سياسة عربية

"أنقذوا قابس".. تجدد المظاهرات ضد التلوث البيئي في جنوبي تونس

دعا الاتحاد العام التونسي للشغل كذلك إلى إضراب وطني الشهر المقبل في مؤشر على توتر حاد في البلاد- موقع المفكرة القانونية التونسية
تظاهر تونسيون بمدينة قابس الواقعة في الجنوب، في تجدد للاحتجاجات على تلوث يسببه المجمع الكيميائي المملوك للدولة، وسط غضب الأهالي الذين يحملون الحكومة مسؤولية أزمة بيئية متفاقمة، بعد مسيرات سابقة وإضرابًا عاما في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، للضغط على السلطة

وردد المتظاهرون هتافات مثل "نريد أن نعيش" و"الشعب يريد تفكيك الوحدات الملوثة" في أثناء مسيرتهم نحو شط السلام، حيث تقع الوحدات الصناعية التابعة لمصنع الكيماويات، وقال صفوان قبيبيع، وهو ناشط بيئي محلي "المصنع الكيميائي جريمة متكاملة الأركان.. نرفض أن نورث كارثة بيئية لأبنائنا، ونحن مصممون على التمسك بمطلبنا".


ويقول السكان إن الانبعاثات السامة من مجمع الفوسفات أدت إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وهشاشة العظام والسرطان، في حين يستمر تصريف أطنان من النفايات الصناعية في البحر، مما يلحق أضرارا بالحياة البحرية وسبل العيش، وتجدد الاحتجاج في قابس بعد أن عانى مئات التلاميذ خلال الأشهر الماضية من صعوبات في التنفس، يُعتقد أنها ناجمة عن أبخرة سامة من مصنع يحوّل الفوسفات إلى حمض الفوسفوريك وأسمدة.

وجاء هذا الاحتجاج الحاشد بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشرة لاندلاع ثورة 2011 التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وأشعلت انتفاضات الربيع العربي، ورفع المتظاهرون شعار "قابس تريد أن تعيش، كما وتضيف هذه التحركات ضغوطا جديدة على الحكومة التي تواجه أزمة في المالية العامة وتصاعد احتجاجات في الشارع شملت المعارضة والمجتمع المدني والصحفيين إضافة لإضرابات في قطاعي البنوك والنقل العام.

ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل كذلك إلى إضراب وطني الشهر المقبل، في مؤشر على توتر حاد في البلاد، فيما يُنظر إلى الاحتجاجات الأخيرة على نطاق واسع كأحد أكبر التحديات التي تواجه الرئيس قيس سعيّد منذ سيطرته على معظم السلطات وبدء الحكم بالمراسيم في عام 2021.

في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انفجر الغضب تجاه المصنع ليصبح أحد أكبر التحديات التي يواجهها الرئيس، قيس سعيد، منذ توليه السلطة في 2019، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين اقتحموا المجمع، وعلى النقيض من الاحتجاجات الأخيرة، فإن المتظاهرين في قابس لا يطالبون بالحريات المدنية، بل بإنهاء الظروف التي يجدونها لا تطاق.


ووصف الرئيس التونسي في تشرين الأول/أكتوبر  الوضع في قابس بأنه "اغتيال بيئي"، محملًا سياسات الحكومات السابقة المسؤولية، وداعيا إلى صيانة عاجلة لمنع التسربات، وكلف سعيد لجنة بإيجاد حلول سريعة في انتظار وضع حلول طويلة الأمد، إلا أن المحتجين يرفضون الإجراءات المؤقتة ويطالبون بالإغلاق الدائم لوحدات المصنع ونقلها من المنطقة، حيث تسعى الحكومة على الأرجح إلى استكمال مشاريع سابقة للحد من التلوث المنبعث من المجمع الكيميائي، لتفادي التكلفة الاقتصادية والمالية للتفكيك، وهو ما يرفضه الأهالي والمجتمع المدني في قابس.

وتصنَّف قابس من بين الواحات البحرية النادرة في البحر الأبيض المتوسط، لكنَّ التلوث الممتد لعقود، ومنذ تأسيس المجمع الكيميائي عام 1972، أضر كثيرًا بالبيئة والهواء والشواطئ والثروة السمكية، ووضع المنطقة أمام مستقبل قاتم.

ومنذ إنشاء المجمع الكيميائي عام 1972، تحول "خليج قابس" إلى واحد من أكثر المواقع تلوثًا في البحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن ملاحظة سواد المواد السامة وهي تطفو على سطح مياه الخليج، ويحوِّل المجمع الكيميائي الفوسفات القادم من مناجم ولاية قفصة إلى حمض فوسفوري ومواد كيميائية، مثل "الأمونيتر" و"فوسفات الأمونيوم"، ثم يصب نفاياته الصناعية في البحر دون معالجة، بمعدل يصل إلى 14 ألف طن من مادة "الفوسفوجيبس" يوميًا، وهي كميات كفيلة بتحويل البحر إلى مقبرة للثروة السمكية، التي كانت تتباهى بها الولاية قبل عقود، حسب خبراء.