سياسة عربية

ملف مصر الحقوقي يعود لأروقة دولية.. وحياة قيادات بالإخوان في خطر

عشرات الآلاف من المعتقلين في مصر يعانون من ظروف إنسانية كارثية داخل السجون- الأناضول
عشرات الآلاف من المعتقلين في مصر يعانون من ظروف إنسانية كارثية داخل السجون- الأناضول
يشهد الملف الحقوقي المصري مؤخرا أحداثا مؤسفة وصلت حد محاولات انتحار بالسجون ومقرات الاحتجاز وقاعات المحاكم، ووفاة معتقلين سياسيين بالإهمال الطبي المتعمد، ولجوء قيادات بجماعة الإخوان المسلمين لخيار الإضراب عن الطعام لمواجهة جرائم التعذيب، والتغريب، وإعادة التدوير، وتوقيف المعتقلين السابقين.

الوضع غير الإنساني للمعتقلين، وفق منظمات حقوقية، يقابله رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بغض الطرف عن مطالبات سياسيين بإنهاء معاناة أكثر من 60 ألف معتقل منذ منتصف 2013، ما دفع بحقوقيين مصريين للعودة إلى المنظمات الدولية لعرض الانتهاكات الحقوقية ومحاولة إنعاش الملف.

والأربعاء، توجه وفد حقوقي للبرلمان الأوروبي، ومقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، لعرض ملف المعتقلين السياسيين ومعاناتهم داخل السجون في مصر، الخميس، وفق تأكيد الحقوقي محمود جابر.

اظهار أخبار متعلقة



انتحار وإضراب وأزمات صحية
وفي أحدث أنباء محاولات انتحار المعتقلين، كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، الخميس، عن محاولة انتحار أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والمستشار بوزارة المالية الدكتور عبدالله شحاتة (53 عاما)، 4 تموز/ يوليو الجاري، بسجن "بدر 3"، نتيجة انتهاكات ممنهجة بينها منع الزيارة منذ 2018.

محاولة انتحار الدكتور شحاتة، هي الرابعة داخل (قطاع 2) بسجن "بدر 3"، التي وثقتها الشبكة خلال الأسبوعين الأخيرين فقط، بسبب الظروف اللاإنسانية التي تُمارس داخل السجن من "العزل الكامل، ومنع العلاج والزيارات والتواصل"، ضمن سياسة "التدمير النفسي البطيء للمعتقلين السياسيين".



وفي سياق الأخبار المتتابعة عن أوضاع مأساوية، أعلنت السيدة سناء عبدالجواد، الأربعاء، تعرض زوجها المعتقل بسجن "بدر3"، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي لأزمة صحية، نتيجة إضرابه عن الطعام القرار الذي اتخذه وقيادات أخرى بالجماعة في ظل معاناتهم من الحبس الانفرادي والمنع من رؤية الشمس ومن الزيارة لسنوات.

وفي الوقت الذي تساءلت فيه والدة "أسماء البلتاجي"، شهيدة فض اعتصام "رابعة العدوية"، قائلة: "إلى متى سيستمر هذا الظلم والتنكيل الذي دفعه ودفعهم  للدخول في هذا الإضراب؟"، أعلنت أنه "جرى نقله إلى المستشفى في ظل ظروف صحية صعبة"، ووسط مخاوف على حياته.



وكشف نجل المعتقل أمين الصيرفي، أنه والده الذي يعاني من الحبس الانفرادي منذ 12 عاما، دخل في إضراب كلي عن الطعام والدواء، مع مجموعة من المعتقلين، مبينا أنهم لا يعرفون عنه أية معلومة منذ عام، وأنه حينها جرى نقله إلى "زنزانة التأديب"، رغم معاناته من كسور وجروح، وفق قوله.


وطالبت 17 منظمة حقوقية، بالإفراج عن القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور صلاح سلطان، بعد تدهور حالته الصحية حد المخاوف من تعرضه للموت المفاجئ، نتيجة فقدانه المتكرر للوعي، بسبب إصابة محتملة بسكتة دماغية أو نزيف داخلي في المخ.

