ملفات وتقارير

واشنطن تعيد طرح تصنيف الإخوان "إرهابية" مع حملات إعلامية.. ما الأسباب والدلالات؟

 تتابع لمطالبات برلمانيين أمريكيين بتصنيف الإخوان "منظمة إرهابية"- الأناضول
تتابع لمطالبات برلمانيين أمريكيين بتصنيف الإخوان "منظمة إرهابية"- الأناضول
على مدار عقد مضى، تتواصل محاولات عدد من المشرّعين الغربيين لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في أمريكا وبعض دول أوروبا كـ"منظمة إرهابية أجنبية"؛ ورغم أنها جميعا باءت بالفشل إلاّ أن تجدّدها حاليا في ظل تغير الظروف الإقليمية بالشرق الأوسط، يشير لاحتمال تمرير واشنطن القرار رغم ما به من صعوبات قانونية.

والثلاثاء الماضي، 12 آب/ أغسطس 2025، أطلق وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تصريحات تؤكد توجّه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتصنيف "جماعة الإخوان المسلمين"، ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) كمنظمات "إرهابية".

ورغم اعتراف روبيو، أنّ الأمر يستغرق وقتا، وبأنّ عملية التصنيف معقدة قانونيا، موضحا أنه يجب تصنيف كل فرع بالجماعة على حدة، وجمع الأدلة وإعداد الوثائق لتجنب الطعون القضائية؛ إلا أن المؤشرات هذه المرة تشير لرغبة ملحة لدى البيت الأبيض، بهذا الاتجاه.

وفي 30 نيسان/ أبريل 2019، وخلال ولاية ترامب، الأولى، أعلن البيت الأبيض أنه يعمل على إدراج الإخوان للقائمة الأمريكية الخاصة بـ"الجماعات الإرهابية الأجنبية"، وذلك بناء على طلب من رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أثناء لقائهما في واشنطن 9 نيسان/ أبريل 2019، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وهو الإدراج الذي لم يكتمل لرفض البنتاغون، ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق، ريكس تيلرسون، رغبة في عدم تعقيد علاقة واشنطن بتركيا، حليفتها بحلف "الناتو"، وفي وقت كانت ترفض فيه أنقرة الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس الشرعي المنتخب، محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013.

خطط وأهداف جديدة
عدد من المحلّلين قرأو في تصريح روبيو، رغبة أمريكية مختلفة عن المرّات السابقة، وأهداف جديدة لم تكن ضمن خطط مشروعات التصنيف السابقة، وأهمها: "الربط بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبين جماعة الإخوان"، في خطوة أمريكية للتخلص من الحركة التي تمثل عائقا لدولة الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ أطماعهما التوسعية على أراضي فلسطين والدول العربية.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبدعم أمريكي، تقود دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة دموية بحق 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، إلى جانب حصار كامل ومنع للغذاء، أسقط 62 ألف شهيد و156 ألف مصاب، وسط ضغوط إسرائيلية أمريكية مشتركة، لتهجير الغزيين من القطاع إلى مصر والأردن ودول أخرى، وفق تصريحات متتالية لترامب، عقب 5 أيام من عودته للبيت الأبيض 20 كانون الثاني/ يناير الماضي.

ويأتي إعلان، روبيو، بعد إقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في 8 آب/ أغسطس الجاري، خطة طرحها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لإعادة احتلال غزة بالكامل، عبر تهجير الفلسطينيين، لجنوب القطاع، وهي الخطط التي تعوقها المقاومة الفلسطينية.

حملة متجددة
قبل أيام من حديث روبيو، أعلن السيناتور الجمهوري، تيد كروز، تقديم نسخة محدثة من مشروع قانون "تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية"، إلى مجلس الشيوخ، وذلك إلى جانب دعوات في بريطانيا وفرنسا تصبّ في ذات الاتجاه، الذي اتخذته دول عربية مثل مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، والأردن.

كروز، الذي يقول إنّ: "الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين هو حركة حماس"، ويزعم أنها "جماعة إرهابية ارتكبت في 7 أكتوبر 2023، أكبر مذبحة لليهود في يوم واحد منذ الهولوكوست"، استحدث "استراتيجية حديثة"، لتجنب رفض القانون كما حدث لمشروعه السابق، عام 2015.

وفي تتابع لمطالبات برلمانيين أمريكيين بتصنيف الإخوان "منظمة إرهابية"، ظهر مشروع مشترك للسيناتور الجمهوري، ماريو دياز بالارت، والديمقراطي جاريد موسكوفيتز، منتصف تموز/ يوليو الماضي، كما قدّمت النائبة الجمهورية عن ولاية كارولينا الجنوبية، نانسى مايس، 10 حزيران/ يونيو الماضي، تشريعا في هذا الإطار.

