في السابع والثامن والعشرين من شهر أيلول /
سبتمبر الماضي قرر شباب أطلقوا على أنفسهم وسم جيل (زاد) الخروج بشكل منظم إلى
الشوارع في عدد من المدن
المغربية للاحتجاج على تأزم الوضعية الاجتماعية حاملين
شعارات واضحة وبسيطة تتعلق بالعدالة الاجتماعية وإصلاح قطاعي التعليم والصحة،
وتوفير فرص الشغل للعاطلين الشباب.
هذه الاحتجاجات الشبابية السلمية التي
انطلقت من منصة للتواصل الاجتماعي اعتمدها الشباب لتجميع قواهم وتنظيم صفوفهم،
استنفرت رجال الأمن، وأثارت أسئلة كثيرة عن مصدر الاحتجاج ومن يقوم وراءه، وهل هو
فعل احتجاجي عفوي انطلق بخلفية مظلومية اجتماعية؟ أم أنه بفعل توجيه من قوى
خارجية؟ بل إنه أعاد إلى الأذهان صورة احتجاجات 20 فبراير التي انطلقت من خارج
النسق التقليدي، وعلى مسافة من الأحزاب والنقابات ومنظمات
المجتمع المدني
المعروفة، ليطرح التساؤل المقارن عناصر التشابه والاختلاف بين
حراك 20 فبراير
وحراك هذا الجيل الجديد من الشباب.
هوية احتجاجية لجيل جديد من الشباب
بدءا، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار وبشكل
أولي، المعطيات التي قدمها الشباب الذين سموا أنفسهم بالجيل (زاد) عن أنفسهم، خاصة
ما يتعلق بطبيعة الحراك وهويته، ودوافعه وعلاقته بالسياسة، فالمجموعة الأولى التي
أطلقت شرارة هذه الاحتجاجات، أعلنت بأنها مجموعة شبابية أخرجتها المعاناة
الاجتماعية إلى الشارع للاحتجاج، وأنها ليست ضد السلطة، ولا ضد المؤسسات، وأنها
تؤمن بالاحتجاج ضمن النسق الحاكم، وأنها لا ترمي بحراكها المس بالأمن أو
الاستقرار، وأنها ليست معادية للملكية، وأن حراكها لا علاقة له بالأحزاب، وأن مبادرتها للخروج للشارع جاء بعد اقتناعها
بأن مؤسسات الوساطة الاجتماعية (الأحزاب والنقابات) لم تقم بأي وظيفة لتنقل
معاناتها إلى الجهات المسؤولة، وأنها على العكس من ذلك كان تستثمر فيها لتحقيق مآربها السياسية
الضيقة.
المثير في هذه الهوية الاجتماعية
الاحتجاجية، هي علاقتها بالسياسة، فهؤلاء الشباب أخذوا المسافة البعيدة عن السياسة
في الوقت الذي يتخذ شكلهم الاحتجاجي عمقا سياسيا، فقد أعلنوا بألا علاقة لهم
بالمطلق بالسياسة، وهم يقصدون بذلك نفي صلتهم بالأحزاب والنقابات، لكنهم في الآن
ذاته، يرون أن أهدافهم لا يمكن أن تحقق من غير إسقاط للفساد، مما يعكس أن علاقتهم
بالسياسة ليست مؤسسية، ولكنها مضمونية عميقة.
المثير في هذه الهوية الاجتماعية الاحتجاجية، هي علاقتها بالسياسة، فهؤلاء الشباب أخذوا المسافة البعيدة عن السياسة في الوقت الذي يتخذ شكلهم الاحتجاجي عمقا سياسيا، فقد أعلنوا بألا علاقة لهم بالمطلق بالسياسة، وهم يقصدون بذلك نفي صلتهم بالأحزاب والنقابات، لكنهم في الآن ذاته، يرون أن أهدافهم لا يمكن أن تحقق من غير إسقاط للفساد، مما يعكس أن علاقتهم بالسياسة ليست مؤسسية، ولكنها مضمونية عميقة.
لم تقدم هذه المجموعة هويتها خارج الهم
الاجتماعي، ولم يكن في خطابها أي مفردة ترمز إلى صلتها بأي تنظيم يساري متطرف
(النهج القاعدي) أو تنظيم من تنظيمات الإسلام السياسي (العدل والإحسان)، وإنما
حرصت أن تجعل من المظلومية الاجتماعية هويتها ودافعها وشعارها في هذه الاحتجاجات.
