ملفات وتقارير

في يوم المرأة العالمي.. من يوقف الاضطهاد والقمع الأمني بحق المصريات؟

تحل مصر في المركز 175 المتأخر من بين 190 دولة على مؤشر المساواة للنساء بالعمل والاقتصاد في 2024 - الأناضول
يتواكب الاحتفال بـ"اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة"، والذي يوافق الثلاثاء، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، مع معاناة آلاف المصريات من الاضطهاد السياسي، والقمع الأمني، والعنف المجتمعي، مع ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة دفعت بهن إلى آتون مشتعل، ووصلت حد قتل العشرات منهن، في مشاجرات زوجية.

صفحات "الحوادث والقضايا"، بالمواقع الصحفية المصرية تكشف عن تفاقم أزمات 52.2 مليون سيدة مصرية، يمثلن 48.6 بالمئة من نحو 108ملايين مصري في الداخل، مع غلاء معيشة لا يتوقف، وفقر مدقع، وتراجع القدرة المادية، وفقدان الدخل، وعدم وجود العائل، واضطرار بعضهن النزول للعمل في بيئات غير آمنة، مع زيادة نسب العنف، والعنوسة، والطلاق، والتحرش، بحسب حقوقيات.

وتكشف الإحصائيات الرسمية عن معاناة المصريات، ففي العام الماضي، تصاعدت وتيرة الجرائم ضدهن، مسجلة نحو 1195 جريمة عنف مجتمعي، و540 جريمة عنف أسري، وهي الأرقام المسجلة التي تقل بكثير عن الواقع الفعلي، وفي كانون الأول/ يناير 2023، أكد "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء"، (حكومي) تعرض 8 ملايين مصرية للعنف، الأسري والمجتمعي.

وتحل مصر في المركز 175 المتأخر من بين 190 دولة على مؤشر المساواة للنساء بالعمل والاقتصاد في 2024، بحسب البنك الدولي، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017 صُنف القاهرة كأخطر مدينة على النساء من حيث "الحماية من العنف الجنسي، ومستوى العناية الصحية والتعليم والدخل".

بيع الصحة والأصوات.. إضرار نسائي
تقول "سناء"، وهي أربعينية تعمل في مواسم زراعة وجمع المحاصيل في الحقول لقاء مبلغ 100 جنيه يومي: "الحاجة هي من تدفعني للقيام فجرا وركوب سيارة نصف نقل في برد الشتاء، لتنقلنا إلى الحقول، لنعمل عمل الرجال"، وتضيف: "يتهمنا البعض ببيع أصواتنا في الانتخابات البرلمانية، ولم يذكرون أننا نبيع صحتنا كل يوم، في حر الصيف لزراعة الأرز وحصد القمح ودرسه، وفي برد الشتاء لجمع الفراولة والبرتقال".

وتشير إلى أنهن "فريق مكون من 30 سيدة وفتاة، كل منها لديها معناتها الخاصة، يحتشدن من العزب بقرية الحميدية قرب الطريق الإقليمي حيث تتجمع عشرات السيارات لنقل المئات للحقول ولمصانع التعبئة والكرتون بمدن العبور والعاشر"، وخلال الانتخابات البرلمانية التي جرت مرحلتها الثانية، في مصر الاثنين والثلاثاء، كشفت مقاطع مصورة لحشد النساء أمام اللجان واستغلال حاجتهن من قبل مرشحين لقاء مبلغ 300 جنيه نحو (6 دولارات).



الاضطهاد السياسي والقمع الأمني
ومنذ الانقلاب العسكري الذي ضرب البلاد منتصف 2013، تعاني الكثيرات من نساء مصر مع أزمة اعتقال أكثر من 60 ألفا من أزواجهن وأبنائهن لأكثر من 12 عاما، في ظل رفض رأس النظام عبد الفتاح السيسي، إخلاء سبيلهم، واتباع سياسات تدويرهم بقضايا جديدة بعد انتهاء فترات حبسهم.

وهي الأزمة التي طالت مئات النساء والفتيات، اللآتي تعرضن للاعتقال، والإخفاء القسري، والتعذيب المنهج، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب، والمحاكمات المسيسة، والأحكام القضائية المغلظة، والحبس في ظروف غير إنسانية مخالفة للقوانين، وفق رصد حقوقي.

وبمناسبة اليوم العالمي دعت منظمات حقوقية للإفراج عن المصريات المعتقلات بسبب مواقفهن وآرائهم السياسية أو لقرابتهن لرموز سياسية معارضة، والسبت الماضي كتبت الشابة نور الحديدي، نجلة المعتقلة عائشة الشاطرة، عبر صفحتها بـ"فيسبوك": مطالبة بـ"الحرية" لوالدتها، مؤكدة أنها غابت عنها 7 سنوات وأنها تركتها في سن 12 عاما وهي الآن  بعامها الـ19.



