سياسة دولية

"أنتيفا" بين السياسة والأيديولوجيا.. ما هي الحركة اليسارية التي صنفها ترامب بالإرهاب؟

ترامب يصنف "أنتيفا" منظمة إرهابية محلية ويثير جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة - أرشيف
في خطوة أثارت جدلا واسعا في الولايات المتحدة، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا، نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، يُصنف بموجبه حركة "أنتيفا" اليسارية ضمن التنظيمات الإرهابية المحلية.

وأكد البيت الأبيض أن هذا القرار يأتي في إطار جهود الحكومة لمكافحة ما وصفته بـ"العنف والفوضى التي تمارسها الجماعات المتطرفة اليسارية"، مشيرا إلى أن حركة "أنتيفا" تمثل تهديداً مباشرًا للنظام القضائي وأجهزة إنفاذ القانون والحكومة الأمريكية.

ووصف ترامب الحركة بأنها "تنظيم عسكري فوضوي يدعو صراحة إلى الإطاحة بالحكومة"، معتبراً أنها تستخدم الكراهية والترهيب لتحقيق أهدافها السياسية.

وكان الرئيس قد أعلن، في وقت سابق عن نيته إدراج الحركة على القائمة السوداء، واصفا إياها بـ"كارثة يسارية متطرفة مريضة وخطيرة"، معتبرا أنه يجب التحقيق بشكل شامل في ممولي الحركة وفق أعلى المعايير القانونية.


النشأة والتطور
تنتمي حركة "أنتيفا" إلى تيارات يسارية مناهضة للفاشية والرأسمالية، ويمثل مصطلحها اختصاراً من كلمتين إنجليزيتين: ANTI بمعنى "ضد"، وFA بمعنى "الفاشية"، وهو ما يعكس الهدف المركزي للمجموعة في محاربة أي شكل من أشكال التطرف اليميني أو الفاشي. 

وتاريخيا، يمكن إرجاع جذور الحركة إلى منظمة العمل المناهض للفاشية التي أسسها الحزب الشيوعي الألماني عام 1932 لمقاومة صعود الحزب النازي، وتطورت لاحقاً في المملكة المتحدة خلال أربعينيات القرن الماضي للتصدي للحركات اليمينية المتطرفة، قبل أن تظهر لأول مرة في الولايات المتحدة في مدينة منيابولس بولاية مينيسوتا عام 1987 لمواجهة جماعات "النازيين الجدد".

ويربط بعض الباحثين ظهور الحركة في الولايات المتحدة بمهاجرين ألمان مناهضين للفاشية في الثلاثينيات، فيما يرى آخرون أنها نمت من جماعات "حليقي الرؤوس" المناهضة للعنصرية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ومن بينها مناصرين لفرق موسيقى البانك روك، في إطار جهودهم لمنع النازيين الجدد من التجنيد والتأثير على الشباب.

النشاط والتكتيكات
يتحرك ناشطو "أنتيفا" عادة في مجموعات صغيرة ويرتدون ملابس سوداء وأغطية للوجه وأوشحة لإخفاء هويتهم. ويستخدمون العلمين الأحمر والأسود، الأول رمز الثورة البلشفية، والثاني رمز الحركات المناهضة للدولة والرأسمالية.

وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المشفرة أدوات رئيسية للتنظيم والتنسيق، إذ يستخدمونها لإطلاق الدعوات إلى الاحتجاجات، ومواجهة التجمعات اليمينية المتطرفة، وتنسيق شبكاتهم اللامركزية.

وتؤمن الحركة بأيديولوجيا يسارية متطرفة معادية للرأسمالية والنيوليبرالية، وتتبنى مواجهة ما تصفه بـ"اليمين المتطرف" بأساليب قد تتضمن العنف، شريطة ألا يصل إلى القتل أو سفك الدماء، وفق بيانات الحركة الرسمية.

ويرى أنصارها أن أفعالهم تمثل رد فعل طبيعي على تنامي الجماعات اليمينية في الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد صعود ترامب إلى البيت الأبيض، والذي اعتبروه داعماً للتيارات اليمينية المتطرفة.


الجدل القانوني والسياسي
اتهم ترامب ومؤيدوه الحركة بالمسؤولية عن أعمال العنف خلال الاحتجاجات في المدن الأمريكية، بينما يؤكد منتقدو القرار أن هذه الاتهامات مبالغ فيها، وأن الحركة تفتقر إلى هيكل تنظيمي مركزي، وتعمل عبر خلايا لامركزية تقوم بالتنسيق فيما بينها.

وفي المقابل، أشار تقرير وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفدرالي عام 2016 إلى أن الحركة "منظمة لامركزية ومنتشرة عبر خلايا صغيرة"، وغالباً ما تخطط لأعمالها العنيفة أسبوعياً.

ومن أبرز الأحداث التي ارتبطت بها الحركة مواجهات مع اليمين المتطرف في كاليفورنيا وشارلوتسفيل، إضافة إلى الاحتجاجات التي شهدتها جامعة كاليفورنيا، واحتجاجات "حياة السود مهمة" التي أعقبت وفاة جورج فلويد عام 2020.

كما اتهمت السلطات الأمريكية الحركة بمحاولة تفجير مركز احتجاز تابع لهجرة الولايات المتحدة في واشنطن عام 2019، واستخدام أسطوانات غاز بروبان، بينما نُفي تورطهم في العديد من الحوادث الأخرى، حسب تقارير رسمية.

وفي السياق نفسه، أكد ترامب أن أعضاء الحركة ومنظمو الاحتجاجات الفوضوية مسؤولون عن "الإرهاب المحلي" الذي شهدته الولايات المتحدة، وهو ما دفع بعض النواب الجمهوريين لتقديم مشاريع قرارات غير ملزمة لتصنيف الحركة منظمة إرهابية محلية، بينما دعا بعض المسؤولين إلى استخدام القوة العسكرية للتصدي لها.

وتؤكد الأدبيات الأكاديمية أن جميع "الإرهابيين المحليين" في الولايات المتحدة غالباً ما يأتون من الجماعات اليمينية المتطرفة وليس من القوى اليسارية، وهو ما يقلل من حجية وصف الحركة بأنها مصدر الإرهاب المحلي الأساسي، وفق ما ورد في تقرير مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير عام 2019، الذي أوضح أن جميع عمليات القتل على يد متطرفين محليين في 2018 كانت من قبل يمينيين، ولم يكن لأنتيفا دور فيها.