رفضت هيئة حكومية
مصرية عرض شراء "إجباري مختلط" مقدم من شركة إماراتية للاستحواذ على كامل حصص أحد أكبر الكيانات الصناعية المدرجة بالبورصة المصرية، ما فتح بابًا للتساؤل عن دلالات ذلك الرفض، وحول مدى اعتباره خطوة تصحيح رسمية لمسار صفقات الاستحواذ بالسوق المحلية التي طالت بعضها الانتقادات.
وجاءت بداية الجدل بالسوق المحلي مع إعلان "
هيئة الرقابة المالية" الحكومية في مصر رفض عرض استحواذ شركة "ساجاس"
الإماراتية على كامل أسهم شركة "السويدي إليكتريك"، بقيمة 65 جنيهًا للسهم، ما دفع البورصة المحلية لوقف التداول على أسهم "السويدي"، التي تراجعت ثم عادت للصعود مع إعلان أسباب رفض الصفقة.
وأرجعت الهيئة الحكومية قرارها لعدة أسباب منها: "حداثة تأسيس الشركة عام 2023، وعدم مباشرتها نشاطًا تشغيليًا فعليًا"، مشيرة إلى أنها "لا تمتلك أصولًا تولد إيرادات بصورة مباشرة وتعتمد نتائجها بالكامل على أداء شركة (السويدي إليكتريك) ما يجعل أسهمها غير مستندة إلى سجل أداء مالي مستقل".
وأشار البيان إلى أن قبول العرض قد "يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المساهمين ويضر بحقوق الأقلية"، ملمحًا إلى أن "الشركة مقدمة العرض مساهم رئيسي غير مباشر بالشركة المستهدفة عبر ملكيتها لشركة تمتلك 18.87 بالمئة من الأسهم، ما يثير شبهة تعارض المصالح لتحقيق منافع غير متكافئة مع مساهمي الأقلية".
الشركة صاحبة العرض
و"ساجاس للاستثمار بي إل سي"، شركة قابضة تأسست في أبوظبي شباط/ فبراير 2023، وتم قيدها بسوق أبوظبي للأوراق المالية آب/ أغسطس 2025، وهي المالكة لشركة "إلكترا إنفستمنت هولدنج ريستركتد ليمتد" الإماراتية التي استحوذت على 20 بالمئة من أسهم "السويدي إليكتريك" في تموز/ يوليو 2024 (بقيمة 449 مليون دولار).
ومن خلال إفصاحات "سوق أبوظبي"، فإن رئيس مجلس إدارة "ساجاس" هو علي راشد محمد راشد الراشدي، الرئيس التنفيذي للشركة القابضة للموارد الدولية (IRH)، التابعة لمجموعة "إيه بوينت زيرو هولدينج ريستركتد ليمتد"، وهي المجموعة القابضة الناشئة في أبوظبي، والتي تُظهر الإفصاحات امتلاكها 99 بالمئة من أسهم "ساجاس".
وتأسست "ساجاس"، كجزء من مجموعة "إيه بوينت زيرو هولدينج ريستركتد ليمتد"، ما يفسر سبب عدم امتلاكها لنشاط تشغيلي وأصول مُولِّدة للإيرادات بشكل مباشر، كما ذكرت هيئة الرقابة
المالية المصرية، في أسبابها لرفض عرض الاستحواذ على "السويدي إليكتريك".
والهيئة العامة للرقابة المالية (FRA) تأسست عام 2009، وتتولى مهمة الإشراف والبت في عروض الاستحواذ على الشركات المقيدة في البورصة المصرية، ودورها "ضمان شفافية وعدالة صفقات الاستحواذ وحماية حقوق صغار المساهمين".
أهمية السويدي
من أهم الشركات المصرية في قطاعات عديدة حيث أسستها عائلة السويدي منذ عام 1938، وتعمل في 19 دولة أفريقية وآسيوبة، بصناعة: "الأسلاك والكابلات والملحقات، والمنتجات الكهربائية، والهندسة والإنشاءات، والحلول الرقمية، واستثمارات البنية التحتية"، وأهم أفرعها في مصر والسعودية وقطر والجزائر.
وشاركت "السويدي إليكتريك" بالمشروعات المصرية الكبرى، وأبرزها: توريد وتركيب المحولات والمكونات الكهربائية لـ"القطار السريع"، الممتد بين (العين السخنة على البحر الأحمر- العاصمة الإدارية- العلمين الجديدة على البحر المتوسط).
وإلى جانب تنفيذ وإمداد مشروعات شبكات الكهرباء بمناطق شرق العوينات بالصحراء الغربية، وتوريد المحولات الكهربائية للشبكة القومية، ومشروعات الطاقة المتجددة؛ وردت محولات لمنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية، ومنطقة "أكتوبر الصناعية"، مع إنشاء مصنع "كابلات اتصالات" هو الأكبر بالشرق الأوسط، وتُظهر النتائج المالية المجمعة لـ"السويدي إليكتريك" تحقيق أرباح بلغت 18.83 مليار جنيه بنسبة نمو 69 بالمئة، حيث ارتفعت إيراداتها إلى 231.98 مليار جنيه عام 2024.
