضال.

وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، فسوف نوقن بأن العالم لم يعرف أي تحرر، لأي من الأمم، دون تضحيات جسيمة، إلا أن ما ليس طبيعياً، هو أن يفاجأ الشعب الفلسطيني بالأشقاء العرب الأكثر انبطاحاً في التاريخ، رغم وحدة الإقليم والدين واللغة، وكل شيء تقريباً، ما ضاعف من حجم الأعباء على شعب، شهد له العالم الآن بأنه الأكثر شجاعة وصموداً، وأصبح الجميع في الوقت نفسه، يعي أن العدو يلفظ أنفاسه الأخيرة، بفعل مقاومة أبناء الوطن وحدهم، بعد أن غدر بهم الجميع، خصوصاً ذوي القربى.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل