ملفات وتقارير

تعديل القوانين الانتخابية في المغرب.. هل تعزز النزاهة أم تقيّد حق الترشح؟

ارتبط التغيير الأبرز أساسا بالمادة السادسة المتعلقة بموانع أهلية الترشح- جيتي
بدأت الحزمة الجديدة من القوانين الانتخابية، التي صادق عليها مجلس النواب المغربي في جلسة 1 كانون الأول/ ديسمبر 2025، تلقي بظلالها مبكّرا على المشهد السياسي، محدثة بذلك جملة تغييرات قد تعيد رسم خريطة الأحزاب، وتعيد تعريف قواعد التمثيل البرلماني، كما قد تفتح المجال أمام مشاركة أوسع للشباب والنساء، وذلك بحسب عدد من المحللين السياسيين والمتابعين للمشهد الحزبي في المغرب.

وصادق المجلس على ثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية، يتعلّق الأول بتعديل القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، بموافقة 164 نائبا، ومعارضة 9 نواب وامتناع 41 نائبا عن التصويت.
وتمت المصادقة أيضا على مشروع القانون التنظيمي رقم 54.25 المتعلق بالأحزاب السياسية، وعلى مشروع القانون رقم 55.25 الخاص باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية وذلك بموافقة 164 نائبا وامتناع 50 نائبا عن التصويت.

أي تخليق للحياة السياسية؟
وارتبط التغيير الأبرز أساسا بالمادة السادسة المتعلقة بموانع أهلية الترشح، والتي تمنع الأشخاص الذين قد صدرت في حقهم أحكام ابتدائية أو خضعوا لمتابعات قضائية من الترشّح، إضافة إلى من تم ضبطه في حالة تلبس بارتكاب جرائم. 

وفي السياق نفسه، كان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قد قال بمجلس المستشارين -الغرفة الثانية للبرلمان- إنّ: "الهدف من هذه المادة هو حماية المجلس وضمان نزاهة العملية الانتخابية"، مبرزا أنّ: "التعديلات تشمل كذلك مراقبة التمويل ومنع استعمال المال السياسي المشبوه" وفقا لتعبيره.

وأكد الوزير في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 2025، أنّ: "إنجاح المحطة الانتخابية المقبلة يقتضي العمل على ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتخليق الحياة السياسية"؛ فيما وصف المادة المتعلقة بمنع المتابعين قضائيا من الترشّح للانتخابات بكونها "تُشكل قلب مشروع القانون"؛ لأن هدفها هو: "حماية المجلس والعملية الانتخابية".

ودعمت المعارضة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، أهداف هذا التخليق، غير أنّها قد أثارت عدّة مخاوف دستورية، تتعلّق بقرينة البراءة وحق الترشح، مشيرة إلى أنّ: "العقوبة الانتخابية المسبقة قد تنتهك حقوق المواطنين قبل الفصل القضائي النهائي". 

ومن حيث ما وصف بـ"كثافة المشاركة والتخليق وإبعادها عن الفاسدين"، أوضح رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بوانو، دعم حزبه للأهداف المعلنة للانتخابات المقبلة. مشيرا في الوقت ذاته، إلى أنّ: "الانتخابات البرلمانية السابقة المجراة بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2021، شوّهت صورة المغرب أمام العالم، في ظل وجود عشرات المتابعين والمجرّدين من صفتهم البرلمانية في السجون بتهم الفساد".

وتابع بوانو بالقول: "طبيعي أن يكون هناك رد فعل أمام هذا الوضع، ورد الفعل الذي بين أيدينا يقضي بمنع ترشح كل من كان في وضعية تلبس أو صدر عليه حكم ابتدائي أو يخضع لمتابعة قضائية". مشيرا إلى أنّ: "هناك قواعد دستورية تتعلق بحرية الترشح وقرينة البراءة يجب احترامها، وكذلك قرارات المجلس الدستوري في هذا الباب".

وأضاف "بدل الانطلاق من المنع القانوني لمن يتابع قضائيا، وهو منع غير دستوري، يمكن التوجه نحو ميثاق أخلاقي ملزم توقّع عليه الأحزاب السياسية بأن لا ترشح المفسدين أو كل من له أحكام ابتدائية جنائية".

من جهته، رئيس فريق "التقدم والاشتراكية" بمجلس النواب، رشيد الحموني، أبرز أنّ: "المشكل الأساسي لنزاهة الانتخابات لا يكمن بالدرجة الأولى في النصوص القانونية بل في الممارسات"، مشيرا خلال الجلسة البرلمانية نفسها، بالقول: "علما أن المفسدين يبحثون دائما عن وسيلة ما للتحايل على القوانين".

وأعرب المتحدث عن أمله في أن يكون للسلطات المختصة دور وصفه بـ"الإيجابي في تنقية الفضاء الانتخابي والمؤسساتي"، دون إغفال عن مسؤولية الأحزاب في حسن اختيار المرشحين، ودور الإعلام، والمجتمع المدني، ناهيك عن دور المواطنين في المشاركة الواعية.

