قالت الأمم المتحدة، إن 40 بالمئة من الألغام حول العالم مزروعة في الوطن العربي، ويأتي لبنان في طليعتها، ويقدر عدد البقع المشبوهة والخطرة والمنتشرة على مساحات واسعة في كافة المناطق اللبنانية بحوالي 150 مليون متر مربع، بحسب تقديرات الجيش اللبناني.
وأكد رئيس المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام، العميد زياد نصر، أن تلك الألغام أوقعت ضحايا بنحو 4 آلاف شخص بين شهيد ومصاب سنويًا، مشيرًا إلى أن الألغام العنقودية تكون أكثر خطورة، لأنها غريبة الشكل ومختلفة عن الألغام التقليدية التي تكون في شكل هندسي سواء مربع أو مستطيل، فضلا عن أنها في بعض الأحيان لا تنفجر مباشرة.
ملوث بـ400 ألف لغم
ولا يزال لبنان ملوثاً بالذخائر العنقودية والألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات التي خلفتها الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و 1990، والهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان في أعوام 1978 و1982 و2006، وزرع الألغام على طول "الخط الأزرق" بين عامي 1984و 2000 وصولا للحرب الأخيرة 2025.
400 ألف لغم هو الرقم التقديري للألغام التي زرعتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على طول الخط الأزرق (قبل العام 2000)، بينما استطاعت المجموعة الاستشارية للألغام (MAG) - وهي منظمة إنسانية عالمية بدأت العمل في لبنان سنة 2001 -نزع ما معدله نحو 5000 لغم سنويًا، (وهي الجهة الوحيدة المخولة بإزالة الألغام إلى جانب فرق الجيش اللبناني)، ما يعني أن العمل في هذا المِلَفّ لم ينته، بل أضيفت إليه مخلفات متفجرة جديدة من الحرب المستمرة.
قصف بمعدّل هجومين يوميًا
رغم توقيع الاحتلال وحزب الله برعاية أمريكية اتفاقًا لوقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كان من المفترض أن ينهي عدوانا بدأته "إسرائيل" على لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأسفر عن استشهاد أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة نحو 17 ألفا آخرين، إلا أن دولة الاحتلال واصلت هجماتها بزعم رصد إعادة حزب الله لنشاطه، حيث كُشف أن "إسرائيل" نفذت 669 غارة جوية على لبنان خلال عام من وقف إطلاق النار، وذلك بمعدّل هجومين يوميًا، ويُظهر تحليل البيانات منذ حزيران/يونيو 2025 أن عدد الغارات ظلّ مُتطابقًا تقريبًا، بمتوسط 48 غارة شهريًا".
تضرر ثلاثة أرباع المناطق السكنية والتجارية
وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية، شردت غارات الاحتلال الإسرائيلي نحو 1.4 مليون مواطن لبناني، وخلفت الغارات الجوية المتكررة دمارًا واسعًا في معظم أنحاء الجنوب، ودمرت البنية التحتية المدنية والخدمات العامة الأساسية، ومنعت عشرات الآلاف من السكان من العودة إلى ديارهم، وقدّر
البنك الدولي الأضرار بأكثر من 11 مليار دولار، حيث تضررت المناطق السكنية والتجارية بنحو ثلاثة أرباعها، في هذه الأثناء، ربطت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية مساعدات إعادة الإعمار بنزع سلاح حزب الله.
قنابل الفوسفور.. إرث "إسرائيل" السام
تؤكد التقارير التي أعدتها وزارات الدولة اللبنانية ومختبراتها وبالتعاون مع البنك الدولي، أن الحرب الإسرائيلية على المناطق الجنوبية اللبنانية تركت خرابًا كبيرًا في البيئة بمختلف وجوهها جراء استخدام الاحتلال قنابل محرمة دولية، ومنها الحارقة وقنابل تحتوي على الفوسفور الأبيض السام، بعد أن جرى توثيق هذا الأمر بالصور والعينات الميدانية، وهو ما سبق وأكدته أيضا منظمة هيومن رايتس ووتش عبر تحليلها لصور ومقاطع مصورة، مشيرة إلى أن استخدام الفسفور الأبيض من قِبل "إسرائيل" على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرض المدنيين لخطر جسيم، ويسهم في تهجيرهم.