لقد حرصت هذه المجموعة أن تنفي صلتها بأي
جهة خارجية، وذلك من خلال التأكيد بأنها لا تريد سوى رفع المعاناة الاجتماعية
عنها، ولا تقصد تغيير النظام ولا إسقاطه، وألا مشكلة لديها مع الملك ولا مع
المؤسسة الملكية، وإنما تريد أن يتحقق الإصلاح في إطار من الاستقرار، وأن يتم ضمان
الحق في التظاهر السلمي مع التزام بألا تخرج هذه الاحتجاجات عن إطارها الحضاري.
الملاحظة المسجلة بخصوص أشكال التنسيق
والتنظيم، فمن الواضح أن هؤلاء الشباب اختاروا منصات غير تقليدية في مواقع التواصل
الاجتماعي، واستثمروا خبرات احتجاجية شبابية في عدد من البلدان، ومنها تجربة
النيبال، ولم يعتمدوا أي تنظيم هرمي، ولا أي بنية تنظيمية، فقد تم التوافق فقط على
الشعارات المؤطرة للاحتجاج، وعلى تواريخ النزول في كل المدن، مع ترك الحرية
للأشكال النضالية والتعبيرية المختلفة، ودون حصر النطق باسم المجموعة على لجنة أو
متحدث رسمي.
ارتباك في الفهم والتعاطي
سياسيا، وحتى بالاعتبار الأمني، لا يكفي
بالنسبة إلى السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية تقديم الهوية بهذا الشكل الاجتماعي
المحايد لإثبات عدم وجود معامل خارجي في الموضوع، فالسياسة دائما تقرأ الأحداث في
سياقها السياسي والإقليمي والدولي، فالسياق السياسي محتقن، والمعارضة السياسية
دائما ما كانت تحذر من أن تؤدي سياسة الحكومة إلى اندلاع احتجاجات من قبيل ما حصل
في 20 فبراير، وأن مآل سياسة تضارب المصالح وتقديم الدعم
المالي للمحظوظين والمقربين من أحزاب التحالف الحكومي لا بد أن ينتهي إلى خلق الاحتقان، والسياق الإقليمي يواجه فيه المغرب منعطفا حاسما في فضيته الوطنية التي
ستعرف اجتماع مجلس الأمن في شهر أكتوبر، وخصوم الوحدة الترابية يطمحون في أن يروا
مغربا غير مستقر، تطفو على سطحه الاحتجاجات على خلفية عدم وجود عدالة فئوية
ومجالية وترابية، حتى يجعلوا من ذلك دليلا يطعنون به في مصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، في حين يدفع السياق
الدولي دفعا في سياق عدم الاستقرار، وتشجيع التناقضات الاجتماعية والسياسية
والاثنية حتى تضعف مقومات الوحدة الوطنية، ويصير من السهل رهن القرار السيادي بيد
الدول المهيمنة.
الفاعل الأمني، يستحضر هذه العناصر، وأحيانا
يُحَكمها في تقديراته حتى ولو كانت مرجحة، لأن المنطق الأمني دائما يبنى على
افتراض السيناريوهات الأسوأ، وعدم الاطمئنان إلى المعلن من القول، لأن الحركات
الاحتجاجية كما يشهد جزء من تاريخها غالبا ما كانت تبدأ بهوية اجتماعية، ثم تتحول
إلى هوية سياسية، فيتحول مطلب التعليم والصحة والسكن إلى إسقاط الفساد، ثم إسقاط
النظام.
وفضلا عن ذلك، فقد كان شكل التجمع والتنسيق
واختيار منصات غير تقليدية لتنظيم هذا الشكل الاحتجاجي والدعوة إليه مفاجئا
بالنسبة إلى السلطات الأمنية، إذ لم تكن
المعلومات المتوفرة لديها واضحة عن طبيعة الحراك وأهدافه والجهات القائمة عليه،
لذلك اتجهت المقاربة في الوهلة الأولى إلى البعد الأمني الصرف، من خلال تفعيل
سياسة الاعتقالات الوقائية المؤقتة بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذه
المجموعة للتعرف بشكل دقيق عن هويتها
وطبيعتها، ثم بعد ذلك الإفراج عن المعتقلين بعد تجميع الكم اللازم من المعطيات عن
المجموعة.
