نقل الناشط البريطاني كامران أحمد، الموقوف في سجن "بنتونفيل" في لندن منذ أكثر من عام دون محاكمة، إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية بشكل خطير نتيجة مشاركته في
إضراب "سجناء من أجل
فلسطين"، وسط اتهامات للحكومة البريطانية بممارسة انتهاكات واسعة، واستخدام قوانين الإرهاب بصورة تعسفية لمعاقبة ناشطين شاركوا في احتجاجات ضد شركات السلاح المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي.
وفي ظل الصمت الرسمي، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية والضغوط الحقوقية للمطالبة بالاستجابة لمطالب المضربين، فيما حذرت منظمات دولية من "إهمال طبي منهجي" يهدد حياة السجناء.
وشهد صباح الثلاثاء الماضي عملية نقل عاجلة للناشط كامران أحمد، الموقوف على ذمة التحقيق في سجن "بنتونفيل" منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إلى المستشفى بعد تدهور صحته بشكل سريع، وفق ما أكدته عائلته ومنظمات حقوقية بريطانية.
وكان كامران قد اعتقل في مداهمة عنيفة٬ بتهمة المشاركة في عملية اقتحام منشأة عسكرية تابعة لشركة “إلبِت سيستمز” الإسرائيلية في منطقة فيلتون بمدينة بريستول، حيث عثرت المجموعة على طائرات مسيرة إسرائيلية من طراز "
كوادكوبتر" وقامت بتعطيلها.
ورغم أن 24 ناشطا اعتقلوا باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب، لم توجه لأي منهم تهم إرهاب، إلا أن السلطات قررت احتجازهم جميعا على ذمة التحقيق، فيما بدأت أولى محاكمات “فيلتون 24” هذا الأسبوع، بينما ينتظر آخرون محاكماتهم حتى الصيف المقبل أو بعده.
كامران، الذي رفضت كفالته رغم كونه المعيل الوحيد لوالديه المسنين، وفق ما ذكرت مصادر حقوقية٬ انضم في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري٬ إلى إضراب “سجناء من أجل فلسطين”، ليصبح سادس ناشط يشارك في الامتناع عن الطعام.
ويعاني كامران، المصاب بالربو، من دوار وصعوبة في التنفس وآلام صدرية وانخفاض خطير في مستوى السكر بالدم وارتفاع كبير في الكيتونات، إضافة إلى انخفاض وزنه من 74 كلغ إلى 68 كلغ.
وقد فقد الوعي يوم الجمعة الماضي بسبب انخفاض السكر، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى بعد سوء وضعه صباح الثلاثاء الماضي، بينما لم تتلقّ أسرته أي تحديث عن حالته.
احتجاجات في لندن
خلال ساعات بعد نقله للمستشفى، خرج عشرات المتظاهرين في مسيرة من أمام سجن “بنتونفيل” إلى وزارة العدل في وسط لندن، للتنديد بـ"الإهمال الطبي" الذي أدى إلى انهيار كامران، والمطالبة بالاستجابة لمطالب المضربين.
وحمل المحتجون لافتات ضخمة كتب عليها “أسقطوا التهم” و“المقاومة ليست إرهابا”، فيما كانت الشرطة تتعامل – وفق شهود – بـ"عنف غير مبرر"، شمل اعتقال مسنين، من بينهم سيدة على عكازين طرحت أرضا قبل اعتقالها.
شقيقة المضرب، شحمينة علام، قالت في كلمة خلال الاحتجاج: "كان يمكن تجنب كل هذا لو استجابت الحكومة لمطالب السجناء بدل تجاهلهم. لقد قلت الأسبوع الماضي إنني أخشى تلقي اتصال يخبرني بأن كامران انهار، وها أنا أعيش أسوأ مخاوفي. مطالب الإضراب هي مطالب إنسانية بديهية، والحكومة تختار تجاهلها بلا أدنى اعتبار لسلامتهم".
تحرك طبي وحقوقي واسع
في موازاة ذلك، وجه أكثر من 100 طبيب رسالة رسمية لفريق "الصحة والعدالة" في هيئة NHS، أعربوا فيها عن "قلق بالغ" تجاه الإهمال الطبي المتكرر للمضربين. كما صدرت رسائل دعم من منظمات بينها "ديفند أور جوريز" و"حملة مناهضة تجارة السلاح" و"CAGE International" و"حياة السود مهمة – المملكة المتحدة"، إضافة إلى تضامن من سجناء سياسيين خارج
بريطانيا.