وفي السياق، أشارت تقارير حقوقية إلى تدهور صحة القيادي في جماعة الإخوان محمود غزلان، والمتحدث الرسمي السابق باسم الجماعة أحمد عارف في قطاع 2 بسجن بدر 3.

الأمر دعا "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"، لدعوة المجتمع الدولي والآليات الأممية الخاصة بحقوق الإنسان، للضغط من أجل الإفراج الفوري عن البلتاجي وكافة المعتقلين السياسيين.

أزمة بدر 3
وتتفاقم أزمة المعتقلين في سجن "بدر 3"، قرب لعاصمة الإدارية الجديدة، وسجن "الوادي الجديد" بالصحراء الغربية، بشكل كبير، مع توثيق حقوقي لمحاولات انتحار وشهادات مروعة عن زنازين العزل والتعذيب والإهمال الطبي، الذي يُعرض حياة المعتقلين للخطر، وفق بيان مشترك لـ11 منظمة حقوقية.

وفي 12 تموز/ يوليو الجاري، أعلن المحامي نبيه الجنادي، عن محاولة المعتقل محمد أنيس الشريف، قطع شرايين يديه داخل قفص محكمة "جنايات بدر"، ما يكشف وفق حقوقيين الوضع المأساوي للمعتقلين.

وفي جلسة 5 تموز/ يوليو الجاري، كشفت بعض المنظمات عن محاولة وزير القوى العاملة الأسبق المعتقل خالد الأزهري، الانتحار، وظهوره بجرح في يديه، وقوله: "إحنا عايشين في قبور، مش بنشوف شمس ولا نور، لما أوصل وأنا في السن ده إني أقطع شراييني، ده عشان مش قادر أتحمل".

كما لفت التقرير المشترك الذي اطلعت "عربي21" عليه، إلى محاولات انتحار متكررة بين السجناء، وإلى فقدان الأستاذ الجامعي ونائب محافظ الإسكندرية الأسبق حسن البرنس، والمحامي والبرلماني السابق أحمد أبو بركة، حاسة السمع بسبب العزلة والصمت في الزنازين الانفرادية.

وكشفت المنظمات عن آخر تطورات إضراب معتقلي (قطاع 2) بسجن "بدر 3"، مؤكدة "انضمام وزير الشباب الأسبق الدكتور أسامة ياسين، إلى الإضراب، ليرتفع عدد المضربين إلى 35 معتقلا من أصل 58 بالقطاع"، مبينة أن "كبار السن (فوق 65 عاما) نسبة كبيرة منهم".

وإلى جانب إيداع الدكتور محمد البلتاجي، إلى المستشفى، جرى نقل الطبيب أحمد عارف إلى المركز الطبي بسبب مضاعفات صحية نتيجة الإضراب، وكذلك الدكتور محمود غزلان لتعرضه لأزمة قلبية رغم عدم مشاركته في الإضراب.

وأشارت المنظمات، إلى أن المعتقل أحمد شريف أقدم مجددا على محاولة انتحار بسبب استمرار منع الزيارة، ورفض إدارة السجن إثبات وضعه الصحي بمحضر رسمي.

معركة الحياة أو الموت
وعبر ما يصفه حقوقيون بـ"معركة الحياة أو الموت"، يطالب المعتقلون المضربون عن الطعام بـ"حقهم في الزيارة ورؤية ذويهم"، بعد حرمان دام 12 عاما، مرددين هتافات "عاوزين نشوف أولادنا".

ومنذ 20 حزيران/ يونيو الماضي، قرر 10 معتقلين بدء إضراب مفتوح عن الطعام،  وهم: محمد البلتاجي، وعبدالرحمن البر، وأسامة مرسي، وخالد الأزهري، وأمين الصيرفي، وأسعد الشيخة، ويسري عنتر، وعمرو زكي، وصبحي صالح، وجهاد الحداد.

