تحولت رواية مكذوبة بثتها صحفية فرنسية على قناة “سي نيوز” اليمينية المتطرفة بشأن منع حلوى أعياد الميلاد في
الجزائر إلى مادة للتفنيد والسخرية، بعدما أسقطتها الوقائع وردود الفعل الشعبية والإعلامية، ووصفت على نطاق واسع بأنها مفبركة ومغرضة.
وزعمت الصحفية "غابريال كلوزيل"، خلال برنامج عُرض في 15 كانون الأول/ديسمبر، أن السلطات الجزائرية بدأت “ملاحقة” محلات الحلويات ومنعها من صناعة أو بيع كعك الميلاد المعروف بالفرنسية باسم “بوش دو نوال”، في إيحاء بوجود قرار رسمي يجرّم هذه الحلوى باعتبارها مرتبطة بعيد الميلاد.
وأثار هذا الادعاء، الذي قدم بوصفه معلومة مؤكدة، حالة من الاستغراب نظرا لخطورته وسهولة التحقق من عدم صحته.
وخلال ساعات، تهاوت الرواية أمام سيل من الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها صانعو الحلويات الجزائريون على منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت واجهات محلات مليئة بمختلف أنواع “البوش”، بأشكال ونكهات متعددة، تُباع علنا ومن دون أي مضايقات.
وساهم هذا التفاعل السريع في تحويل الادعاء إلى نموذج جديد لما اعتبره متابعون أخبارا زائفة تستهدف الجزائر في بعض المنابر اليمينية المتطرفة بفرنسا، حيث رأوا أن اختيار موضوع يبدو تافها في ظاهره، لكنه محمّل بدلالات ثقافية ودينية، يندرج ضمن خطاب يسعى إلى تكريس صورة نمطية عن المجتمع الجزائري بوصفه منغلقا أو معاديا للتعدد.
وفي المقابل، ذكّر كثيرون بأن “البوش” في الجزائر تعد حلوى مرتبطة بنهاية السنة ورأس السنة الميلادية أساسا، ولا تُنظر إليها كرمز ديني، كما أنها متداولة منذ سنوات طويلة، تُحضّر في المنازل وتُباع في المحلات، وتُقدّم في مناسبات عائلية مختلفة، شأنها شأن العديد من العادات المستوردة التي جرى تكييفها محليا من دون حساسيات.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تراوحت التفاعلات بين التفنيد الجاد والسخرية اللاذعة، إذ كتب بعض المعلقين عبارات ساخرة مثل “عملية أمنية ضد البوش في الجزائر”، فيما لجأ آخرون إلى إنتاج مقاطع فيديو عبر الذكاء الاصطناعي للسخرية من الصحفية، ونشر مستخدمون صورا لتجاربهم الشخصية في شراء هذه الحلوى من مدن جزائرية مختلفة، تأكيدا عمليا على زيف الادعاء.
وأبدى متابعون فرنسيون دهشتهم من مستوى التنوع والإبداع في الحلويات الجزائرية، معتبرين أن ما شاهدوه “لا يوجد حتى في بعض المحلات الفرنسية”.
ولم يقتصر التفاعل على الفضاء الرقمي، إذ تناولت مواقع وصحف جزائرية وفرنسية معنية بشؤون الهجرة والعلاقات بين الضفتين القضية، ووصفتها صراحة بأنها “خبر كاذب”، مؤكدة عدم وجود أي قرار رسمي أو ممارسات ميدانية تدعم ما ورد على شاشة “سي نيوز”، كما جرى التذكير بأن سفارات أجنبية في الجزائر تنظم سنويا أنشطة وأسواقا مرتبطة بأعياد نهاية السنة دون قيود.
ورأت صحيفة “لوسوار دالجيري”، في مقال رأي، أن ما حدث يعكس “استخفافا بعقول المشاهدين” واستسهالا لترويج ادعاءات غير مدققة، في سياق إعلامي تعتمد فيه بعض المنابر الإثارة والتضليل لتحقيق أهداف أيديولوجية وسياسية.
وخلص المقال إلى أن الإصرار على تقديم الجزائر عبر قصص مفبركة يكشف أزمة في الخطاب لدى مروجيها أكثر مما يعكس الواقع الجزائري.