اظهار أخبار متعلقة


محاولات إنجليزية فرنسية
سعت عدّة دول أوروبية، خلال العقد الماضي، إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ"منظمة إرهابية"، في إدراج لو تم يترتب عليه فرض عقوبات مالية، وتجميد أصول، وحظر سفر، لأعضائها، وجمعياتها.

وفي بريطانيا، وخلال عام 2014، وبضغوط سعودية إماراتية، أمر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون، بمراجعة أنشطة الجماعة في البلاد، ليصدر العام التالي تقرير "جون جنكينز"، الذي لم يرق لأن تستند عليه لندن لتصنيف الجماعة كـ"إرهابية"، حيث اكتفت بمراقبة أنشطتها عن كثب.

وفي فرنسا التي تشدّد بشكل عام من قيودها على المسلمين والمساجد والجمعيات، بما في ذلك المرتبطة بالإخوان، عبر قانون مكافحة ما تسميه "الانفصالية الإسلاموية"، الصادر عام 2020، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنّ بلاده "لن تسمح بوجود أى بنية تحتية للإخوان على أراضيها"، مؤكدا على غلق المساجد والمراكز وسحب تراخيص الجمعيات.

في المقابل، لم تنجح أي من تلك المحاولات في الوصول إلى قرار نهائي، خاصة وأن "الجماعة لا تمتلك أيديولوجية اللجوء إلى العنف أو الإرهاب لتحقيق أهدافها"، وفق قول المتحدث باسم "الرابطة الاسلامية في بريطانيا" خليل تشارلز، تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

ويرى محللون أن حضور الإخوان في أمريكا وأوروبا يحافظ على عدم انخراط الشباب في تيارات تستخدم العنف، وأنّ: "تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية يدفع بهؤلاء الشباب إلى الانخراط في جماعات عنف".

وعن تداعيات تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، فإن معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، الأمريكي، قال عن مشروعات التصنيف لعام 2015: "بينما يتذرع مؤيدو مشروع القانون بالأمن القومي، يعتقد معارضوه أنه لن يجعل أمريكا أقل أمانا فحسب، بل إنه محاولة مستمرة لتشويه سمعة المسلمين، وشل المجتمع المدني الأمريكي المسلم، وتغذية صناعة الإسلاموفوبيا".

حملة محلية بالتزامن
مع توجّه إدارة ترامب لتصنيف الإخوان بـ"إرهابية"، تشنّ السلطات المصرية والأذرع الإعلامية التابعة لها، حملة اتّهامات واسعة للجماعة، ما يثير التكهنات حول سر تزامن الخطوة الأمريكية والحملة التي تزعم أنّ: "الجماعة تعمل على خدمة الأهداف الإسرائيلية في المنطقة".

الاتهامات التي تتصدر الصفحات والمواقع الإخبارية و برنامج "التوك شو"، وصلت حد اتهام وزير الثقافة الأسبق، حلمي النمنم، عبر فضائية "صدى البلد"، 12 آب/ أغسطس الجاري، الجماعة بأنها ساعدت دولة الاحتلال الإسرائيلي بحرب أكتوبر 1973.



وفي 15 آب/ أغسطس الجاري، وعبر ذات الفضائية، اتّهم الكاتب المثير للجدل ثروت الخرباوي، الجماعة بأنها "ساهمت ببناء المستوطنات الإسرائيلية في الأرض المحتلة".

وتحت عنوان: "موسم صيد الإخوان.. مطاريد الشرق والغرب.. انتفاضة عالمية في مواجهة شرور الجماعة الإرهابية"، نشرت صحيفة "اليوم السابع"، المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التابعة لجهات سيادية مصرية، تقريرا موسعا، في 15 آب/ أغسطس الجاري، عن دعوات غربية لتصنيف الإخوان إرهابية.

واستندت الصحيفة على مقال لنائب الرئيس السابق للمعهد الملكى للأمن، ديفيد مارتن أبراهامز، بصحيفة "تليجراف" البريطانية تحت عنوان: "لا مكان للإخوان في المجتمع البريطاني"، مشيرة لدعوة سابقة بتصنيف الإخوان إرهابية من وزير الدفاع البريطاني الأسبق وليام فوكس، عبر صحيفة "جويش كرونيكال" اليهودية البريطانية.

ويربط مراقبون بين تصاعد الحملتين الغربية والمحلية على جماعة الإخوان المسلمين، وبين ما تقوم به حركات المقاومة الفلسطينية وبينها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، منذ طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بمواجهة أطماع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والعربية وبينها المصرية.

