اقتصاد عربي

كيف سينعكس خروج العراق من "دول التضخم" على واقعه الاقتصادي؟

خبراء يرون أن مستوى التضخم في العراق أقل من جيرانه- جيتي
أثارت تصريحات مسؤولين عراقيين عن خروج العراق من قائمة الدول الأعلى تضخما في العالم، العديد من التساؤلات عن مدى انعكاس ذلك على أسعار السلع في البلاد، وفيما إذا كانت بغداد قادرة على ترجمة هذا "الاستقرار الاقتصادي" إلى ارتفاع في حجم الاستثمارات.

وصرّح وزير التجارة العراقي، أثير الغريري، خلال "ملتقى العراق للاستثمار" في بغداد، الأسبوع الماضي، أن العراق خرج من قائمة الدول الأعلى تضخما بفضل السياسات الحكومية، مؤكدا أن بلاده تمتلك خزينا كافيا من المواد الغذائية يكفي لأكثر من ثمانية أشهر.


بدوره، قال محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، خلال الملتقى ذاته، إن العراق يشهد اليوم أقل معدلات تضخم في تاريخه، وأن هذه المرحلة تتسم بالاستقرار، وأن "البنك يشكل شرطا من شروط تحقيق هذا الاستقرار عبر سياساته النقدية والسيطرة على التضخم".

أسباب الانخفاض

تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صالح الهماشي، إن "التضخم في العراق قياسا على الموجود في إيران وسوريا وتركيا يعتبر هو الأفضل ومتعاف جدا، وأن قطاعات معينة هي من أثرت في التضخم، خصوصا قطاع الإسكان والنقل التي كانت الأكثر تسببا في رفعه".

وأضاف الهماشي لـ"عربي21" أن "خروج العراق من قائمة الدول الأعلى تضخما سببه تراجع أسعار العقارات، لأن ما نسبته 70 بالمئة تقريبا من التضخم في البلد سببه أسعار هذا القطاع".

ولفت إلى أن "قطاع النقل مازال متضخما، لكن أسعار العقارات تراجعت قليلا وهذا أثر على التضخم في العملة العراقية وتعافت إلى حد ما، لكن السلع الأخرى ما زالت تحافظ على ارتفاع أسعارها".

وأكد الخبير الاقتصادي أن "الحكومة العراقية والسياسة النقدية للبنك المركزي، والسياسة المالية لوزارة المالية، إذا استطاعت رسم خطط جديدة فعندها يمكن أن ينعكس تراجع التضخم على أسعار السلع والخدمات بالشكل الذي يلمسه المواطن".

وتابع: "لكن بقاء سعر صرف الدينار العراقي في السوق الموازي مرتفعا عن السعر الرسمي، سيحول دون انعكاس تراجع التضخم على السوق العراقية، بل ربما تكون هناك طفرة في الأسعار، خصوصا أن ما تعلق بقطاع النقل فهي بارتفاع مستمر، إضافة إلى أسعار الوقود غير ثابتة".

وبحسب الهماشي، فإنه "خلال المرحلة الحالية لن يتأثر تراجع التضخم على أسعار السلع والخدمات، ولن ينعكس على قيمة الدينار العراقي بشكل واضح، لأنه مازال سعر الصرف مختلفا بين الرسمي والموازي".

وفي المقابل، قال المحلل الاقتصادي العراقي، نبيل جبار التميمي، لـ"عربي21" إن "أسعار السلع الحالية تغيرت بالفعل عندما نقارنها مع ما كانت عليه عام 2022، وكان في حينها تضخم عالمي جراء كورونا، والتي انعكست بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية".

وأضاف التميمي أن "التضخم العالمي رافقه تضخم محلي ارتبط بسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، إضافة لعوامل أخرى، لكن سياسات البنك المركزي مع بعض الإجراءات الحكومة المتعلقة بالجمارك ساهمت في خفض مؤشرات التضخم خلال السنتين الماضيتين وحتى العام الحالي".

التميمي أوضح أن "انخفاض التضخم ساهم في تراجع أسعار السلع وهذه جاءت في مؤشرات الحكومة إضافة إلى بيانات بعض المنظمات الخارجية، كما أن الأسعار في الاتصالات تراجعت أيضا، وهذه ليست تغيرات كبيرة وإنما نسب مئوية بسيطة".

وبيّن الخبير أنه "قياسا بالدول التي تعرضت إلى تضخم عالي، فإن الانخفاض الذي حصل بالعراق كان بشكل نسبي نوعي أكبر مما لدى بعض بلدان المنطقة، وأن تغيير سعر صرف الدينار ساهم في هذا التراجع بنسبة التضخم الاقتصادي".