إحراق آلاف الهكتارات
إلى جانب الاستهداف الإسرائيلي المباشر، فإن تكلفة إعادة تأهيل الأرض وتجهيزها للزراعة تمنع سكان الجنوب اللبناني من استعادة حياتهم، ويقدر تقرير حديث صادر عن
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن المزارعين في الجنوب والبقاع تكبدوا أضرارًا وخسائر بقيمة 704 ملايين دولار بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتشرين الثاني/نوفمبر 2024، ففي الجنوب وحده، أحرق الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 2100 هكتار من البساتين - أي ما يعادل مساحة 3000 ملعب كرة قدم تقريبًا - بما في ذلك أشجار الزيتون والحمضيات وبساتين الموز، وخسر مزارعو التبغ 46 مليون دولار، كما خسر مزارعو الزيتون مبلغًا باهظًا قدره 236 مليون دولار، كما تضرر قطاع الثروة الحيوانية بشدة، حيث نفق ما يقرب من 2.3 مليون رأس من الماشية، بما في ذلك الدواجن والأغنام والماعز والأبقار.
قنابل عنقودية محظورة دوليًا
وفي مؤشر خطير لما يُمكن أن تحمله من تهديد للمدنيين وتبعات قد تمتد لسنوات طويلة، كشف تقرير جديد لصحيفة "الغارديان"، أن "إسرائيل" استخدمت في حربها الأخيرة على لبنان قنابل عنقودية محظورة دوليًا، حيث اطّلعت الصحيفة البريطانية على صور لبقايا ذخائر من الحرب الأخيرة على لبنان، عُثر عليها في مناطق جنوب نهر الليطاني، وتحديدًا في وديان زبقين وبرغز ودير سريان، عرضتها على ستة خبراء مختصين في الأسلحة.
تكشف الصور عن نوعين من الذخائر العنقودية الإسرائيلية التي تُستخدم للمرة الأولى، فيما يشكل أول دليل على لجوء الاحتلال إلى هذه القنابل منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وتشمل القنابل التي تم تحديدها قذيفة (M999 Barak Eitan) عيار 155 ملم، وصاروخ (Ra’am Eitan) الموجّه عيار 227 ملم، وكلاهما أنتجته شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية، وتُعدّ هذه المعطيات شديدة الأهمية، ليس فقط لأنها تكشف عن أسلحة جديدة، بل لأنها تعيد طرح إشكالية استخدام ذخائر ذات آثار طويلة المدى، تُقدّر نسبة عدم انفجارها في بعض الحالات بما يصل إلى 40 بالمئة.
سلاح بتأثير ممتد
القنابل العنقودية عبارة عن ذخائر تنفجر في الجو مطلقة عشرات الشظايا الصغيرة على مساحة قد تعادل عدة ملاعب كرة قدم، وتكمن خطورتها الأساسية في أن جزءًا كبيرًا منها لا ينفجر عند الارتطام، ما يحوّلها إلى ألغام قابلة للانفجار عند أي تماس، وتبقى تهديدًا مباشرًا للمدنيين لسنوات، وقد دفعت هذه المخاطر 124 دولة إلى
توقيع اتفاقية حظر القنابل العنقودية التي تمنع استخدامها وإنتاجها ونقلها، غير أن إسرائيل ليست طرفًا فيها.
وفي هذا السياق، تؤكد
مديرة "تحالف القنابل العنقودية"، تمار غابلنيك، لـ"الغارديان" أن استخدام هذا السلاح يناقض مبادئ القانون الإنساني الدولي، مشيرة إلى أن طبيعته العشوائية تمنع التمييز بين المدنيين والعسكريين، ويُذكّر هذا المشهد اللبنانيين بما حدث في حرب 2006، عندما أسقطت إسرائيل أربعة ملايين قنبلة عنقودية، يُعتقد أن مليونًا منها لم ينفجر، ما تسبب منذ ذلك الحين بمقتل مئات الأشخاص.
نماذج جديدة ومخاطر قديمة
أكد ستة خبراء لصحيفة الغارديان، بينهم بريان كاستنر من منظمة العفو الدولية وجنزن جونز من "خدمات أبحاث العتاد"، أن بقايا قذيفة (M999) أصلية، فيما رجّح خمسة خبراء أن الصور الأخرى تعود لصاروخ (Ra’am Eitan) الموجّه المصنع عام 2017، وهو سلاح وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه يحمل 64 قنيبلة تنتشر على نطاق واسع، فيما يؤكد
دليل الجيش الأمريكي أن كل قذيفة مدفعية من طراز (M999)، تطلق تسعة ذخائر فرعية تنفجر إلى 1200 شظية تنجستن.
