سياسة عربية

الاحتلال يواصل الإبادة في غزة بوتيرة أقل ضجيجا.. "قتل 10 فلسطينيين يوميًا"

استشهاد 219 فلسطينيًا من بينهم 85 طفلًا وإصابة نحو 600 آخرين منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار- جيتي
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، ولكن بوتيرة أقل ضجيجًا، وبمنهجية جديدة تقوم على خرق وقف إطلاق النار بشكل يومي عبر قصف محدود، يتطور كل بضعة أيام إلى حملات قصف واسعة تستهدف المدنيين في مراكز النزوح والمنازل والخيام.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان له، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ منذ بَدْء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سياسة التصعيد المتدرج، فيتحول من قصف متقطع إلى موجات إبادة واسعة، وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الجيش الإسرائيلي شنت هجمات تسببت باستشهاد 219 فلسطينيًا، من بينهم 85 طفلًا، منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار، بمعدل قتل يزيد على 10 فلسطينيين يوميًا وإصابة نحو 600 آخرين، بواقع إصابة 28.5 يوميًا، وهي معدلات مرتفعة وتدلل على أن "إسرائيل" لم تتوقف عن منهج القتل الذي بدأته قبل أكثر من عامين.


وبيّن الأورومتوسطي أنه إلى جانب إطلاق النار والقصف اليومي، نفذ الجيش الإسرائيلي موجتي عدوان كبيرتين، أولاهما يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أسفرت عن استشهاد 47 فلسطينيًا، بينهم 20 طفلًا و6 نساء، وثانيهما يوما 28 و29 تشرين الأول/أكتوبر، حيث استشهد خلالهما 110 فلسطينيين، بينهم 46 طفلًا و20 امرأة.


وأشار إلى أن القصف المدفعي وإطلاق النار ونسف المباني تكرر في اليومين الماضيين وحتى صباح الجمعة في الأحياء الشرقية لخانيونس جنوبي القطاع وفي مدينة غزة، ما يشير إلى أن "إسرائيل" تسعى لتكريس أمر واقع جديد تبيح فيه لنفسها باستمرار أعمالها الحربية في المنطقة التي تسيطر عليها في قطاع غزة، والتي تمثل نحو 50 بالمئة من مساحة القطاع، وإخراجها من معادلة وقف إطلاق النار، رغم أن كل ذلك يجري دون أعمال قتالية أي تنفيذ عمليات بهدف التدمير وإعدام سبل الحياة مستقبلًا.

واقع مدمرٍ بالكامل
ووثّق المرصد تحرّكاتٍ لآليات الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا شماليّ قطاع غزة، حيث قامت بوضع كتلٍ إسمنتيةٍ صفراء في مناطق محددة كإشاراتٍ لتحذير السكان من الاقتراب منها، وأدّى ذلك إلى موجة نزوحٍ جديدةٍ شملت مئات السكان والنازحين الذين كانوا عادوا إلى المخيم وشرعوا بمحاولاتٍ لترتيب شؤون حياتهم وسط واقعٍ مدمرٍ بالكامل تقريبًا.

ونبه إلى أن فريقه الميداني وثق في موجة العدوان الواسعة الأخيرة يومي 28 و29 تشرين الأول/أكتوبر، عشرات الغارات التي افتقرت في مجملها لمبدأ الضرورة والتمييز، ما يؤكد أنها جاءت في إطار الانتقام والعقاب الجماعي والاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.


وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن هذه الجرائم لا تُعدّ حوادث منفصلة، بل تمثل نمطًا متعمّدًا يعكس توجهًا واضحًا لدى المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي نحو تقويض وقف إطلاق النار من خلال انتهاج سياسة "القتل المتقطع"، بما يُبقي العدوان العسكري في حالة استمراريةٍ دائمة، ويُتيح مواصلة جريمة الإبادة الجماعية تحت غطاء من الصمت الدولي والتواطؤ السياسي.


إعادة رسم الخريطة الجغرافية لغزة
وأكد المرصد أن أخطر ما يجري حاليًا هو ما يبدو كمخطط لإعادة رسم الخريطة الجغرافية لقطاع غزة، عبر فرض تقسيم فعلي بين شرقه وغربه، واقتطاع أجزاء واسعة من جنوبه (رفح) وشماله (بيت حانون وبيت لاهيا وأجزاء من مخيم جباليا)، وإقامة مناطق حمراء وصفراء تمنح فيها "إسرائيل" نفسها بدعم أميركي صلاحيات مطلقة في الاستهداف والتدمير.

وحذر بأن هذا التقسيم يؤدي عمليًا إلى تفكيك وحدة النطاق الجغرافي، وتحويل القطاع إلى مساحة غير قابلة للحياة، ودفع السكان نحو الهجرة القسرية باعتبارها الخيار الوحيد للبقاء، وبيّن الأورومتوسطي أن استهداف الخيام والمدارس التي تؤوي نازحين، وقتل الأطفال والنساء والصحافيين، يمثل انتهاكًا صارخًا لأحكام اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، ويؤكد نية مبيتة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا وبث الرعب في نفوس المدنيين.

تواطؤ المجتمع الدولي
وقال الأورومتوسطي، إن استمرار المجتمع الدولي في الصمت، وعجزه عن تفعيل أدوات المساءلة، يعني عمليًا منحه دولة الاحتلال ضوءًا أخضر لمواصلة القتل الجماعي، ويكرس مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية البطيئة التي تهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في القطاع، فيما طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عملية لفرض حماية فورية للمدنيين، ووقف جميع أشكال القصف والحصار، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وإطلاق آلية دولية للمساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة.

اعتراف أمريكي بانتهاكات الاحتلال
في سياق متصل، كشف تقرير رقابي للخارجية الأمريكية أن وحدات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان في قطاع غزة، التي قد تستغرق وزارة الخارجية سنوات لمراجعتها، وذلك وفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن اثنين من المسؤولين الأمريكيين.


وأضافت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها، أن هذه النتائج، التي توصل إليها مكتب المفتش العام بوزارة الخارجية الأمريكية "تعد المرة الأولى التي يعترف فيها تقرير للحكومة الأمريكية بحجم ما قامت به إسرائيل من أفعال في غزة، ويمكن أن تندرج ضمن نطاق قانون ليهي"، وهو القانون الأمريكي الذي يحظر تقديم مساعدات أمنية أمريكية للوحدات العسكرية الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان.

وأوضح المسؤولان للصحيفة أن عملية مراقبة هذه الانتهاكات، التي وضعتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة “تمنح إسرائيل ميزة على حساب دول أخرى تواجه ادعاءات مماثلة بانتهاكات حقوق الإنسان”.