وعن حجم الانتهاكات التي تعرضت لها النساء بالسنوات الأخيرة، أكد مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، رصد 1195 حالة عنف ضد النساء، وتعرض 2800 امرأة للاعتقال والحبس، وذلك بجانب فصل 500 طالبة جامعية، وتحويل 25 امرأة لمحاكمات عسكرية جائرة، وإدراج 151 على قوائم الإرهاب ومصادرة أموالهن، ومقتل 120 خلال الاحتجاجات السلمية، وتعرض 188 للإخفاء القسري.

رصد غائب وملف منسي
وفي حديث "عربي21"، مع بعض الحقوقيين لاستيضاح حقيقة عدد المعتقلات من النساء، أكد أغلبهم، وبينهم الحقوقي عبدالرحمن بدراوي، أنه "ليس هناك حصرا ولا قائمة كاملة رغم أن 90 بالمئة منهن يقبعن بسجن العاشر من رمضان"، متوقعا تجاوز عددهن الـ"500 سيدة وفتاة مع اعتقالات جرت مؤخرا".

وتتعرض المعتقلات في مصر إلى جرائم وانتهاكات بالمخالفة للقانون منها: "الإخفاء القسري، والتعذيب، وتحليل الحمل للفتيات، والإهانة والسب، ومنع الزيارات والمراسلات لسنوات، والحبس الاحتياطي المطول، والتدوير المتكرر، والتجريد من المتعلقات الشخصية، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب، وفرض ملابس السجن الشفافة، والتفتيش العاري، وعدم وجود فوط صحية، وکشوف العذرية".



الخط الأحمر ودائرة الانتقام
وتقول مديرة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، هبة حسن، لـ"عربي21"، إن "معاناة المصريات بشكل عام كجزء من المجتمع تتزايد يوميا مع تزايد الفساد والانهيار الاقتصادي والمجتمعي وما خلفه من مشكلات وأزمات".

وتضيف: "تتزايد المعاناة مع الاضطهاد الأمني، لصاحبات الرأي، والمدافعات عن حقوق الإنسان، ولمن تشارك رأيها بمواقع التواصل الاجتماعي، ولمن تعاطفت بجمع التبرعات لأطفال غزة، ومن كان ذنبها مساعدة أسرة معتقل، أو أنهن زوجات وبنات معتقل أو سياسي مطارد".

وتؤكد أن "تصاعد الحملة الشرسة على النساء، وكم الاعتقالات الأخيرة وتخطى الأعداد 1000 امرأة معتقلة حاليا -تقدير أولي- يعبر عن واقع نظام يزداد شراسة وظلما، وتخطى الخط الأحمر وهو النساء، فأدخلهن دائرة انتقام لم يسلم منها أحد، وطالت موالين فكروا في الاعتراض".

مستوى مخيف من القمع
وفي حديثها لـ"عربي21"، تؤكد مدير البرامج بـ"المنبر المصري لحقوق الإنسان"، ومقره باريس، الحقوقية سمر الحسيني، أنه "لا يوجد أرقام واضحة لعدد السجينات السياسيات، لكن الحكومة تواصل الانتهاكات بحق المرأة، واضطهاد المدافعات عن حقوقها، والتشهير، والتنكيل بهن، بوسائل قانونية وغير قانونية".

وتوضح أن "نساء مصريات ومنهن مدافعات عن الحقوق والحريات يعانين بالسجون، وبمقدمتهن المحامية هدى عبدالمنعم، والمترجمة مروة عرفة، وسيدة الأعمال حسيبة محسوب، وثلاثتهن نماذج فجة لكيفية تفنن النظام باستهداف المدافعات عن حقوق الإنسان والنساء استهدافا لشخصهم أو بسبب عائلاتهن".

وتضيف: "بحالة هدى عبد المنعم، نحن أمام سجن محامية كبيرة وحقوقية عضو سابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان منذ 2018؛ ولكن الدولة تواصل التنكيل بها، ورغم انقضاء فترة عقوبتها لم يتم الإفراج عنها حتى مع تدهور حالتها الصحية، بل جرى تدويرها بقضتين وتجري محاكمتها بذات التهم، ما يعد تناقضا ومبادئ العدالة".

الكاتبة والمحامية والناشطة المصرية في الدفاع عن حقوق الإنسان، تواصل: "ومروة عرفة، باحثة ومترجمة ليس لديها أنشطة تجعلها ندا وتدفع الدولة للتنكيل بها، بهذه الطريقة، وحرمانها من طفلتها وحرمان طفلة من أمها منذ 2020، بجانب تدهور حالتها الصحية".