في واقع الأمر، لا تهمنا كثيرا التقديرات
الأمنية، فالفاعل الأمني يقوم بدوره، وهذا ما يفترض منه، لكن في نهاية المطاف، هو
لا يتعدى هذا الدور في تقديم المعطيات والتقديرات التي بين يديه، ويترك الأمر
للفاعل السياسي، كي يقدم مقاربته في التعاطي مع الموضوع.
يختلف الفاعل السياسي عن الفاعل الأمني،
فإذا كان من الضروري بالنسبة إلى الفاعل السياسي أخذ المعطيات كلها بجدية بالغة،
سواء المعطيات التي يقدمها الحراك الشبابي عن هويته الاجتماعية، أم التقديرات التي
يقدمها الفاعل الأمني، فإن الأهم من ذلك كله بالنسبة إليه، هو الجواب عن سؤال
أساسي يتعلق بأسباب الحراك، وهو توجد دواعي موضوعية تبرره، أم أنه حراك مسيس
ومفتعل؟
أيهما السبب الجوهري أزمة الصحة أم أزمة
التعليم أم أزمة التشغيل؟
في واقع الأمر تبدو المؤشرات في هذه
المجالات الثلاث جد مقلقة، فوالي بنك المغرب فالسيد عبد اللطيف الجواهري في تقريره
الأخير المقدم بين يدي الملك محمد السادس يقول بأن بطالة الشباب ما بين سنة 15
وسنة 35 بلغ إلى مستوى قياسي خطير إذ استشرف نسبة 47 في المائة، وأن معطيات
المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن فقدان 108 ألف منصب شغل في القطاع الفلاحي،
وتراجع حاد في قطاع الخدمات، إذ عرف انخفاضا خطير وغير مفهوم في مناصب الشغل من
230 ألف إلى 5 آلاف فقط.
المعطيات المتعلقة بقطاع الصحة لا تحتاج إلى
ذكر أرقام، فقد هيمن القطاع الخاص (المصحات الخاصة) بعد إصلاحات همت ولوج هذه
المؤسسات لأموال الحماية الاجتماعية، وتراجعت المستشفيات العمومية أمام واقع
الإهمال، وضعف التجهيزات، والفجوات الزمانية الهائلة في مواعيد الاستشفاء فضلا عن
بروز احتجاجات خطيرة أمام مستشفيات المغرب العمومية آخرها الاحتجاج أمام مستشفى
الحسن الثاني بمدينة أكادير التي يشغل رئيس الحكومة عمدتها على خلفية واقع إهمال
المرضى وعدم تقديم الخدمة الصحية العمومية الضرورية لهم، وغياب التجهيزات وظاهرة
تملص الأطباء والممرضين من واجباتهم في القطاع العام، ولجوؤهم إلى القطاع الخاص
للحصول على أجور إضافية على حساب حقوق المرضى.
يختلف الفاعل السياسي عن الفاعل الأمني، فإذا كان من الضروري بالنسبة إلى الفاعل السياسي أخذ المعطيات كلها بجدية بالغة، سواء المعطيات التي يقدمها الحراك الشبابي عن هويته الاجتماعية، أم التقديرات التي يقدمها الفاعل الأمني، فإن الأهم من ذلك كله بالنسبة إليه، هو الجواب عن سؤال أساسي يتعلق بأسباب الحراك، وهو توجد دواعي موضوعية تبرره، أم أنه حراك مسيس ومفتعل؟
قد تبدو هذه المؤشرات كافية لفهم أسباب
الاحتجاجات الي أطلقها الشباب، لكن في واقع الأمر، هناك ما هو أسوأ منها مما يتعلق
بالسياسة التي اعتمدت في مجال التعليم الجامعي، وكيف تم تقليص مقاعد الدراسة في
شعب ما يسمى بالاستقطاب المحدود (الطب والهندسة وغيرها من الهخصات المطلوبة) على
حساب هيمنة القطاع الخاص على التعليم العمومي، مما وضع الشباب الحاصل على شهادة
الباكلوريا ومنهم المتفوقون بين خيارين
مرين: إما اللجوء إلى الكليات واختيار شعب تتضاءل نسبة ألأمل في مخرجاتها (شعب
الاستقطباب المفتوح)، أو الاضطرار إلى تحمل نفقات كبيرة لمتابعة التدريس في القطاع
الخاص، بمبالغ تتراوح بين 7000 دولار إلى 14000 دولار للسنة.