وأوضحت المنظمات المتابعة للملف، أنه "مع استمرار تجاهل إدارة سجن بدر 3 لمطالبهم، أقدم عدد من المعتقلين على محاولات انتحار، كان بعضها خطيرا للغاية، وأخطرها 3 حالات وقعت الجمعة 4 تموز/ يوليو الجاري.

وفي 12 تموز/ يوليو الجاري، وجّه القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، صلاح عبد الحق، رسالة عاجلة، إلى شيخ الأزهر، أحمد الطيب، دعا فيها إلى: التدخل العاجل لرفع ما وصفه بـ"الظلم الجائر الواقع على معتقلي سجن بدر 3 – قطاع 2".

وخلال الشهور الماضية شهد سجن بدر 3 محاولات انتحار متكررة، ووفق المفوضية المصرية للحقوق والحريات ففي شهري شباط/ فبراير، وآذار/ مارس 2023، أقدم السجناء على محاولات انتحار جماعية وصلت بحسب تقديرات محامين حوالي 60 سجين.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، حاول السجين داخل بدر 3  علاء جمال الانتحار، على خلفية منعه من الزيارات العائلية لفترة طويلة.

اظهار أخبار متعلقة



سيارة الترحيلات.. معاناة النساء
وفي جريمة قد تتشابه مع جريمة مقتل 37 معتقلا مصريا في "سيارة ترحيلات أبوزعبل"، اختناقا وحرقا في 18 آب/ أغسطس 2013، تعرض المعتقل رضا علي منصور (60 عاما) والمريض بالسرطان، للموت داخل عربة ترحيلات في 11 تموز/ يوليو الجاري، أثناء نقله من مستشفى سجن "برج العرب" بالإسكندرية إلى "محكمة بدر"، بالقاهرة.


وفي سياق التنكيل بالمعتقلات، تواصل محكمة جنايات القاهرة، تجديد حبس المعتقلات أسماء محمود إسماعيل، وآمال صالح عبدالباري، وأسماء طلعت الحلواني، وداليا عبدالوهاب حسنين، على ذمة قضايا "تيار الأمة"، والعديد من النساء والأطفال بقضية "ولاية سيناء"، و15 سيدة على ذمة قضية "جروب مطبخنا".

Image1_7202518221355183321928.jpg
وكشف طلب زوجة معتقل مصري الطلاق عن معاناة زوجات المعتقلين أزمات مالية وضغوط اجتماعية ومشاكل نفسية وعاطفية، ما دفع بعضهن لاتخاذ قرار الانفصال، لعدم قدرتهن على التحمل في ظل غياب الحواضن الاجتماعية والأسرية.



عبث نهايته نهاية للنظام
ويرى الإعلامي والحقوقي هيثم أبو خليل، أن "ما يحدث بالملف الحقوقي عبث، واللجوء لأي جهة دولية الآن، عبث؛ وبعدما حدث بغزة من جرائم قتل دموي يجب تعلم الدرس"، متسائلا: "أين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وغيرها، من جرائم إسرائيل بالقطاع؟".

وحكى أبو خليل، تجربته لـ"عربي21"، قائلا: "كشاهد عيان ذهبت لمجلس حقوق الإنسان بجنيف عدة مرات وعقدت لي جلسة خاصة مع المسؤول الأممي المعني بالمنظمات غير الحكومية، وبعد عرض أوراق وتقديم جهد حقوقي، شكرني وأكد تأثره بهذا الملف، وكذلك كان لقاء المقررة الأممية لهيئة اللاجئين، وغيرهما".

ويعتقد أنهم "يؤدون أدوارا معينة لاكتمال الشكل الديكوري؛ لكن المأساة كاشفة فاضحة، وسفاراتهم وأجهزة استخباراتهم يعرفون من محبوس بالسجون، وأن هناك مرشحين رئاسيين (حازم أبوإسماعيل وعبدالمنعم أبوالفتوح)، ورئيس برلمان (سعد الكتاتني)، معتقلين، ورئيس سابق (محمد مرسي) قُتل بمحبسه".

