صحافة دولية

FP: اتفاقيات السلام الزائفة التي يعقدها ترامب خطيرة

تقول صحيفة واشنطن بوست إن إنهاء الحروب يتطلب دبلوماسية صبورة والتزامًا طويل الأمد وليس عناوين براقة - جيتي
قال ستيفن والت، الكاتب في مجلة "فورين بوليسي"، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، إن حلول موسم الأعياد يُعَدُّ مناسبة مثالية لتذكير القراء بأهمية السلام والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتعزيزه وجعله أكثر استدامة، مضيفًا أنه أشار سابقًا إلى أن قادة الولايات المتحدة تحدثوا في الآونة الأخيرة عن السلام أقل مما ينبغي (وأقل مما فعله أسلافهم)، وهو أمر مثير للدهشة بالنظر إلى مصلحة الولايات المتحدة الكبيرة في عالم أكثر سلامًا.

وذكّر والت في مقال نشره في مجلة "فورين بوليسي" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُعتبر استثناءًا إلى حد ما في هذا الصدد، فهو يتحدث كثيراً عن السلام، وغالباً ليُصرّ على استحقاقه لجائزة نوبل للسلام (بالإضافة إلى تلك الجائزة الغريبة التي منحه إياها مؤخراً رئيس الفيفا جياني إنفانتينو)، وقد ادّعى أنه أنهى ثماني حروب على الأقل؛ ولكن لسوء الحظ، فإن هذا الادعاء لا يزيد دقة عن فكرة أن "جامعة ترامب" هي مكان جيد لتلقّي التعليم، فبدلاً من إنهاء الصراع بشكل حقيقي، يُتقن ترامب خطة سلام شكلية - "اتفاق" رمزي يُعلن عنه بضجة كبيرة ثم ينهار سريعاً.

خطة ترامب.. سهلت احتلال إسرائيل التدريجي للضفة
والت يضيف، في غزة، على سبيل المثال، لم تُنهِ خطة السلام ذات العشرين بندًا - وهي حزمة أشاد بها ترامب باعتبارها "ليست نهاية حرب فحسب، بل نهاية عهد من الإرهاب والموت" - العنف بين إسرائيل وحماس، وعلى العكس، سهّلت هذه الخطة احتلال إسرائيل التدريجي للضفة الغربية ومعاملتها الوحشية للفلسطينيين هناك، فقد قُتل ما يقارب 400 فلسطيني منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار (إلى جانب عدد قليل من الجنود الإسرائيليين) في تشرين الأول/ أكتوبر، ولا تزال المساعدات الإغاثية محدودة وغير كافية، كما لم تُشكّل بعدُ قوات حفظ السلام التي كان من المفترض أن تشرف على المراحل اللاحقة من وقف إطلاق النار.

وهنا يتساءل والت: هل يعتقد أحد بجدية أن اللغة المبهمة عمدًا في الخطة، والتي تتحدث عن "مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية"، حقيقية أو يُرجّح أن تفضي إلى أي نتيجة؟ لم تكن الخطة خطوة نحو سلام حقيقي؛ بل كانت مجرد ستار لجهود حثيثة لإنشاء "إسرائيل الكبرى" ومحو الفلسطينيين في نهاية المطاف ككيان سياسي ذي قيمة.

فشل السلام بين كمبوديا وتايلاند وفي الكونغو
وبالمثل، فقدت مزاعم ترامب بإنهاء الحرب الحدودية بين كمبوديا وتايلاند مصداقيتها بفعل أحداث عديدة، فقد استأنفت الدولتان القتال مؤخرًا، ورد رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين تشارنفيراكول على مكالمة هاتفية لاحقة مع ترامب برفض دعوات وقف إطلاق النار، مصرحًا: "ستواصل تايلاند القيام بعمليات عسكرية حتى لا نشعر بأي أذى أو تهديد لأرضنا وشعبنا". ويتكرر النمط المأساوي نفسه في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث استأنفت ميليشيا حركة 23 مارس المدعومة من رواندا هجماتها على القوات الكونغولية ووسعت نطاق سيطرتها على الأراضي. حتى أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أقر بأن هذا "انتهاك صارخ" لوقف إطلاق النار الذي يُفترض أن ترامب توسط فيه.

