ملفات وتقارير

فرنسا تكسر جمود الزيارات.. مساعٍ لإحياء العلاقات مع الجزائر بعد أشهر من القطيعة

تزامنت الزيارة مع قرار العفو الرئاسي في الجزائر عن الكاتب بوعلام صنصال، الذي جعلته باريس رمزاً من رموز الأزمة الأخيرة بفعل ضغوط اليمين المتطرف.. الأناضول
في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ أشهر القطيعة الدبلوماسية، وصلت الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن ماري ديكوست، أول أمس الخميس، إلى الجزائر على رأس وفد دبلوماسي رفيع، في زيارة تحمل طابعاً عملياً ورسائل سياسية متبادلة بين البلدين، بعد توقف كامل للزيارات الرسمية منذ نيسان/ أبريل الماضي.

وقالت الخارجية الفرنسية إن الزيارة تهدف إلى "بحث سبل استئناف التعاون بين البلدين"، من دون تقديم تفاصيل إضافية، باستثناء الإشارة إلى ثلاثة محاور أساسية: الهجرة، التعاون الأمني، والملفات الاقتصادية. وهي ملفات تُعدّ الأكثر حساسية في العلاقات الثنائية، وارتبطت خلال الأشهر الماضية بتوترات متعددة المستويات.

صحيفة لوموند الفرنسية كشفت أن باريس تسعى من خلال هذه الخطوة إلى "إعادة الحياة للعلاقات الثنائية"، خصوصاً عبر استئناف العمل القنصلي، والاتفاق على آليات متابعة الملفات المعلّقة، وفي مقدمتها إعادة اعتماد الموظفين القنصليين، وعودة السفراء، والزيارة المرتقبة لوزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز، إلى جانب ملف الجزائريين الصادر بحقهم قرارات مغادرة الأراضي الفرنسية.

هل ترتبط الزيارة بالعفو عن بوعلام صنصال؟

تزامنت الزيارة مع قرار العفو الرئاسي في الجزائر عن الكاتب بوعلام صنصال، الذي جعلته باريس رمزاً من رموز الأزمة الأخيرة بفعل ضغوط اليمين المتطرف. ورغم ما اعتبرته دوائر فرنسية "مؤشراً إيجابياً"، إلا أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف نفى وجود أي علاقة بين الحدثين، مؤكداً أن "العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية أكبر من هذا الشخص، ولا يجب منحه أكثر مما يستحق".

وبحسب تصريح عطاف خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، فإن الجزائر تفصل بشكل واضح بين المسار القضائي المرتبط بصنصال وبين مسار العلاقات الثنائية، ما يعني أن زيارة ديكوست تمت وفق ترتيبات سابقة ومسارات دبلوماسية لا علاقة لها بالعفو الرئاسي.

ملفات ثقيلة وأزمة لم تُغلق بعد

ورغم مؤشرات الانفراج المحدودة، إلا أن الأزمة بين الجزائر وباريس لا تزال قائمة بملفاتها المعقدة، ومنها:

ـ سجن دبلوماسي جزائري في فرنسا العام الماضي إثر شكوى تقدم بها رعية جزائري.

ـ سحب السفيريْن وطرد دبلوماسيين من الجانبين.

ـ توقف التعاون القضائي وقضايا الهجرة المعقدة.

ـ تردد في استئناف التنسيق الأمني والاقتصادي.

هذه الملفات، وفق مراقبين، تجعل من زيارة ديكوست خطوة أولى فقط في طريق طويل لإعادة ترميم العلاقات.

مقاربة فرنسية جديدة.. وهدوء غير معتاد

وتُظهر الخطوة أيضاً تغيّراً في طريقة تعامل باريس مع الأزمة منذ إبعاد وزير الداخلية السابق برونو روتايو، الذي كان من مهندسي التصعيد. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن فرنسا أصبحت تتجه إلى مقاربة أكثر هدوءاً، وأقل حضوراً إعلامياً في إدارة الأزمة.

ومن أبرز المؤشرات على ذلك، استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للكاتب صنصال في الإليزي بعيداً عن الأضواء، في سابقة نادرة في مشهد سياسي اعتاد استعراض هذه اللقاءات أمام الصحافة.

زيارة لفتح الطريق أم لترسيم خط رجعة؟

وبينما تُعدّ الزيارة مؤشراً واضحاً إلى اهتمام فرنسي كبير بإعادة تطبيع العلاقات، فإن النجاح سيعتمد على قدرة البلدين على تجاوز العقد العالقة، خصوصاً في قضايا الهجرة والتعاون القضائي، وإعادة بناء الثقة السياسية التي تضررت بفعل تصعيد متبادل خلال العام الماضي.

ومع استمرار الغموض، لا تزال الأنظار متجهة إلى ما إذا كانت هذه الزيارة ستفتح الباب لمرحلة إعادة ترتيب العلاقات، أم أنها مجرد خطوة أولى في سياق اختبار نوايا الطرفين قبل رفع مستوى التمثيل والزيارات الرفيعة.

وفي لندن اعتبر الخبير الأمني الجزائري كريم مولاي في حديث مع "عربي21"، أن العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية لن تعرف تقدما ملحوظا ولا جوهريا ما لم تراجع باريس موقفها من مصير الصحراء..

وقال مولاي: "غير صحيح أن ما يعرقل عودة المياه إلى مجاريها بين باريس والجزائر هو خلافات أمنية أو ديبلوماسية عابرة، وإنما جوهر الخلاف أن باريس ممثلة بالرئيس إيمانويل ماكرون انحازت إلى خيار الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط حلا أساسيا لملف الصحراء".

وأضاف: "النظام الجزائري يمكن أن يتعامل مع جميع الملفات بأريحية كاملة، إلا ملف الصحراء الذي يتعامل معه كقضية حياة أو موت، وهو مع الأسف موقف ليس بيد الجزائر ولا حتى بيد فرنسا بعد القرار الأممي الأخير".

ورجح مولاي، أن يقبل النظام الجزائري بالأمر الواقع، لا سياما بعد الضغوط الفرنسية لجهة التضييق على الديبلوماسيين الجزائريين، كما قال.