صحافة دولية

ما هي استراتيجية الصين طويلة المدى للضغط على واشنطن؟

تستحوذ الصين على نحو 70 بالمئة من عمليات استخراج المعادن النادرة عالميًا- جيتي
تستغل الصين هيمنتها الساحقة على سوق المعادن النادرة كأداة للضغط الاقتصادي في محاولة لانتزاع تنازلات من الرئيس دونالد ترامب في خضم حرب الحرب التجارية بين البلدين.

وجاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" ترجمته "عربي21"، أن التحرك الصيني في مجال المعادن النادرة لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز النفوذ الاقتصادي ومواجهة القيود الأمريكية على رقائق الحواسيب والتقنيات المتقدمة الأخرى، وهي إجراءات تعتبرها بكين عائقًا أمام تطورها التكنولوجي.

وأوضحت الصحيفة أن إعلان الصين المفاجئ يوم الخميس عن توسيع قيود تصدير المعادن النادرة -قبل أسبوعين من اللقاء المرتقب بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ- فاجأ البيت الأبيض، إذ وصفه ترامب بأنه جاء "من دون مقدمات".


وقالت الصحيفة إن بكين وسّعت هذا العام قيود تصدير هذه المعادن بشكل كبير ردًا على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وبلغت هذه الإجراءات ذروتها من خلال القواعد الجديدة التي أعلنتها بكين الأسبوع الماضي.

اعتبارًا من 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، سيخضع 12 معدنا نادرا من أصل 17 لقيود تصدير، وستُفرض قيود إضافية على بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وعلى المواد الفائقة الصلابة المستخدمة في معدات الحفر.

وحسب الإجراءات الجديدة، باتت الشركات الصينية مطالبة بالحصول على تراخيص لتصدير معدات استخراج المعادن النادرة.

ومن أهم القيود -وفقا للصحيفة- هو شرط الترخيص العالمي الذي سيبدأ تطبيقه في 1 كانون الأول/ ديسمبر القادم، حيث يتعين على الشركات حول العالم الحصول على موافقة بكين لتصدير مغناطيسات المعادن النادرة أو المواد شبه الموصلة التي تحتوي على نسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.1% من المعادن الخاضعة للرقابة والتي مصدرها الصين.

وترى الصحيفة أن هذه القيود تشير إلى رغبة بكين في إلغاء شامل للقيود الأمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية، وليس مجرد تخفيف الرسوم الجمركية.

وقد عملت الولايات المتحدة منذ ولاية ترامب الأولى، بالتعاون مع شركائها الدوليين، على تقليص وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة المطورة أميركيًا، وكذلك المعدات والمعرفة اللازمة لتصنيعها.

وقد تجاوز النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة مسألة القيود على تصدير التكنولوجيا والمواد الخام، إذ بدأ البلدان يوم الثلاثاء فرض رسوم إضافية متبادلة على السفن، إلا أن القيود التكنولوجية باتت -حسب الصحيفة- محورًا بالغ الأهمية في مفاوضات خفض الرسوم الجمركية.

وترى ليلى خواجة، المحللة في شركة "غافيكال" للأبحاث، ومقرها هونغ كونغ، أن المعادن النادرة تُعد "ورقة الصين الرابحة"، وأنه لا شيء آخر يمكن أن يجعل الولايات المتحدة تتراجع عن سياساتها.

ولفتت الصحيفة إلى أن إعلان الصين الأخير فجّر موجة جديدة من التصعيد والمناورات بعد هدنة هشة تم التوصل إليها خلال ثلاث جولات تفاوضية في الصيف.

وقد هدّد ترامب يوم الجمعة بإلغاء لقائه المرتقب مع شي وفرض رسوم إضافية بنسبة 100 بالمئة على السلع الصينية بدءًا من الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، لكنه خفف من لهجته يوم الأحد، واصفًا الإجراءات الصينية بأنها "لحظة انفعال" من الرئيس الصيني.

وصرح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت يوم الإثنين بأن التوترات "انخفضت بشكل كبير"، وأن ترامب لا يزال يعتزم لقاء شي خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر الجاري.

من جهتها، أكدت وزارة التجارة الصينية يوم الثلاثاء وجود "مجال واسع للتعاون" مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن البلدين "قادران على إيجاد حلول للمشكلات القائمة".

وأشارت الصحيفة إلى أن بكين لم تُظهر أي نية للتراجع عن قيود تصدير المعادن النادرة، بل قلّلت من تأثير هذه الإجراءات، واعتبرتها محاولة مشروعة لمنع استخدام هذه المواد في تطبيقات عسكرية قد تقع في الأيادي الخاطئة.

ويرى بيل بيشوب، الخبير في الشأن الصيني، أن هذا الموقف قد يكون سياسيًا إلى حد ما، حيث أن ترامب أشار إلى الرئيس شي بالاسم واعتبر أنه ارتكب خطأ، لذلك أصبح من الصعب على بكين التراجع حتى لو أرادت ذلك.

استراتيجية طويلة المدى
ويقول يعقوب غونتر، المحلل في معهد ميركاتور للدراسات الصينية في برلين، إن الرئيس شي دعا مرارًا إلى استخدام تفوق الصين في الصناعات الإستراتيجية كسلاح حاسم في النزاعات.

وأضاف غونتر تعليقًا على القيود الجديدة: "لا يمكن تفسير هذه الخطوة إلا بأنها إعلان نية من بكين للسيطرة على تدفقات التكنولوجيا الحديثة".

ونقلت الصحيفة عن محللين صينيين، أن القواعد الجديدة التي تُلزم الشركات حول العالم بالحصول على تراخيص لتصدير منتجات تحتوي على نسبة ضئيلة من المعادن النادرة الصينية، تهدف إلى القضاء على أي محاولة للالتفاف على قيود التصدير.

وقال باحث في مركز حكومي صيني، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن "الهدف الأساسي هو سدّ الثغرات"، مضيفًا أن "الجولة الجديدة من القيود ليست إجراءً مؤقتًا، بل خطوة أساسية لبناء إطار حماية طويل الأمد لصناعة المعادن النادرة في الصين".

وتهدف القيود الجديدة جزئيًا إلى منع دول مثل ماليزيا وميانمار وكازاخستان من التعاون مع الولايات المتحدة لبناء سلاسل توريد بديلة تتجاوز الصين.

وقد هاجم محللون صينيون في الفترة الأخيرة باكستان بسبب معالجتها للمعادن النادرة لصالح شركة أمريكية مقرها ولاية ميزوري، باستخدام معدات صينية.