مزاعم ترامب بتحقيق السلام مجرّد دعاية جوفاء
وفي السودان، باءت الجهود الأمريكية لإنهاء الحرب الأهلية الوحشية هناك بالفشل، وقد فنّد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مزاعم ترامب بوقف بعض المناوشات الحدودية القصيرة بين الهند وباكستان (مما أثار غضب ترامب)، لا تزال مصر وإثيوبيا على خلاف بشأن مشروع سد مثير للجدل على نهر النيل، رغم تدخلات ترامب المتقطعة، في جميع هذه الحالات، تُعدّ مزاعم ترامب بتحقيق السلام مجرّد دعاية جوفاء، وينطبق الأمر نفسه على أوكرانيا: فخلال حملته الرئاسية، تفاخر ترامب بأنه سينهي الحرب هناك "في غضون 24 ساعة"، وهو ادعاء كان سخيفًا حين أطلقه، ولم تُثمر جهوده المتقلبة لإقناع الطرفين بوقف القتال.

والأدهى من ذلك، يجب ألا ننسى أن هذه الجهود السلمية غير الفعّالة تُصاحبها أعمال تُؤجّج نيران الحرب في أماكن أخرى، فقد تحالف ترامب مع إسرائيل عندما هاجمت إيران؛ وأمر بشنِّ غارات جوية أو صاروخية في أفغانستان ونيجيريا والصومال وليبيا والعراق وسوريا واليمن؛ وترتكب إدارته عمليات قتل خارج نطاق القضاء بحقّ مهربي مخدرات مشتبه بهم في منطقة الكاريبي، في انتهاك صارخ للقانون الأمريكي والدولي، كما يهدد ترامب أيضًا باستخدام القوة العسكرية للإطاحة بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا. هذه ليست سيرة ذاتية تؤهله لوصف "صانع السلام".

ترامب صانع سلام "فاشل"
يقول والت: إن إنهاء الحروب وإرساء سلام دائم ليسا بالأمر الهين، وعادة ما يتطلبان انتصارًا حاسمًا لأحد الطرفين (يتبعه تسوية معقولة تثني الطرف المهزوم عن محاولة تغيير النتائج) أو اعترافًا متبادلاً بأنه لا جدوى من استمرار القتال. في الحالة الأخيرة، يجب على كلا الطرفين تقبُّل حقيقة أنهما لن يحصلا على كل ما يريدان، والتركيز بدلًا من ذلك على الحصول على ما يكفي من احتياجاتهما.

وفي كلتا الحالتين، ثمة تفاصيل عديدة يجب الاتفاق عليها، بما في ذلك ترسيم الحدود، والتعويضات المحتملة، وإعادة الأسرى إلى أوطانهم، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وضمانات أمنية متنوعة، وآليات (مثل نشر قوات حفظ سلام محايدة) لمراقبة بنود الاتفاق وتخفيف "مشكلة الالتزام" (أي احتمال تراجع أحد الطرفين عن التزاماته مستقبلًا). من الناحية المثالية، يُمهد اتفاق السلام الطريق أيضًا لمصالحة طويلة الأمد، وهي عملية تستغرق عادة وقتًا طويلًا، كما ويمكن لوسطاء محايدين من أطراف ثالثة تيسير كل هذه الخطوات والمساعدة في ضمان الالتزام بالاتفاق.

ترامب صانع سلام فاشل لأنه وفريقه يتجاهلون كل هذه المتطلبات، فالرئيس الأمريكي نفسه معروف بنفاد صبره وعدم اهتمامه بالتفاصيل، على عكس الرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي أمضى ساعات طويلة في إقناع المسؤولين المصريين والإسرائيليين بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، أو الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت، الذي أمضى قرابة شهر في التوسط للتوصل إلى الاتفاق الذي أنهى الحرب الروسية اليابانية عام 1905. أما ترامب، فهو ليس راغبًا ولا قادرًا على بذل الجهد ووضع مقترحات مبتكرة لسد الفجوات بين المتحاربين، ولأنه لا يولي اهتمامًا يُذكر، يعلم المتحاربون أنه بإمكانهم ببساطة انتظاره والعودة إلى القتال بمجرد أن ينتقل إلى أمر آخر.