وفي منتصف عام 2023، قررت الحكومة العراقية تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار للسيطرة على ارتفاع أسعار الصرف التي وصلت لأرقام غير مسبوقة، فجعلت كل 100 دولار تعادل 130 ألف دينار، بعد أن كانت الورقة تعادل 145 ألف دينار.

قرار تغيير سعر الصرف، جاء بهدف السيطرة على الفارق الكبير بين الدولار والدينار، بعد أن وصل سعر الورقة الواحدة إلى 170 ألف دينار عراقي وأكثر في بعض الأحيان.

وأكد التميمي أن "الحكومة انتهجت سياسة صفرت فيها جمارك الأدوية والسلع الغذائية، فيما أضافت قيمة جمركية محدودة على بعض الأنواع من البضائع، وهذا كله ساهم في نوع من أنوع الاستقرار بالأسعار، وبالتالي انخفض التضخم بشكل نسبي".

وبرأي الخبير، فإن "الاستثمار لا يرتبط بتراجع التضخم، وإنما استقرار العملة المحلية قد يساهم في جلب الاستثمارات المحلية والأجنبية على اعتبار أنه ثمة عملة مستقرة، بالتالي تجارة أكثر استقرارا ولا تتعرض إلى تهديدات السوق في الارتفاع والانخفاض".

أبعاد سياسية

وبخصوص تصريحات الجهات الرسمية عن العراقية عن خروج البلاد من قائمة الدول الأعلى تضخما في هذا الوقت، قال الهماشي إن "الحديث الحالي له ارتباط أيضا بموسم الانتخابات، وذلك بسبب تراجع نسب الناخبين وحملات المقاطعة، وانسحاب أطراف سياسية من المشاركة فيها، وهذا أربك المشهد".

وبناء على ذلك، يرى الهماشي أن "الجهات الرسمية في الدولة العراقية تحاول بث الأخبار الجيدة سواء السياسية والاقتصادية والأمنية حتى تشجع الجمهور على المشاركة بفاعلية أكبر في الانتخابات".


ومن المقرر أن يشهد العراق انتخابات برلمانية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وسط منافسة شديدة على 329 مقعدا في البرلمان، وسط مقاطعة لأول مرة للتيار الصدري منذ أول انتخابات جرت في البلاد عام 2005، بعد مرحلة الاحتلال الأمريكي للبلاد في 2003.

من جهته، أكد التميمي أن "انخفاض التضخم في العراق حقيقي إذا قارناه ببعض الدول الإقليمية، وهذا الشي ظاهر إذا قسناها حتى مع السنوات الماضية، لكن بالتأكيد الحديث عنه في الوقت الحالي لا يخلو من أبعاد سياسية".

وأوضح التميمي أن "عمر الحكومة الحالية شارف على الانتهاء، بالتالي فإن الأطراف الحكومية من وزراء ومسؤولين يحاولون استعراض الانجازات سياسيا، كونه تحقق بفعل الأداء والنشاط خلال المدة السابقة، وهذا من حق من يعمل ويحقق انجازا فعليا".

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد أطلق فرصا استثمارية بحجم 450 مليار دولار في مختلف القطاعات في العراق، وذلك خلال افتتاحه ملتقى الاستثمار في بغداد، الأسبوع الماضي، بمشاركة عربية ودولية واسعة الذي استمر لمدة يومين.

وقال السوداني، خلال أعمال الملتقى، إن "العراق سجل ارتفاعاً بمؤشرات الاندماج مع الاقتصاد العالمي، وتوسيع أنظمة الدفع الإلكتروني وحوكمة القطاع المالي".

وكشف رئيس الحكومة العراقية أنه "سيعقد مؤتمرا خاصا بعرض الفرص الاستثمارية الخاصة بمشروع (طريق التنمية)، ستكون الأوسع في المنطقة"، مؤكدا في الوقت نفسه أن "حجم الاستثمارات تجاوز 100 مليار دولار، ما يؤكد صحة قراراتنا في تنوع البيئة الاستثمارية الوطنية".

وفي 27 أيار/ مايو 2023، انطلق في بغداد مؤتمر مشروع "طريق التنمية"، الذي يمتد من البصرة جنوبا إلى أوروبا مرورا بتركيا، عبر خط سكة حديد يبلغ طولها 1200 كلم داخل الأراضي العراقية، وذلك بمشاركة السعودية والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عُمان وتركيا وسوريا والأردن.