تأثير القرار محليا
خبر رفض الرقابة المالية لعرض الشركة الإماراتية على أسهم "السويدي إليكتريك" الأحد الماضي، جاء سلبياً، حيث تراجع السهم بنسبة 0.12 بالمئة، مسجلاً 77.41 جنيه، "في تراجع محدود يعكس خيبة أمل قصيرة الأجل من رفض العرض، لكنه يُظهر ثقة المستثمرين في قوة الشركة الأساسية"، وذلك بحسب تقدير الخبير الاقتصادي محمد جابر.
جابر أكد عبر "فيسبوك" عدم تأثر "السويدي إليكتريك" برفض العرض، قائلاً إنها "تظل من أقوى الشركات الصناعية في مصر والشرق الأوسط، ومشروعاتها (خاصة في الجزائر وسفاجا بالبحر الأحمر) تضمن لها استمرار الزخم التشغيلي".
وقفز سهم "السويدي إليكتريك" في بداية تعاملات الاثنين، بأكثر من 3 بالمئة، مسجلاً نحو 80 جنيهاً، مدعوماً بثقة السوق في قرار الهيئة، وتاريخ الشركة التي تصل قيمتها السوقية وفقاً لبيانات البورصة المصرية
165.91 بليون جنيه.
وأشار العضو المنتدب لشركة "إيماك" محمد جابر، إلى نجاعة رفض الهيئة، ملمحاً إلى تأثير دخول الشركة الإماراتية (إليكترا) سابقاً في هيكل مساهمي (السويدي إلكتريك) منتصف 2024، موضحاً أنه "أدى إلى إعادة تشكيل الأسهم حرة التداول للشركة، مما تسبب في إخراجها من المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية كانون الثاني/ يناير 2025".
ويرى مراقبون أن رفض الهيئة للعرض الإماراتي لأسباب مثل "حداثة تأسيس الشركة"، و"عدم مباشرتها لنشاط تشغيلي فعلي"، وأنها "لا تمتلك أصولاً تولد إيرادات بصورة مباشرة"، و"تعتمد نتائجها بالكامل على أداء الشركة السويدي إلكتريك"، له دلالات خطيرة.
وقالوا إنه "يعني أنها شركة وهمية ليس لها قيمة"، متوقعين أن "تكون الصفقة ضمن جرائم غسيل الأموال"، مؤكدين أن "هذا الوضع جرى بحق الكثير من الصفقات"، وفق قول البعض، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
رفض العرض والاستثمارات الإماراتية
وأثار الرفض الرسمي المصري كذلك تساؤلات حول دلالاته، خاصة وأن عرض الشراء جاء من شركة إماراتية، تستحوذ شركات بلادها وصناديقها الاستثمارية والسيادية على المساحة الأكبر من الطروحات المصرية الحكومية والاستحواذات على الشركات الخاصة بالسنوات الأخيرة، ما دفع للبحث عن مدى تكرار هذا الرفض الرسمي المصري لاستحواذات إماراتية وخليجية سابقة، والتساؤل حول احتمالات تأثر الاستثمار الإماراتي في مصر بهذا القرار.
وفي شباط/فبراير 2022، تعثر عرض بنك "أبوظبي الأول" لشراء 51 بالمئة من مجموعة "هيرميس"، بعدما فرضت "الهيئة" مطالب جديدة على البنك الإماراتي دفعته لسحب العرض، وفق "بلومبيرغ"، ورفضت الهيئة العامة للرقابة المالية سابقا، عرض "ADM انترناشونال"، ومقرها شيكاغو بأمريكا، للاستحواذ على "الوطنية لمنتجات الذرة"، المصرية، تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، كما رفضت الهيئة، زيادة رأس مال "بريميم هيلثكير" جروب (سيتي لاب سابقا) للاستحواذ على 10 شركات للتحاليل والعيادات الطبية في مصر، كانون الثاني/ يناير 2025.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الاستثمار الإماراتي في مصر حوالي 37.6 مليار دولار عام (2023/2024)، ومنه صفقة "رأس الحكمة" المقدرة بـ35 مليار دولار، فيما تواصل القابضة (ADQ)، الصندوق السيادي لأبوظبي وباقي الشركات الإماراتية صفقات الاستحواذ على شركات مصرية، منها في شباط/فبراير 2022، استحواذ (ADQ) على حصص في 7 شركات مصرية مقابل 1.8 مليار دولار، في صفقة ضمت 18.5 بالمئة من "البنك التجاري الدولي"، و"أبو قير للأسمدة"، و"موبكو للأسمدة"، و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، وغيرها.