ترامب يعتمد على دبلوماسيين هواة
بالطبع، ليس التدخل الرئاسي المباشر شرطًا أساسيًا، شريطة أن يُعيّن الرئيس ممثلين أكفاء لتولي زمام الأمور نيابة عنه. لسوء الحظ، يُفضّل ترامب الاعتماد على دبلوماسيين هواة، مثل ستيف ويتكوف أو جاريد كوشنر، بدلاً من الدبلوماسيين المحترفين ذوي الخبرة اللازمة، ولا يثق في قدرة المسؤولين ذوي الخبرة على تحديد جدوى أي اتفاق محتمل، وهنا، تُعدّ عداوة ترامب تجاه الدولة العميقة جرحًا ألحقه بنفسه، لأنّ مشورة الخبراء قيّمة للغاية، ويميل الدبلوماسيون المحترفون إلى التفوق على المعينين سياسيًا. وكما قال جوناثان مونتن من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن مؤخرًا: "يريد ترامب أن يُنظر إليه على أنه في قلب الأحداث... لذا فإنّ جودة الإعداد، وجودة الخبرة، وجودة المفاوضات الدبلوماسية، جميعها متدنية للغاية".

حتى المدافعون المحتملون عن "دبلوماسية ترامب المتهوّرة" أقرّوا بأنه "إذا بُني السلام على اتفاقيات جوفاء – على شكل نقاط كتبت على أوراق في حديقة البيت الأبيض – فقد لا يدوم السلام طويلاً". علاوة على ذلك، لم يكن ترامب وبعض مبعوثيه المختارين منصفين، والنتيجة هي أن بعض الأطراف المتحاربة لا تثق بالوسطاء، ومن المرجح أن يسعى الوسطاء إلى حلول أحادية الجانب لا تفضي إلى نتيجة أو تنهار بعد توقيعها بفترة وجيزة. وقد برزت هذه المشكلة بشكل جليّ في الشرق الأوسط، نظراً لتعاطف ويتكوف وكوشنر والسفير الأمريكي لدى تل أبيب، مايك هاكابي، مع إسرائيل، ولكنها تتجلى أيضاً في ازدراء ترامب لأوكرانيا وإعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويُحسب لترامب أنه يبدو حذراً حقاً من الصراعات العسكرية الكبرى، لا سيما تلك التي تتطلب استخدام القوات البرية أو غيرها من المخاطر الجسيمة. ويبدو أنه يُدرك أن الحرب مُكلفة وتُعيق إبرام الصفقات التجارية المربحة. هذه غرائز سليمة، ولكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك لحل النزاعات الكبرى وتجنب زرع بذور المشاكل في المستقبل.

ويختم المقال بالقول: "لو سألتموني عن الهدية التي أتمناها في موسم الأعياد هذا، لقلتُ نهجًا لصنع السلام لا يُنظر إليه كتمرين للعلاقات العامة أو استعراض رئاسي، بل كتحدٍ صعب يستحق مع ذلك بذل جهد جاد. وكما كتبتُ سابقًا، فإن السلام العالمي يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، لأن الصراعات الكبرى من الأمور القليلة التي قد تُلحق ضررًا دائمًا بمكانة الأمة الآمنة والمتميزة".

ويضيف: "كما أن السلام أفضل من الناحية الأخلاقية، لأن الحرب تُخلّف معاناة إنسانية كبيرة. قد لا يُنهي أخذ صنع السلام على محمل الجد جميع الصراعات القائمة أو يمنع نشوب صراعات جديدة، ولكنه سيزيد من احتمالية إنهاء بعضها على الأقل. في موسم الأعياد هذا، ستكون هذه هدية مُرحب بها للغاية".