قصف دمشق رسالة تتجاوز دمشق إلى كل عاصمة
عربية يخطر ببال أهلها أن لا تكون
طيّعة للعدو. الرسالة واضحة أوضح من صوت القنابل على مدينة قالت العرب، إنها قلب
العروبة، لكن العروبة الرسمية ردت على القنابل بالبيانات وهناك من صم أذنيه فلم
يسمع ولم ير. قصف دمشق يحول كل عاصمة عربية إلى هدف للعدو، فلم تعد بعد دمشق عواصم
إنما بنك أهداف لا يعرف ساكنوها متى يستفيقون على هدير الطائرات. كل تغابٍ سيكون
له ثمن يبدأ بالعاصمة وينتهي بكرسي الرئيس، وحينها لا نود سماع خطاب الوطنية. ما
الفرق بين دمشق والقاهرة؟ أو بين دمشق وبغداد؟ أو بين دمشق والرياض؟
العربدة الصهيونية لديها المعطيات
كيف تجرأ
العدو على دمشق؟ إنه يعرف دمشق الآن وأمس وغدا مدينة هشة بلا دفاع
وبعض أهلها بلا خبز ولا ماء، وحول دمشق قوم من أهلها استسهلوا مطاوعة العدو عليها
فوجد بينهم مدخلا إليها، وهل توجد عاصمة عربية ليس فيها مدخل من أهلها يفتح
أبوابها للعدو، دعونا من حديث التخوين وأن العدو اختار حكام العواصم وفرضهم على
شعوبهم، وهو يمسك شكيمتهم يسوقهم حيث يشاء متى يشاء، لكن دعونا أيضا من حديث
الوطنية والرجم بالاستقواء بالخارج، كلما ضاق صدر مواطن وشكا همّه رجمه نظام بلده
بالاستقواء بالعدو والتقط العدو الشكوى فعرض الحماية. كل العواصم مخترقة مثل دمشق،
وما الفرقة بين أهلها إلا من ميراث أنظمة عصرت المدن وأهلها عصرا حتى ضجّوا
بالشكوى فتلقف العدو شكاتهم، فإذا هو وسيط يحمي الأقليات. هل يضمن أي نظام عربي أن
لا يقوم من بين الناس من يستنجد بالعدو ضد نظام بلاده؟ إن تصنيع الأقليات لعبة
العدو يتقنها منذ قرون ويتخذها ذرائع، فكيف لا ينتبه النظام الرسمي العربي إلى
هشاشة وضعه الداخلي؟
هل يضمن أي نظام عربي أن لا يقوم من بين الناس من يستنجد بالعدو ضد نظام بلاده؟ إن تصنيع الأقليات لعبة العدو يتقنها منذ قرون ويتخذها ذرائع، فكيف لا ينتبه النظام الرسمي العربي إلى هشاشة وضعه الداخلي؟
القابلية للاختراق من صناعة الأنظمة أيضا لأنها حكمت بـ"فرق تسد"
فظنت أنها سادت، وأغفلت هشاشتها دون شعوبها المتماسكة حول مشروع وطني يجد فيها
المواطن حقوقه كاملة وكرامته غير مهدورة، ليقوم دون دعاية سمجة (وهي اختصاص
الأنظمة) بحماية بلده ولا يفكر أن يشمت بالنظام وهو يتلقى الضربات.
والقابلية للاختراق تتجاوز البلد الواحد إلى كل الأمة (كم صار هذا اللفظ
محبطا لمن آمن بوجود الأمة ذات صبا). الفرقة بين الأنظمة أنتجت حالة من الهشاشة
التاريخية؛ يرى فيها كل نظام عربي جاره يُقصف فيقول القنابل بعيدة قليلا، وينسى أن
هذا القليل قريب وأن الطائرة لا تتعب بالسير ولا تعطش في الطريق. هل فقدت الأنظمة الوسيلة
للرد بما يحميها قبل أن تُرجم؟ إن العدو يعرفها من الداخل، ربما بلغ علمه إلى غرف
نوم الزعماء لذلك يعربد في سماء دمشق ولا ينتظر أكثر من بيان تنديد. هذه معطيات
صنعها العدو ونحن ضحايا القصف، نعرف ذلك.