واستحوذت مجموعة "أغذية الإماراتية" على حصص أغلبية في شركات مثل: أطياب (75 بالمئة) وأبو عوف (60 بالمئة). وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وافقت هيئة الرقابة المالية على استحواذ (ADQ) على حصص مملوكة للدولة بشركات الحفر المصرية (25 بالمئة) وإيثيدكو (30 بالمئة) وإيلاب (35 بالمئة).
ثقة وتفاؤل
في المقابل، سادت حالة من الثقة والتفاؤل بين المستثمرين في السوق المحلي، بحسب مراقبين أكدوا أن الرفض الرسمي للاستحواذ على كامل أسهم شركة مصرية بسبب "شبهة تعارض مصالح لتحقيق منافع غير متكافئة بين جميع المساهمين" يمثل "حفاظاً حكومياً على مصالح صغار المستثمرين وأصحاب الحصص الأقل في الشركات، ما يزيد من حالة الثقة في السوق المحلي".
وتساءل البعض: هل هذا الرفض مؤشر على احتمال مراجعة الحكومة مواقفها أيضاً في ملف الطروحات الحكومية والتخلص من السلبيات والانتقادات التي تعرضت لها في هذا الملف، خاصة جزئية تسعير الأصول بقيم أقل من قيمها الأصلية؟
دراسة وافية ورد عاجل
وهنا يأتي حديث الباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي، إلى "عربي21"، مثمنا دور هيئة الرقابة المالية، موضحا أن "عرض الشركة الإماراتية كان لابد من رفضه"، ملمحا إلى أن "بيان الهيئة بدا أنه درس العرض بدقة شديدة وخلص إلى نتائج سريعة وأعلنها دون تأخير".
وأوضح أن "الرقابة كشفت أن الشركة صاحبة العرض أساسا هي مساهم رئيسي في شركة السويدي، بشكل غير مباشر، واشترت منتصف العام الماضي مجموعة أسهم عبر شركة مملوكة لها"، وأشار إلى أن "الهيئة استشعرت كذلك من تقديم هذا العرض، أن الشركة الإماراتية تبحث عن منفعة شخصية حيث اشترت أسهما بـ53 جنيها وتتقدم الآن بعرض بـ68 جنيها كي تنتفع بحركة السهم بعد تقديم العرض".
وأوضح أنه "بالتالي استشعرت الهيئة أن المسألة تنطوي على مصلحة شخصية للشركة مقدمة العرض بغض النظر عن كونها شركة إماراتية أو غير ذلك"، مؤكداً أنه "قرار يُشاد به، وبالهيئة التي لم يفرق معها شكل مقدم العرض ولا ماهيته، بقدر حرصها على ضبط السوق".
الحويطي، لفت أيضاً، إلى أن "إعادة الأسهم المتداولة لسهم السويدي في البورصة كانت أقل من 10 بالمئة، وبالتالي لو كانت الشركة الإماراتية قد تقدمت بعرض شراء على هذه الأسهم لكان يجب عليها أن تشطب نفسها من البورصة شطباً اختيارياً بعدما قلت أسهم التداول، والتي يجب أن تكون 10 بالمئة كحد أدنى لإتمام الاستحواذ".
وأكد أنه "بالتالي فإن قبول هيئة الرقابة المالية للعرض أو تنفيذه كان سيسبب خللاً في عمليات قيد وشطب الأسهم أو الأوراق المالية بالبورصة المصرية، خاصة وأن التداول الحر لسهم السويدي أقل من 10 بالمئة". وبَيَّنَ أن "قرار الهيئة سليم، لأن الشركة مقدمة العرض ذات صلة، ومساهم رئيسي، وحصلت على حصة العام الماضي من أسهم السويدي، وهي شركة حديثة وليست مساهماً في أنشطة أخرى، وكل ما تمتلكه 18 بالمئة من أسهم السويدي، ما يجعله عرضاً غير منضبط في نظر الهيئة، وينم على أنها مسألة للتأثير على سعر السهم في البورصة المصرية".
وأشار الكاتب الاقتصادي إلى أن "رفض الهيئة استحواذ الشركة الإماراتية ليس الأول، وأن هناك عروضًا سابقة تم رفضها لعدم جديتها أو عدم صلاحيتها أو عدم تواؤمها مع قانون سوق رأس المال"، مبيناً أنه سبق لها التحفظ على عرض بنك (أبوظبي الأول) لشراء أسهم شركة (هيرميس) عام 2022".
ويرى الباحث المصري أن هذا القرار ينعش حضور أصحاب الملكيات والحصص الأقلية في الشركات ويؤكد على عدم تجاهل الدولة لحقوقهم، ويؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين في دور الحكومة المصرية في حماية حقوق الأقلية في السوق، ومنها قواعد التصويت في الجمعية العمومية بالتصويت التراكمي لأصحاب الأقلية.