صحافة إسرائيلية

"هآرتس": هل تُدرك إسرائيل عواقب إبقاء جبهتي لبنان وسوريا مشتعلتين؟

الكاتب تسفي برئيل يقول إن إبقاء "إسرائيل" في واقع حرب مستمرة يخدم طموحات نتنياهو- الأناضول
تثير العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شهدت الأيام الأخيرة عدة تساؤلات بشأن النوايا الحقيقية لتل أبيب في لبنان وسوريا، خاصة بعد اغتيال رئيس هيئة أركان حزب الله، هيثم علي طبطبائي، والضربات اليومية على مواقع في لبنان، والاستعداد لحملة برية.

وامتدت التصعيد الإسرائيلي إلى سوريا عبر اعتقال ناشطين من الجولان، وتطور الأمر خلال الأيام الأخيرة إلى اندلاع اشتاكات فعلية، ضمن محاولات إظهار ما يسمى بـ"الحزم" لإزالة التهديدات ضد إسرائيل.

وناقش المحلل الإسرائيلي، تسفي برئيل، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، ما أثارته العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، لافتا إلى أن إسرائيل تتمتع على حدودها الشمالية بامتيازات استراتيجية لا تمتلكها في قطاع غزة.

وأوضح برئيل أنه "في سوريا ولبنان توجد أنظمة تعلن علنا وبشكل متواصل أنها لا تريد حربا مع إسرائيل، وليس هذه مجرد تصريحات بروتوكولية لإرضاء تل أبيب أو واشنطن، فلبنان وقّع اتفاق وقف إطلاق مع إسرائيل، ورئيسه جوزاف عون صاغ مبدأ تاريخيا يدعو إلى توحيد السلاح تحت سيطرة الدولة وحدها".

وتابع: "اتخذت الحكومة في بيروت قراراً بتوجيه الجيش اللبناني—لأول مرة في تاريخه—لجمع سلاح المنظمات غير الحكومية، وعلى رأسها حزب الله والفصائل الفلسطينية، ويعمل الجيش اللبناني بالفعل على جمع هذا السلاح في جنوب لبنان، لكن الوتيرة بعيدة جدًا عمّا يرضي إسرائيل، وهناك شك كبير في قدرة الجيش على إتمام المهمة ضمن ما هو متفق عليه، أي نهاية عام 2025".



وأشار إلى أن عون يبرر هذا البطء برغبته في منع صدامات عنيفة بين الجيش وحزب الله، مستدركا: "إسرائيل والولايات المتحدة تعتقدان أن الضغط العسكري والتهديدات بالحرب سيلزمان رئيس لبنان بالتخلي عن سياسة الحوار السياسي مع الحزب، وجرّه إلى مواجهة مباشرة معه".

وذكر أن "الضغط العسكري الإسرائيلي محمّل بتناقضات عملياتية وسياسية، فالنشاط الإسرائيلي في لبنان يتم بمعظمه من خلال هجمات جوية، وفي الوقت ذاته تسيطر على خمسة مواقع في جنوب لبنان ذات قيمة محدودة، تُستخدم، ضمن أمور أخرى، كورقة تفاوضية مع لبنان، لكن إسرائيل والولايات المتحدة لا تكتفيان بالمفاوضات على ترتيبات أمنية وترسيم الحدود البرية بين البلدين والإفراج عن المعتقلين اللبنانيين في إسرائيل؛ بل تطالبان بتحويل هذه المفاوضات إلى مباشرة، وتغيير تركيبة لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار بحيث تضم سياسيين لبنانيين وليس فقط ضباطًا وخبراء، وأن ينضم لبنان إلى اتفاقات (أبراهام)".

وأكد المحلل الإسرائيلي أن "هذه الطموحات تستند إلى ورقة العمل التي قدّمها قبل نحو شهرين توم باراك، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب سابقًا إلى سوريا ولبنان، ووفق اقتراحه، توقف إسرائيل هجماتها في لبنان لمدة شهرين، وخلال هذه الفترة تجرى مفاوضات حول كل هذه البنود، إضافة إلى رسم "منطقة منزوعة السلاح" بين لبنان والحدود الشمالية، وكلما تقدمت المحادثات، بحسب الورقة، تنسحب إسرائيل تدريجيًا من النقاط الخمس وتسمح بعودة السكان اللبنانيين إلى منازلهم. وبحسب باراك، فقد رفضت إسرائيل الاقتراح".

