بينما تستعد
الجزائر للاحتفال بالذكرى الـ71
لاندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة، تعود اتفاقية الهجرة الموقعة بين الجزائر وفرنسا
عام 1968 إلى واجهة الجدل السياسي في باريس، بعد إعلان الجمعية الوطنية الفرنسية
(البرلمان) عن مناقشة مقترح لإلغائها الخميس المقبل، في خطوة تهدد بإعادة تأزيم
العلاقات بين البلدين، وسط تصاعد الخطاب اليميني المتطرف واستغلال ملف الهجرة
كورقة ضغط انتخابية.
اتفاقية 1968.. إطار قانوني للهجرة بعد
الاستقلال
وُقّعت اتفاقية الهجرة بين الجزائر وفرنسا
في 27 ديسمبر 1968، بعد ست سنوات من استقلال الجزائر، لتنظيم تنقّل وإقامة وعمل
المواطنين الجزائريين في الأراضي الفرنسية. وجاءت الاتفاقية في سياق تاريخي خاص،
إذ كانت
فرنسا تعتمد على اليد العاملة الجزائرية في إعادة إعمار اقتصادها بعد
الحرب، بينما حرصت الجزائر على حماية حقوق جاليتها المقيمة في فرنسا.
ومنحت الاتفاقية للجزائريين نظاماً قانونياً
خاصاً ومميّزاً مقارنة بجاليات الدول الأخرى، من حيث شروط الإقامة ولمّ الشمل
وتصاريح العمل، قبل أن تُجرى عليها عدة تعديلات لاحقة قلّصت من امتيازاتها، خصوصاً
بعد فرض التأشيرة عام 1986. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الاتفاقية موضع جدل سياسي متكرر
في فرنسا، حيث يستغلها اليمين واليمين المتطرف في حملاته الانتخابية، بينما
تعتبرها الجزائر جزءاً من التزامات باريس التاريخية تجاهها وجزءاً من الذاكرة
المشتركة بين البلدين.
تحوّل الاتفاقية إلى أداة ضغط سياسي
على مدار العقود الأخيرة، تحولت اتفاقية
1968 من إطار قانوني لتنظيم الهجرة إلى ورقة سياسية تستخدمها فرنسا أحياناً للضغط
على الجزائر في أوقات
التوتر بين البلدين. فقد شهدت العلاقة الثنائية عدة أزمات
دبلوماسية، أبرزها خلال السنوات الأخيرة، عندما استُخدمت ملفات التأشيرات وجاليات
الجزائريين في فرنسا كأداة للتأثير على موقف الجزائر من قضايا مثل ملف الصحراء
الغربية أو التعاون الأمني والاقتصادي.
ولم تفرغ التعديلات المتلاحقة على
الاتفاقية، وفرض قيود جديدة على الإقامة والعمل، فقط من مضمونها الأصلي، بل جعلتها
أداة رمزية وإعلامية تُوظَّف لتعزيز خطاب سياسي داخلي في فرنسا، خاصة من قبل أحزاب
اليمين واليمين المتطرف، التي تربط بين الهجرة والسيادة الوطنية والأمن الداخلي
لكسب أصوات الناخبين. في المقابل، ترى الجزائر أن هذه الممارسات تنتهك روح
الاتفاقية التاريخية وتستهدف زعزعة العلاقات الثنائية بعيداً عن أي أساس قانوني أو
حقيقي.
الجدل السياسي الفرنسي
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من نشر تقرير
برلماني أعدّه النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر، قدّر التكلفة المالية
للاتفاقية بنحو ملياري يورو سنوياً، زاعماً أن "الهجرة الجزائرية تمثل عبئاً
اجتماعياً وإدارياً على فرنسا"، في حين تؤكد الإحصائيات الرسمية أن فرنسا
تستفيد من عشرات الآلاف من الكفاءات الجزائرية، من بينها أكثر من 19 ألف طبيب
جزائري يعملون في المستشفيات الفرنسية، بينهم ستة آلاف تلقوا تكوينهم الجامعي في
الجزائر.
ويقود المبادرة حزب التجمع الوطني بزعامة
مارين لوبان، بدعم من أحزاب يمينية ووسطية تطالب بمراجعة شاملة للاتفاقية، في سياق
سياسي محتدم يسعى فيه اليمين إلى تحقيق مكاسب انتخابية عبر تغذية خطاب التخويف من
المهاجرين وربط الهجرة بالهوية والأمن والأوضاع الاقتصادية.
تصريحات النائب الجزائري
ومن الجانب الجزائري، قال النائب في المجلس
الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني، ناصر بطيش، في تصريح لصحيفة "الخبر"
الجزائرية نشرته أمس الاثنين، إن "من المؤسف أن يلجأ بعض النواب الفرنسيين
إلى المطالبة بإنهاء العمل باتفاقية الهجرة الموقعة سنة 1968 بين الجزائر وفرنسا،
في وقت يعرف الجميع أنها أُفرغت من محتواها الأصلي بفعل التعديلات المتتالية التي
جرت عليها منذ عقود، والتي أخلّت بتوازنها وروحها الأولى".
وأضاف بطيش أن "الحديث اليوم عن مراجعة
الاتفاقية لا يقوم على أساس قانوني أو واقعي، بل يعكس نزعة سياسية ضيقة توظف فيها
العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية لخدمة أجندات انتخابية داخلية".
البعد الرمزي والربط بخلاف الصحراء
ويأتي هذا التطور في توقيت حساس بالنسبة
للجزائر، التي تستعد لإحياء ذكرى اندلاع ثورتها التحريرية، إذ رأت صحيفة
"الخبر" في تقريرها، أن اختيار هذا الظرف الرمزي لمناقشة ملف الهجرة
يعكس استمرار "العقدة الاستعمارية" لدى بعض الأوساط الفرنسية ومحاولات
إعادة إنتاج خطاب الوصاية التاريخية.
ويُذكر أن الخلاف العميق بين الجزائر وباريس
تفجّر بالأساس بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لخيار الحكم الذاتي
الذي يطرحه المغرب لحل قضية الصحراء، وهو الموقف الذي اعتبرته الجزائر انحيازاً
واضحاً للموقف المغربي ومساساً بمبدأ الحياد الفرنسي في هذا الملف الحساس.
وختم النائب بطيش، في تصريحه لـ"الخبر"،
قائلاً إن "الجزائر، التي استرجعت سيادتها بفضل تضحيات جسيمة، لن تقبل بأي
خطوة تمس بحقوق جاليتها أو بمحاولات إعادة صياغة العلاقة الثنائية خارج إطار
الندية والسيادة الكاملة"، مضيفاً أن "الشعب الجزائري، وهو يحتفل بذكرى
أول نوفمبر، لا يفرّط في كرامته، ولا يسمح باستغلال رموزه الوطنية في لعبة سياسية
عابرة".