أي انعكاسات محتملة؟
مصادر خاصّة لـ"عربي21" أوضحت أنّ: "بعض المسؤولين، بمن فيهم رؤساء جماعات، قد بدأوا فعليا بالانسحاب من السباق الانتخابي المُرتقب بسبب قيود القوانين الجديدة". من بينهم: رئيس جماعة مير اللفت، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، حيث قرّر عدم الترشح لأنه موظف بوزارة الداخلية، وهو ما يتعارض مع المادة الجديدة التي تمنع موظفي الإدارة من الترشح.

ولفهم فحوى هذه القوانين الانتخابية الجديدة، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، إنّ: "الحزمة الجديدة من القوانين الانتخابية، كما صادق عليها مجلس النواب، تشكّل لحظة مفصلية في إعادة ضبط شروط التنافس السياسي، لأنها تمس مباشرة بحق الترشح باعتباره حقا دستوريا أصيلا لا يجوز تقييده إلا بضوابط الضرورة والتناسب".

وتابع لزرق، في حديثه لـ"عربي21": "غير أنّ توسيع حالات المنع أو الربط بين الترشح ووضعيات قضائية غير نهائية يطرح إشكالا دقيقا على مستوى قرينة البراءة، التي تظل مضمونة دستوريا إلى غاية صدور حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به. أي مساس غير مباشر بهذا المبدأ، عبر آليات إقصاء مبنية على الشبهة أو المتابعة الجارية، يفتح باب الانحراف التشريعي ويحوّل القانون الانتخابي من أداة لتنظيم التنافس إلى أداة لتصفية الخصوم خارج منطق القضاء".

أمّا فيما يتعلق بالضمانات، ذكر الأستاذ الجامعي بأنّ: "صلابة هذه القوانين تظل رهينة بإدراج آليات دقيقة لحماية الحقوق، في مقدمتها حق الطعن القضائي الاستعجالي، وضمان تعليل قرارات المنع، وربط كل جزاء انتخابي برقابة قضائية فعالة ومستقلة". مضيفا: "على مستوى حماية نزاهة العملية الانتخابية، تبرز أهمية تشديد الرقابة على التمويل، تتبع مصادره، وتفعيل آليات الزجر الفوري ضد الاستعمال غير المشروع للمال أو وسائل الاتصال العمومي". 

الحياة السياسية.. من يُشارك؟
حملت القوانين الجديدة، أيضا، الموافقة على تعديل تقدمت به فرق الأغلبية بشأن المادة 23 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، يقضي بخفض العتبة المطلوبة لدعم لوائح الشباب المستقلة من 5 في المائة إلى 2 في المائة من الأصوات المسجلة.

وتم تخصيص لوائح جهوية للنساء فقط، إضافة إلى دعم مالي بنسبة 75 في المئة من مصاريف الحملات لضمان مشاركة فعالة. وتعتبر هذه الخطوة محاولة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وتحفيز نخب جديدة، بما يعزز تمثيلية الشباب والنساء في البرلمان.

وفي السياق نفسه، أكّد أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ"عربي21" أنّ: "الأثر سيظل محدودا إذا لم تقترن النصوص بحوافز إيجابية فعلية، كالتخفيض المادي لشروط الترشح، وتوسيع آليات الدعم العمومي، وضمان ولوج عادل للإعلام، لأن الهندسة القانونية وحدها لا تكفي لخلق تمثيلية حقيقية دون إرادة سياسية وسياسات عمومية مرافقة".

وأوضح "إذا كانت التعديلات قد عززت الشفافية، ونظمت تمويل الحملات، ورفعت من مستوى الرقابة على الإنفاق، فإن ذلك يُضعف آليات الإقصاء التقليدية التي كانت تحدّ من وصول الفئات الأقل موارد من الشباب والنساء إلى المنافسة" وفقا لأستاذ العلوم السياسية نفسه، مردفا بأنّ: "أي توسع في الدعم العمومي المخصص للترشيحات النسائية والشبابية، أو تبسيط لمساطر التسجيل والترشيح، من شأنه أن يحول الحق الدستوري في المشاركة إلى إمكانية فعلية".

وختم بالقول: "أما إذا بقيت النصوص في حدود الإعلانات المعيارية دون ضمانات تنفيذية أو جزاءات رادعة، فإن أثرها سيظل محدودا، لأن تمكين هذه الفئات يتطلب إزالة العوائق المادية والتنظيمية التي تعيق ولوجها إلى المجال الانتخابي".

إلى ذلك، بين تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد الانتخابي، وبين مخاوف دستورية حول قرينة البراءة وحق الترشح، يبدو أن انتخابات 2026 في المغرب ستكون محطة اختبار حقيقية للمشهد السياسي، ليظل السؤال متجددا: هل ستنجح الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني في توفير شروط النزاهة والشفافية والمشاركة الواسعة؟