هذا الواقع، رسم أفقا مظلما لدى الشباب،
وبدأت عبارة "المستقبل الأسود" أو "الأمل المفقود" أو على
الأقل "عدم وضوح الصورة" تخيم على أذهانهم، خاصة لما شددت الجامعات
والمعاهد والمؤسسات الجامعية الأوروبية من نسب الطلبة المغاربة، أو ضاعفت الشروط،
وضيقت على فرص التحاقهم للدراسة بأوروبا.
هذا الواقع، رسخ لدى الشباب صورة جد قاتمة
عن المستقبل في المغرب، والمفتوح فقط لفئتين اثنتين هما: فئة المتفوقين جدا، ممن
استطاعوا أن يضمنوا مقاعدهم في شعب الاستقطاب المحدود، وفئة المحظوظين الذين تملك
أسرهم القدرة على تمويل دراسة أبنائهم في الجامعات والمعاهد الجماعية الخاصة.
بين حراك جيل (زاد)، وبين حراك 20 فبراير..
أوجه التشابه والاختلاف
في الربيع العربي، وتحديدا عند لحظة 20
فبراير كان السياق الإقليمي ضاغطا، وكانت هناك عشرات المؤشرات التي تؤكد بأن بواعث
الحراك لها علاقة بالعدوى الإقليمية أكثر من انطلاقها بشكل أساسي من الداخل، لكن
مع ذلك اتجه فهم الفاعل السياسي إلى اعتبار معطيين أساسيين في مدخلاته التشخيصية،
معطى وجود وضع اقتصادي واجتماعي محتقن، ومعطى وجود عدوى إقليمية يصعب مقاومتها،
فكانت المقاربة هي دستور 2011، وما تلاها من استحقاقات سياسية وانتخابية، وكان
الخيار أن اتجه المسار السياسي نفس المتجه العام الذي عرفته السياقات الإقليمية
المجاورة من إشراك الإسلاميين في تدبير الشأن العام، وإيجاد صيغة لقيادتهم للحكومة.
في هذا الحراك، الذي لا توجد لحد الآن
مؤشرات موضوعية على إمكان استمراره، يوجد الفاعل السياسي أمام ثلاث معطيات مختلفة،
أولها أن الوضع الاجتماعي بمؤشراته المختلفة هو أسوأ بكثير مما كان عليه في حراك
20 فبراير بما يعني وجود معيطات موضوعية تغذي الاحتقان، وهو ما أكدته خطابات
رسمية. والثاني، أن هناك وعيا وطنيا عاما
بالمنعطف التي تمر منه قضية الصحراء، والحاجة إلى ترصيص الجبهة الوطنية ومواجهة
مخططات خصوم الوحدة الترابية. والثالث أن الشروط السياسية والدولية والإقليمية
تغيرت، فلم يعد البديل السياسي، الذي مثله الإسلاميون في انتخابات 25 نونبر مرضيا
لا إلى النسبة إلى السلطة السياسية ولا إلى الفاعل الشبابي الذي لا ينتظر إصلاحات
شكلية، بقدر ما يطالب بإصلاح البنية السياسية القائمة برمتها، وإجراءات جدرية
لمواجهة الفساد وهدم قواعده الرئيسة، هذا في الوقت الذي لا يجادل أحد في الكسب
السياسي الذي يمكن أن يجنيه الإسلاميون من وراء الحراك، بوصفهم الفاعل السياسي
الذي سبق أن حذر السلطة من هذا السيناريو، وأنهم الأكثر قدرة على التواصل السياسي ومواجهة الشارع، وأتهم يظهرون حرصا على استقرار المغرب والدفاع
عن مؤسساته.
الاعتبار الرابع، الذي يمكن أن يدخل في
عناصر التباين، أن السياق السياسي الداخلي جد خاص وحساس، لأنه مرتبط بتدبير
الانتقال السياسي، وما يتطلبه من جرعة زائدة في الهدوء والاستقرار السياسي. ما
يعكس ذلك أن احتجاجات مستشفى الحسن الثاني بأكادير، دفعت بقوة لوضع ملف الصحة بيد
ولي العهد، وذلك تحسبا من أن يشعل هذا الاحتجاج شرارة احتجاجات اجتماعية تنطلق من
خلفية نقد الخدمة العمومية الصحية إلى نقد الوضع الاجتماعي والسياسي.