وأكد أن "استمرار النظام الحالي كان لضمان أمن الاحتلال الإسرائيلي من هجمات عليه من سيناء، وفق قول السيسي لـ(كوريري ديلا سيرا) الإيطالية تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وأننا لن نسمح لبلادنا بأن تكون حوشا خلفيا لهجمات على إسرائيل".

وألمح إلى أن "الدور الأول لهذا النظام هو منع عودة التجربة الديمقراطية، وتحجيم وتلجيم الإسلام السياسي، ولذلك يغض الغرب الطرف عن أي ممارسات مزيفة في مصر كمسرحية الانتخابات الرئاسية والنيابية المتتابعة".

ويرى أن "جواز مرور هذا النظام واستمراره هو تنفيذ ما يُطلب منه، من الزج بالناس إلى المعتقلات، والتنكيل بهم، وزيادة رصيده وأهميته لديهم تزداد مع الحصار الخانق على غزة، ولو فرط في أي منهما يكون ذلك أول مسمار في نعشه".

ويعتقد أبو خليل، أن "محاولات انتحار المعتقلين وجرائم التنكيل بهم، لن يتوقف النظام عليها أو يتحرك لوقفها لتجميل صورته، لأنه عندها ستحدث له مشكلة، لأن الدماء التي تسري في عروق هذا النظام هي من اعتقال الإسلاميين ووأد التجربة الديمقراطية ومن قهر المصريين وإذلالهم، وما تفعله المنظمات الحقوقية والأممية لحفظ ماء وجهها، ولو لهم دور لفعلوا شيئا إزاء قتل أطفال غزة".

لا يهز شعرة برأس الدولة
وقال الحقوقي المصري محمد زارع، إن "انتهاكات السجون مستمرة طوال الوقت وكل ما نتكلم عنه منذ سنوات من مشكلات مازالت تحدث، فهناك مسجونين لفترات طويلة، ويعاد محاكمة آخرين، ووضع غامض تماما لا نعرف هل تتجه الدولة غدا لتحسين أوضاع المسجونين السياسيين، أم الأمر مستمر؟".

مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أضاف لـ"عربي21": "طوال الوقت تتحدث الوفود الحقوقية في الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان بجنيف وتنتقد الأوضاع وتؤكد أنها تحتاج مراجعة من الدولة".

ولفت إلى أن "جهات شبه تابعة للدولة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان تحدث عن مشكلات حقوقية كالتعذيب، وتدوير المسجونين بقضايا جديدة، وفترات الحبس الاحتياطي الطويلة"، متسائلا: "فهل الدولة الرسمية ستستجيب للمجتمع المدني وللسياسيين المصريين أم أنها اتخذت قرار استمرار التعامل بكل غلظة؟".

وتابع زارع: "نسمع عن دعوة لتعديل دستوري قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية بهدف استمراره"، مبينا أن "استقراره يستلزم تقديم كشف حساب وتحسين الأوضاع الحقوقية، خاصة وأن التعديل قد لا يمر بسلاسة فالملف الحقوقي السيء ترفضه دول غربية وقطاع من الشعب، ما يجعلها فرصة لتحسين الأوضاع".

ومضى يؤكد أن "كل محاولات الانتحار والإضراب عن الطعام وتدهور صحة المسجونين لا يهز شعرة برأس الدولة"، ضاربا المثل بـ"الدكتورة ليلى سويف والدة السجين السياسي علاء عبدالفتاح، التي قاربت على الموت، لكن الدولة تتعامل بصلف شديد وكأن الموضوع لا يعنيها".

وواصل: "ونجد رأس الدولة يقول إنه لا يتدخل في أعمال القضاء، ولديه مبررا طوال الوقت رغم أنه يتدخل ويقرر الإفراج الصحي لبعض من يستعين بهم مثل صبري نخنوخ وغيره، ممن يتم وضع أسمائهم بقوائم العفو التي تخلو من السياسيين والحقوقيين الذين تصم الدولة آذانها عنهم".
التعليقات (0)

خبر عاجل