وتزعم
تقارير إسرائيلية إلى أن هذه النماذج صُمّمت للحد من عدد الذخائر غير المنفجرة، مع ادعاء أن نسبة عدم انفجار صاروخ (Ra’am Eitan) تبلغ 0.01 بالمئة، غير أن خبراء حقوقيين يشكّكون في هذه الأرقام، مستشهدين بما حدث مع القنبلة (M85) خلال حرب 2006 حين قُدّر معدل عدم انفجارها رسميًا بـ0.06 بالمئة، ثم تبيّن لاحقًا أنه يقترب من 10بالمئة، ويؤكد كاستنر أن القنابل العنقودية "محظورة دوليًا لسبب واضح"، مضيفًا أنها "غير تمييزية بطبيعتها ولا يمكن استخدامها بطريقة مشروعة أو مسؤولة"، وأن المدنيين يبقون الضحايا الرئيسيين لها، لأنها تبقى مصدر تهديد قاتل لسنوات طويلة.
الحرائق تلتهم أحراج لبنان
وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اشتعلت الحرائق، من الشمال إلى الجبل والجنوب، استكمالا لمخطط الاحتلال الإسرائيلي القضاء على ما تبقى من المساحات الخضراء التي قضت عليها خلال الحرب الأخيرة، لا سيما في ظل الظروف المناخية وسرعة الرياح التي أدت إلى توسّع رقعة النيران وصعّبت مهمّة إخمادها على فرق الإطفاء، حيث أكدت الوكالة الوطنية للإعلام، أن محلقات إسرائيلية ألقت موادّ حارقة على المنطقة.
الحرائق التي اندلعت وتوسعت في مناطق في الشمال وفي إقليم الخروب (جبل لبنان) والجنوب، لا سيما في أحراج الصنوبر والسنديان والزيتون في بلدتي العيشية والجرمق في قضاء جزين والتي امتدت إلى أحراج الجبل الرفيع وجبل الريحان في إقليم التفاح (قضاء النبطية)، وأتت على مساحات كبيرة من غابات الصنوبر في أضخم حريق تشهده المنطقة امتد لكيلومترات، وقضى على أهم ثروة حرجية تحتوي آلاف أشجار الصنوبر والبلوط والزيتون، فيما واجهت فرق الدفاع المدني صعوبات كبيرة في السيطرة على الحريق بسبب وعورة المنطقة، ووجود أجسام مشبوهة غير منفجرة من مخلفات الحرب.
وتحدثت وزيرة البيئة تمارا الزين عن أسباب الحرائق، مؤكدة أن لا حرائق تنشب دون تدخّل بشري، سواء كان متعمدًا أو غير متعمّد. وكتبت على حسابها على "فيسبوك"، أنه: "في جنوب لبنان تحديدًا، أحرق العدو ما يزيد على 8700 هكتار من الأراضي الزراعية والحرجية، واستكمل الجريمة البيئية عبر إلقاء أجسام حارقة في العديد من الأحراج مما زاد من حجم الكارثة"، متحدثة عن إبادة بيئية على أيدي العدو.
حطام بملايين الأطنان يحتوي على مواد ملوّثة سامّة أجرى "
مرصد الصراع والبيئة"، الذي يرصد العواقب البيئية والإنسانية المُترتبة على النزاعات والأنشطة العسكرية، بحثًا أوليًا لتحديد نطاق الضرر البيئي المُرتبط بعدوان إسرائيل على لبنان، وعاين الحوادث والأضرار التي وقعت بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و5 كانون الأول/ديسمبر 2024، وخلص إلى أن هجمات الاحتلال تركت عواقب إنسانية وبيئية مدمّرة في جنوب لبنان، إذ أدّت الأضرار الحضرية والتدمير الكثيف للمباني والبنى التحتية الحيوية إلى توليد حطام يقدّر بملايين الأطنان يُرجّح أنه يحتوي على مواد ملوّثة سامّة مثل الأسبستوس، كما تسبّبت الأسلحة الحارقة مثل الفسفور الأبيض وغيرها من الذخائر بحرائق واسعة النطاق سيكون لها عواقب دائمة على المناطق الزراعية والموائل الطبيعية.