من جهته، يلتزم حزب الله بموقفه الرافض للتخلي عن سلاحه بالكامل، لكن أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يؤكد مرارًا أن الاتفاق ينص على أن "الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية هي الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بالعمل في جنوب لبنان"، ووفق تفسيره، لا يلزمه الاتفاق بالتخلي عن سلاحه في شمال البلاد أو بالموافقة على إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب.

طموح شبه مستحيل
ووفق مقال "هآرتس"، إلا أنّ الحكومة اللبنانية أخذت على عاتقها مهمة تتجاوز نص الاتفاق بكثير: فقد تبنّت مبدأ "وحدة السلاح" تحت سيادة الدولة، بما يعني أنها ملزمة ليس فقط بتدمير منشآت تصنيع السلاح التابعة لحزب الله، بل أيضًا بجمع سلاحه في كل مناطق البلاد، وقد أوضح الرئيس عون لرئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، أنه لا ينوي التراجع عن هذا المبدأ، وأنه يتوقع من إيران مساعدته في تنفيذه وإلزام حزب الله بالتعاون مع الحكومة.

وأضاف برئيل  أن "لبنان يدرك جيدًا معنى التهديد الإسرائيلي بتوسيع نطاق القتال، كما يعرف تمامًا تبعات صدام عنيف مع حزب الله وكيف قد يجر البلاد إلى حرب أهلية، ولكن السؤال هنا: هل تدرك إسرائيل هذه التبعات؟، فإذا كانت العمليات الهجومية تهدف إلى تسريع تنفيذ الاتفاق، فهذا يعني أن تل أبيب تعتقد بقدرة الجيش اللبناني على أداء المهمة، وأن الأمر لا يحتاج إلا لقرار سياسي تتخذه الحكومة اللبنانية، وهو القرار الذي اتخذته بالفعل، يجب أن يثير التهديد الإسرائيلي بتوسيع الحرب تساؤلاً حول قدرة إسرائيل نفسها على نزع سلاح حزب الله. لكن حروبها في لبنان وغزة والضفة أثبتت أن التفكيك الكامل للسلاح هو طموح شبه مستحيل من دون اتفاق".

جمود مع دمشق
أما فيما يتعلق بالساحة السورية، ذكر المحلل الإسرائيلي أنه يوجد فيها معادلة قوة مشابهة، وتمنع إسرائيل الجيش السوري من الانتشار في جنوب الجولان، بينما تنفذ هناك عمليات عسكرية، وفي الوقت ذاته، فإن المفاوضات حول الترتيبات الأمنية مع دمشق مجمّدة، فبخلاف لبنان، أجرى النظام السوري مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، والرئيس أحمد الشرع صرّح بأنه سيكون مستعدًا للانضمام إلى اتفاقات (أبراهام) "في الظروف المناسبة" التي لم يوضحها.

وتابع: "لا يزال الجيش السوري في طور إعادة البناء، وعشرات الميلشيات لم تنضم إليه بعد، وفي المناطق "المهمة" بالنسبة لإسرائيل في جنوب سوريا لا تزال تعمل قوى انفصالية مثل الميلشييات الدرزية، والعشائر البدوية المسلحة، وفصائل من جماعات (إسلامية)، بالتالي فالوجود العسكري الإسرائيلي في الجولان السوري يساعد تلك التنظيمات".

وأكد أنه "يخلق أجواء احتلال مباشر وقد يشجّع على اندلاع "انتفاضة"—مصطلح بدأ يتردد في الخطاب الإعلامي في تلك البلدات- وكما في لبنان، لدى إسرائيل مصلحة حيوية بالسماح للجيش السوري بالانتشار هناك كشريك في منع ترسخ تلك التنظيمات المعادية، لكن نظام الشرع، الذي حصل على شرعية عربية ودولية وأمريكية خصوصًا، يُنظر إليه في إسرائيل باعتباره كياناً مشبوهاً".

وختم قائلا: "تطالب إسرائيل سوريا بالتحرك ضد هذه التنظيمات في جنوب الجولان ونزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق، لكنها لا تسمح لها بإدخال قوات ولا تشرح من سيكون مسؤولًا عن مواجهة التنظيمات المسلحة التي قد تستقر في تلك المنطقة، وبينما يُظهر سيطرة إسرائيل على الأراضي وكأنها تشكّل "منطقة أمنية" فعّالة، إلا أنه يجدر بنا استذكار دروس مناطقها الأمنية السابقة في لبنان وتلك التي تفرضها في قطاع غزة".