وتلفت الحسيني، إلى "النموذج الثالث: حسيبة محسوب، سيدة الأعمال التي لم تنخرط بالعمل السياسي، لكن تم اعتقالها منذ 2019، فقط لقرابتها من الوزير الأسبق محمد محسوب، حيث يتم عقابه بالوكالة باحتجاز شقيقته، والتنكيل بها ما أدى لتدهور حالتها الصحية"، وتؤكد أن "هذا مستوى مخيف من قمع النظام للمدافعات عن الحقوق والحريات، وللسجينات السياسيات، ودون سند قانوني".

مرحلة حزينة ومخيفة وغير آمنة
وتشير الحسيني، إلى أن "مصر مصنفة كدولة غير آمنة للنساء"، ملمحة إلى أنه "بالشهور الأخيرة وثق (المنبر المصري)، لحالات كثيرة من ترهيب وتهديد عائلات نشطاء المهجر المقيمين في الداخل، ومهاجمة منازلهم والتحقيق مع سيدات ورجال والقبض عليهم واحتجازهم لفترات مطولة".

وتصف الوضع قائلة: "نحن في مرحلة حزينة فيما يتعلق بوضع المرأة، ونحن هنا نتكلم فقط عن القمع الأمني ولا نتكلم عن المشاكل القانونية الهيكلية، مع ما لدينا من مشاكل بقانون الأحوال الشخصية، وعدم وجود قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة".

وتؤكد أن "النظام لا يألو جهدا لتطوير أدوات قمعه تجاه المرأة، ناهيك عما جرى بالانتخابات البرلمانية مؤخرا، وما حدث لمرشحات من تضييق وترهيبهم بالبلطجية"، خاتمة بالقول: "نحن في لحظة مخيفة".

دعوات ومناشدات.. وصمت حكومي
وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، دشن حزب "تكنوقراط مصر"، حملة مطالبة بإنهاء احتجاز جميع النساء بالسجون المصرية، محذرا من تفاقم أوضاعهن الصحية والمعيشية، ومناشدًا القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية بالضغط لأجل الإفراج عن جميع المعتقلات.

وتتابع دعوات حقوقية أخرى للإفراج عن المعتقلات وبينهن: الحاجة سامية شنن، وسلسبيل الغرباوي المعتقلتين منذ 2013، ورباب عبدالمحسن 2016، وسمية ماهر حزيمة 2017، وعائشة خيرت الشاطر وأمل عبد الفتاح إسماعيل منذ 2018، ومنار أبوالنجا 2019، ونرمين حسين 2020.

والمعتقلات في قضية واحدة أسماء عبدالرؤوف، واستشهاد كمال، والزهراء محمد أحمد، وأسماء عبدالرحمن منذ 2020، وهدى عبدالحميد 2021، وأسماء ناجي وآية كمال الدين عام 2022، ونجلاء فهمي ورباب العجرودي 2023، وآمال عبدالسلام، وشقيقتها غادة، وريهام ناصر منذ أيار/ مايو 2024، ومروة أبوزيد منذ نيسان/ أبريل الماضي.

أحدث الانتهاكات
وتواصل قوات الأمن المصرية اعتقال النساء بشكل مكثف، وفق ما أكده المدير التنفيذي لمؤسسة "جوار" الحقوقية عبدالرحمن البدراوى، 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حول "اعتقال نحو 70 سيدة وفتاة ثم إخفائهن قسريا، خاصة من محافظات الإسكندرية والدقهلية والشرقية".

وفي 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ووفق توثيق حقوقي، اعتقلت قوات الأمن المحامية روفيدة محمد السيد، من الزقازيق -مسقط رأس الرئيس الراحل محمد مرسي- وعاصمة الشرقية أكثر المحافظات تعرضا للاعتقال، ومطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتقلت قوات الأمن عبير قاسم عبدالعزيز، والدة المعتقل منذ 12 عاما أنس النجار، ليتم بعد ذلك بأسبوع إعادة اعتقال الصحفية صفاء الكوربيجي، للمرة الثانية.

وتشكو زوجات وبنات المعتقلين من تعرضهن للاستنزاف المالي، وللكثير من المخاطر للوصول إلى مقار السجون النائية المعتقل بها أزواجهن وأبنائهم وآباءهن، إلى جانب المعاملة السيئة والتنكيل والإهانة قبل الزيارة، إلى جانب التحرش من قبل أمن السجون وخاصة سجن المنيا بصعيد مصر.


وفي سياق الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مصر،  تعرضت المحامية مرام سامي عبداللطيف، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للاعتداء من قبل ضابط شرطة داخل محكمة كوم حمادة بمحافظة البحيرة (غرب القاهرة)، وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، اشتكت الناشطة السياسية أسماء محفوظ،  من منعها من السفر مدة 12 عاما بالمخالفة للمادة (62) من الدستور.