نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تقريراً يتناول الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في جهوده الدبلوماسية لحل النزاعات المسلحة حول العالم، موضحةً أن إعلان اتفاقات وقف إطلاق النار أمام وسائل الإعلام غالباً ما يكون مجرد البداية، بينما يظل الواقع على الأرض معقداً ومتغيراً.
وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن شهر كانون الأول/ ديسمبر لم يكن جيداً بالنسبة لجهود ترامب لصنع السلام العالمي؛ ففي الرابع من كانون الأول، استضاف ترامب رئيسي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في معهده الجديد للسلام، مشيداً بالزعيمين لإطلاقهما "سنة جديدة من الانسجام والتعاون". لكن على الأرض، استمر القتال؛ فبعد أيام من قمة السلام التي عُقدت في واشنطن، استولت ميليشيا "إم 23" المدعومة من رواندا على بلدة أوفيرا الكونغولية الرئيسية، مما أجبر 200 ألف شخص على الفرار.
وفي السابع من كانون الأول، اندلع قتال عنيف مرة أخرى على الحدود بين
تايلاند وكمبوديا، مما أعاد إشعال صراع كان ترامب قد أعلن حله بعد مراسم توقيع وقف إطلاق النار في تشرين الأول/ أكتوبر؛ حيث قُتل 11 جندياً تايلاندياً إلى جانب ما لا يقل عن 11 مدنياً كمبودياً، وتم تهجير أكثر من نصف مليون شخص على جانبي الحدود.
وقد اتصل ترامب الأسبوع الماضي برئيسي وزراء تايلاند وكمبوديا، وأعلن لاحقاً عبر منصته "تروث سوشيال" أن الجانبين اتفقا مرة أخرى على وقف إطلاق النار، لكن رئيسي الوزراء نفيا وجود أي وقف جديد، واستمر القتال.
وأضافت الصحيفة أن هذه التطورات تأتي في وقت تظهر فيه إشارات على تعثر أبرز إنجاز يفتخر به ترامب، وهو خطته المكونة من 20 بنداً لإنهاء الحرب في غزة. وقد شهدت المرحلة الأولى من الخطة وقف معظم الأعمال العدائية وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم حركة حماس، ولكن لم تبدِ أي دولة حتى الآن استعداداً لإرسال قوات للمشاركة في القوة الدولية المخصصة لنزع سلاح حماس. كما أجل ترامب الإعلان عن "مجلس السلام" الذي من المفترض أن يشرف على إعادة إعمار غزة حتى السنة المقبلة، بينما أعادت حماس ترسيخ نفسها كقوة لا يستهان بها في المناطق المأهولة بالسكان في القطاع.
وتُظهر هذه الانتكاسات أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار أمام الكاميرات ليس سوى البداية في عملية صنع السلام المعقدة؛ فالتغيير الفعلي على الأرض يتطلب مستوى أكثر استدامة من المتابعة والالتزام، وهذا درس يجب أخذه في الحسبان بينما يسعى ترامب لتحقيق ما قد يكون أعظم اتفاق سلام على الإطلاق: اتفاق روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب التي توشك أن تدخل عامها الدموي الرابع.
وأفادت الصحيفة بأن الحرب في أوكرانيا كانت في حد ذاتها نتاجاً لاتفاقات سلام هشة دون التزام بتنفيذها؛ فقد جاء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 عقب فشل اتفاقي وقف إطلاق النار المعروفين باسم "اتفاقيات مينسك"، الموقّعين في عامي 2014 و2015، فلم تجلب تلك الاتفاقيات سوى وهم السلام.
وأوضحت الصحيفة أن جميع النزاعات التي يحاول ترامب حلها لها جذور تعود إلى عقود مضت؛ فالحرب في وسط إفريقيا تعود إلى الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا سنة 1994، حين ذبحت ميليشيات الهوتو المتطرفة نحو 800 ألف من التوتسي خلال ثلاثة أشهر حتى تدخل جيش متمرد بقيادة بول كاغامي، الذي لا يزال رئيساً للبلاد، وأوقف المجازر.
أما الصراع بين تايلاند وكمبوديا فيعود إلى ما لا يقل عن قرن من الزمان، عندما استعمرت فرنسا
كمبوديا ورسمت خريطة وضعت معبدين بوذيين قديمين والأراضي المحيطة بهما على الجانب الكمبودي من الحدود. وتعود جذور حرب غزة إلى احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عقب حرب عام 1967، وإن كان الأمر قد زاد حدة في سنتي 2006 و2007، حين فازت حركة حماس بالانتخابات في غزة.
وختمت الصحيفة بالتأكيد على أن جميع هذه الصراعات هي عداوات عميقة ومتوارثة عبر الأجيال، ولا يمكن محوها بسهولة عبر مصافحات في واشنطن أو غيرها، فهي تتحدى الحلول السريعة. ورغم أن ترامب يُحب أن يصوّر نفسه كصانع سلام بارع، إلا أن حل الصراعات التاريخية ليس مثل إبرام صفقة عقارية؛ فإنهاء الحروب يتطلب وقتاً، ودبلوماسية صبورة، ومتابعة مستمرة.