وماذا بعد كشف الهشاشة امام العدو؟
كنا نتحدث عن إرهاصات تغيير في المنطقة ولا نزال نستشعر الهموم التي ترين
على قلوب كثيرة يؤلمها حال دمشق مثلما آلمها حال بغداد وبيروت وتونس (فقد رجمت
تونس أيضا وشبعت ببيانات التنديد). قصف دمشق يضيف إلى تلك الهموم، إلا عند شبيحة
بشار السعداء بقصف عاصمتهم كأنها صارت عندهم مسكن الأعداء. أما غزة فلا بواكي لها،
طيب وماذا بعد؟
قناعات تترسخ بعد كل قصف على أية عاصمة. هذه الأنظمة لن ترد ردا يحفظ كرمتها
وكرامة شعوبها، كما أن هذه الأنظمة لن تسمح لشعوبها بالرد بطريقتها. الغضب الشعبي
وسيلة يمكن تحريكها ويمكن الاعتماد عليها لإحداث تغيير عميق غير قابل للقصف رغم
الحالة السورية.
نعود للحديث عن
الديمقراطية لأننا نجدها مفتاح التغيير، فالشعوب الحرة تملك
وسائل المقاومة حيث لا داعي لمضادات الطيران. الحرية وسيلة مقاومة يمكن أن تبدأ
بحركة مقاطعة بسيطة لمنتج، وتتوسع إلى بناء هويات مقاومة تصوغ مشاريع وطنية ما بعد
الدولة الفاشلة التي يعرف العدو ما في غرف نوم زعمائها.
هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة وهو ما زال يملك منها الكثير، ولكن بديل القوة العسكرية هو الحل الديمقراطي الذي يحوّل كل مواطن إلى جندي يحمي الأرض التي يقف عليها، ويبني النظام السياسي الغيور على عاصمته، ويفتح حدود الأقطار لشعوب تملك أن تتوحد بقلوبها وباقتصاداتها وتصنع قوتها بوحدتها في بناء مصيرها فتنقذ عواصمها من القصف
إن بناء المناعة الشعبية بالديمقراطية وبالحريات هو الوسيلة الباقية للشعوب.
ستتعرض للقصف أيضا (فما تفعله دمشق هو بناء مناعتها بالحريات، ولذلك تُقصف ويُمزق
شعبها طوائف فلا تقوم إلى مستقبلها وإنما تُغرق في حاضرها الحزين)، ولكنها لا ترد
ببيانات التنديد بل بالمزيد من فهم العدو وبناء العلاقة معه على أساس المقاومة.
وليس للمقاومة شكل وحيد، وذكاء الشعوب لا حدود له، يكفي أن تشعر أن بلدانها ملكها
وأن عواصمها لها وليس للأفواج السياحية.
هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة وهو ما زال يملك منها الكثير، ولكن بديل
القوة العسكرية هو الحل الديمقراطي الذي يحوّل كل مواطن إلى جندي يحمي الأرض التي
يقف عليها، ويبني النظام السياسي الغيور على عاصمته، ويفتح حدود الأقطار لشعوب
تملك أن تتوحد بقلوبها وباقتصاداتها وتصنع قوتها بوحدتها في بناء مصيرها فتنقذ
عواصمها من القصف.
هكذا حدثنا الربيع العربي وهكذا حدثتنا غزة وكل اتحذ سلاحه المناسب لمعركته،
لكن العدو واحد. هل هي طريق طويلة قبل أن يتوقف قصف العواصم؟ نعم إنها طريق وعرة
وطويلة، لكنها بدأت ذات ربيع فقام العدو بالانقلاب عليها وكان ذلك أسوأ من القصف.
أيتها الأنظمة يا بنك أهداف العدو هذه نصيحة مليئة بالألم من فرد عربي لا
يشمت في العواصم المقصوفة، حرروا شعوبكم وتحرروا بها من ذات العدو. ألا تسمعون
شماتة الشعوب في كل من يسقط منكم حتى بمرض السرطان؟ شعوبكم لا تحبكم لأنكم تكتفون
بالبيانات عندما تُقصف عواصمكم وتنكشف هشاتكم، شعوبكم ليست سبب هشاشتكم وهوانكم
على العدو، لقد صيّرتم عواصمكم أهدافا وجعلتم شعوبكم قطعانا وضيّعتم أنفسكم بلا
ثمن. جرّبوا احتمال الاحتماء بشعوبكم من عدوكم لعل لكم في ذلك مصلحة، بل إن فيه كل
المصلحة، ستعيشون طويلا وتتمتعون بالسلطة والجاه وتسير شعوبكم وراء جنائزكم باكية
عليكم.
يا بنك أهداف العدو أما آن لكم أن تفهموا أنكم بنك أهداف؟