"إسرائيل الكبرى"
تتزامن الحملات الغربية والمحلية على جماعة الإخوان المسلمين مع ما أثاره رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول مهمته في ما وصفها بـ"إسرائيل الكبرى" والتي تقوم على أراضي دول عربية بينها مصر، والتي أعلنت جماعة الإخوان المسلمين ودول عربية بينها مصر عن رفضها.

والثلاثاء الماضي، قال نتنياهو، إنه يشعر بأنه بـ"مهمة تاريخية وروحية"، وأنه متمسك "جدا" برؤية "إسرائيل الكبرى"، التي تشمل مناطق مُقررة لدولة فلسطينية مستقبلية، وربما أيضا مناطق تُشكل جزءا من الأردن ومصر الحاليتين، وفق ما نقله موقع "تايمز أوف إسرائيل".

الهدف حماس
لفت الباحث المصري في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، إلى أنّ: "تلك الحملة تستهدف بالأساس حصار منابع حركة حماس، باعتبار أن جذورها إخوانية"، مؤكدا في حديثه لـ"عربي21"، أنها "تهدف إلى تجفيف المنابع المتفاعلة مع خيار مقاومة الاحتلال، والرافضة للتطبيع مع الاحتلال بشكل عام".

وأشار إلى شهادة قائد المنطقة المركزية الأمريكية حول جماعة الإخوان، في 10 حزيران/ يونيو الماضي، مبيّنا أنّ الجنرال مايكل كوريلا، وأمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، قال إنّ "أيديولوجية جماعة الإخوان لا تزال قائمة وتُشكل الحركات الإسلامية السياسية والعنيفة في المنطقة المركزية وخارجها"، ملمّحا في الوقت نفسه إلى انتماء حركتي حماس والجهاد في فلسطين للجماعة.

ويرى مولانا، أنّ: "شهادة كوريلا، تتّسق مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي روبيو، بتوجّه إدارة ترامب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية".

اظهار أخبار متعلقة


رمانة الميزان.. ولكن
في رؤيته، قال السياسي المصري، محمد سودان، لـ"عربي21"، إنّ: "تيد كروز قد سبق وقدم عدة مشاريع لتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وتم رفض هذا المشروع من قبل الكونجرس، وتحت قيادة العديد من الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين".

القيادي في حزب "الحرية والعدالة" الحاكم (2012- 2013)، أوضح أنّ: "أسباب الرفض كانت بناء على التقارير المقدمة من أجهزة الأمن الأمريكية باختلاف نوعياتها (CIA-FBI-Home Land Security- secret Services)".

وبيّن أنه: "بناء على هذه التقارير كانت الخلاصة أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة لا تجنح إلى العنف، ويحلون مشاكلهم مع الحكام أو الأنظمة بالطرق السلمية".

وألمح إلى أنه وبحسب قراءته لإحدى تلك التقارير، تبين له أنها "قالت إن هذه الجماعة هي رمانة الميزان التي تمنع الشباب الأمريكي المسلم أن ينحرف نحو الجماعات المتطرفة".

واستدرك بقوله: "لكن بالطبع اللوبي الصهيوني المتواجد في أمريكا أو الدول الأوربية دائما ما يضغط في هذا الاتجاه"، مضيفا: "بالطبع بعد حرب 7 أكتوبر 2023، زادت هذه الوتيرة، وهذا الضغط، ولا ندري إلى أي نقطة سوف تصل هذه المحاولات من جانب تيد كروز، وأمثاله".

أما بخصوص موقف الدول العربية من مثل هذا التصنيف للجماعة، يعتقد سودان أنّ: "صورة أحداث الربيع العربي تؤرق مضاجع الحكام العرب، ويعرفون أن جماعة الإخوان كانت بقلب تلك الثورات والانتفاضات، ومع أن الثورات المضادة انقلبت عليها ولم تفلح إحداها حتى الآن، لكن مخاوف الحكام موجودة وتزداد حدة".

اظهار أخبار متعلقة


اتهامات عبثية
أعرب الكاتب الصحفي، قطب العربي، عن تعجّبه من توجيه الإعلام المصري، الاتهامات، لجماعة الإخوان المسلمين بدلا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقال في مقال له نشرته "عربي21": "في الوقت الذي تتصاعد فيه تهديدات الكيان الصهيوني ضد مصر، ويتواصل التحرش السياسي والإعلامي بها، فإن الرد على ذلك هو مزيد من الحملات الأمنية والإعلامية ضد الإخوان".

ولفت إلى "اعتقال المزيد من أفراد أو مناصري الجماعة، أو حتى المصريين العاديين مع تصنيفهم أمنيا كإخوان، والزج بهم في غياهب السجون"، مشيرا إلى "حملات إعلامية ضارية تتضمن اتهامات عبثية لا يصدقها عقل".

التعليقات (0)