وأرسل النائبان جيريمي كوربن وزارا سلطانة رسائل رسمية للحكومة للمطالبة بتدخل فوري.
منظمة “سجناء من أجل فلسطين” أعلنت الثلاثاء الماضي "يوم تحرك دولي"، وقالت الناشطة المعتقلة السابقة فرانسيسكا نادين: "بعد 23 يوما من الإضراب، ونحو خمسة أسابيع من إخطار الحكومة، أصبح كامران أول من ينقل إلى المستشفى. الإهمال الطبي من السلطات يتطابق مع إهمال الدولة نفسها.
ولمنع المزيد من الخطر، يجب على الحكومة الاستجابة لمطالب السجناء فورا".
الحكومة تستغل قوانين الإرهاب
وفي تصريحات خص بها موقع "عربي21"٬ قال أنس مصطفى من منظمة "كيج إنترناشيونال" الحقوقية البريطانية: "هناك تصعيد متزايد في الضغط على الحكومة عبر المحامين، وتحشيد الناس في مظاهرات أمام السجون، وحملات من أطباء ومحامين للمطالبة بالتدخل العاجل. الوضع الصحي للمضربين خطير، وإهمالهم متعمد".
وأضاف موضحا: "القانون البريطاني يحدد فترات قصوى للحبس الاحتياطي، لكنه يستثنى في قضايا تصنف ‘إرهابا’. الحكومة تستغل ثغرات قانونية وسلطات توسعت في العشرين عاما الماضية خلال الحرب على الإرهاب المبنية على عنصرية ضد المسلمين. يتم استخدام الأدلة السرية، وتمديد الحبس، وفرض قيود تعسفية".
وتابع: "هناك أكثر من ألفي شخص اعتقلوا بسبب دعمهم لفلسطين عبر قوانين الإرهاب. نحن نعمل لدعم العائلات، والتنسيق مع المحامين، وتغيير الصورة النمطية لدى الرأي العام. وهناك رفض متزايد لهذه القوانين بعد استخدامها ضد الحركة المناصرة لفلسطين".
محاكمات “فيلتون 24”
بدأ هذا الأسبوع أول ثلاثة محاكمات لناشطي “فيلتون 24” أمام محكمة “ووليتش”، حيث يحاكم خمسة متهمين بتخريب منشأة لإلبت في بريستول وإتلاف شحنة أسلحة موجهة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ويقول النشطاء إنهم طبقوا القانون الدولي، بينما تعتبرهم الحكومة “مجرمين”.
ويؤكد الدفاع وجود تدخلات مباشرة من الحكومة الإسرائيلية وشركة “إلبت” في القضية، إضافة إلى تعاون الشرطة والنيابة العامة البريطانية، وحجب أدلة من المحكمة.
ويجلب السجناء يوميا في رحلات منهكة تصل لساعتين داخل حافلات تعرف بـ"صناديق العرق" التابعة لشركة “سيركو”، حيث يعانون من نقص الطعام والتأخر عن المحكمة وفقدان ملفات وأدلة، وصعوبة التواصل مع محاميهم.
رسالة تضامن من داخل السجون الفلسطينية
وجه أسرى فلسطينيون رسالة تضامن جاء فيها: "نعتبر نضال الأسرى في بريطانيا جزءا أصيلا من حركة التحرر العالمية ضد الاستعمار والصهيونية. نحيي نضال الشعوب الأصلية وحركات السود والأسرى المرضى والأطفال والنساء. نؤكد أن حرية أسرى بريطانيا ستأتي مع تحرير كامل الشعب الفلسطيني".
في ظل تدهور الوضع الصحي للمضربين وتقدم محاكمات “فيلتون 24”، تتهم المنظمات الحقوقية الحكومة البريطانية بأنها تستخدم قوانين الإرهاب لاستهداف المناصرين لفلسطين، وحرمانهم من المحاكمة العادلة، وتركهم يواجهون "الإهمال الطبي" داخل السجون.
وبينما تلتزم الحكومة الصمت، يتصاعد الغضب الشعبي والحقوقي، وسط مخاوف جدية من سقوط أولى ضحايا الإضراب إذا لم تتدخل السلطات بشكل عاجل.