فوز زهران
ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك ليس مجرد فوز لشاب مسلم من
أصول هندية، وُلد في أوغندا ونشأ في الولايات المتحدة، بل هو حدث يتجاوز حدود
الشخص ليعكس حيوية نظام ديمقراطي حيّ قادر على تجديد نفسه، وإنتاج قيادات
شبابية،
وإتاحة الفرصة لصوت جديد يتقدم بثقة نحو سدة القيادة في مدينة عالمية كبرى.
إنه انتصار لفكرة قبل أن يكون انتصارا لفرد؛ فكرة أن
الديمقراطية ليست
طقوسا شكلية، بل بيئة مفتوحة تسمح بالتغيير، وتفسح الطريق أمام الحركة نحو غد
أفضل، وتمنع الركود الذي كثيرا ما يُسوَّق باسم الاستقرار.
شعبٌ لا يخاف التغيير
هذا الفوز أيضا مرآة لشعب لا يهاب التغيير برغم ما يحمله من مخاطر، شعب
تعلم بالتجربة والممارسة أن الخوف من التغيير لا يصنع تقدما، وأن الشجاعة في
اختيار الجديد قد تكون بوابة النهضة.
انتصار لفكرة قبل أن يكون انتصارا لفرد؛ فكرة أن الديمقراطية ليست طقوسا شكلية، بل بيئة مفتوحة تسمح بالتغيير، وتفسح الطريق أمام الحركة نحو غد أفضل، وتمنع الركود الذي كثيرا ما يُسوَّق باسم الاستقرار
وُضع الناخب الأمريكي أمام خيارين: حاكم سابق تسندُه خبرته السابقة، وبيروقراطية مركزية تدعمه، ويُسَوِّق
نفسه بالتخويف من المنافس الشاب، ويَعِد باستمرار الوضع القائم باسم الاستقرار؛ وفي المقابل، شاب طموح يحمل روحا إصلاحية، يؤمن بالتجديد والتغيير
والخدمة العامة، ويحمل معه أيضا مخاطر قلة الخبرة، وخروجه عن الخط السياسي
المألوف، ومخاطر اصطدامه مع لوبيات السياسة والمال، فاختار الشعب التغيير.. واختار
المستقبل.
التعليم بوابة الوعي السياسي
ممداني صنيعة شعب لا يرى السياسة رجسا من عمل الشيطان، ولا يراها نشاطا
نخبويا محظورا على الشباب، ولا قضية مؤجلة لما بعد التخرّج والعمل.
ممداني تشكَّل في أروقة المدرسة والجامعة؛ هناك، حيث يُسمح للطلاب
بالتفكير والمشاركة والمبادرة، وحيث النشاط السياسي جزء من تكوين الشخصية المدنية
وليس خطيئة أو تهمة.
في جامعة بودوين، شارك ممداني مبكرا في العمل العام، وأسّس فرعا لحركة "طلاب
من أجل العدالة في فلسطين"، وساند مبادرات المقاطعة الأكاديمية المناهضة
للسياسات الإسرائيلية، إيمانا منه بالحرية والعدالة والحقوق الإنسانية.
المدرسة والجامعة في الدول الحرة المتقدمة ليستا مجرد مؤسستين
معرفيتين، بل محطتان لتشكيل الوعي وبناء المواطن الفاعل، وتكوين جيل قادر على
القيادة والمساءلة واتخاذ القرار.
وما زلت أتذكر دهشتي حين رأيت جامعة فرايبورغ الألمانية بلا أسوار،
وحين سألت أحد الأساتذة العرب هناك قال: "في الغرب يرون الجامعة مؤسسة خدمة
عامة، ومختبرا لصناعة المواطن الواعي، لا ثكنة مغلقة تخشى طلابها".
شعب لا يخاف من الحرية
فوز زهران ممداني هو ثمرة لشعب لا يخاف من الحرية، شعب ليس فيه
ليبراليون يخافون من الحرية لأنها قد تأتي بالإسلاميين، وإسلاميون يخافون من
الحرية لأنها قد تجلب الانحلال، وحكام يخافون من الحرية لأنها قد تغري الشعب على
التمرد، وشعب يخاف من الحرية لأنه اعتاد عيش الرعية، ورب أسرة يخاف من الحرية قلقا
من انحراف أبنائه.
الديمقراطية تفتح الباب للتغير وفق آليات تحفظ كيان الدولة، والكبت
والقهر يؤدي إلى التغيير بالانقلابات والثورات والعنف المدمر.
والشباب هم ثروة الأمم، وقوتها الدافعة، وأملها في مستقبل أفضل. والحرية
مسؤولية كبيرة.. ومن لا يقوى على تحملها سيبقى دائما أسير الخوف، محروما من النهوض.