احتجاجات جيل (زاد) من الفهم إلى التعاطي
الرشد
الكثيرون استاؤوا من المقاربة الأمنية،
واعتقدوا بأن السلطة ترتكب نفس الخطأ في تخوين الحراك وممارسة الاعتقال ومواجهة
الاحتجاجات، لكن، من السابق لأوانه أن نحكم على الفاعل السياسي بفراغ سلته من
الخيارات السياسية بحجة أنه قدم في 2011 كل إمكانه الدستوري والسياسي، وأن دائرة
عدم الثقة في الفاعل الحكومي والحزبي قد اتسعت، فالخيارات السياسية في مثل هذه
الحالات لا تقتصر على تكرار التجربة بما تعنيه من الرهان على الإسلاميين وقدرتهم على تهدئة الشارع، وإنما توجد
مروحة واسعة من الإجراءات التي يمكن الإقدام عليها، مما يؤثر بشكل حاسم في توجهات
الشباب ومزاجهم.
السياسيون يريدون أن يجعلوا من الحدث دافعا
قويا لاستعادة لائحة الشباب في البنية القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية ومن
ثمة تأثيث المشهد البرلماني بهذه الفئة، لكن هذه المعالجة هي جزء من الريع الذي لا
يقدم شيئا ملموسا لهذه الفئة في مواجهة الواقع الاجتماعي المأزوم. وبعض السياسيين
يراهن على أن يكون الحراك وسيلة ضغط للإقناع بأنهم البديل الواعد لمدبر الشأن
الحكومي الذي تسبب في هذا الحراك، لكن استقراء التجربة، وتقييم تجرية الفاعل
الحكومي قبل حكومة السيد عزيز أخنوش، يثبت أن مركز الثقل في السياسة الحكومية سواء
في ولاية عبد الإله بنكيران أو سعد الدين العثماني اتجه إلى استعادة التوازنات
المالية والماكرواقتصادية، وأن القليل تم إنجازه في المجال الاجتماعي، وبشكل خاص
في مجالي التشغيل والتقليص من معاناة الطبقات الفقيرة.
هناك على الأقل ثلاثة خيارات أمام السلطة السياسية بالمغرب لاحتواء هذا الاحتقان الاجتماعي، تم استقراء مفرداتها من تجارب سابقة، أولها التواصل مع هذه الفئة والإنصات إليها وفتح قنوات الإعلام العمومي لنقاش صريح ومفتوح حتى يتم تصريف الغضب بشكل مسؤول بعيدا عن الشارع، وهي ما بدأت مؤشراته الأولى من خلال تغطيات بعض قنوات الإعلام العمومي.
وجزء آخر من السياسيين، يرى أن هذه
الاحتجاجات تمثل ورقة ضغط قوية على الإدارة الترابية للقطع مع انتخابات 2021،
والتوجه نحو عملية انتخابية على مسافة من سياسة صناعة الخرائط الانتخابية
والانزياح عن الإرادة الشعبية، لكن حتى بهذا الاعتبار، فإن التعويل على إصلاح
السياسية، عبر قواعدها الأساسية وهي نزاهة العملية الانتخابية، وتشكيل الحكومة
وفقا للإرادة الشعبية، لا يمكن أن يوقف
الاحتقان الراهن، لأن نتائج إصلاح هذه السياسة تحتاج لزمن طويل، وتحتاج لديناميات
إعادة الثقة، بينما التطلعات الضاغطة تحتاج سياسة عاجلة تزرع الطمأنينة والأمل في
نفوس الشباب، وتجعلهم ينخرطون بجدية في صناعة مستقبل بلدهم.
هناك على الأقل ثلاثة خيارات أمام السلطة
السياسية بالمغرب لاحتواء هذا الاحتقان الاجتماعي، تم استقراء مفرداتها من تجارب
سابقة، أولها التواصل مع هذه الفئة والإنصات إليها وفتح قنوات الإعلام العمومي
لنقاش صريح ومفتوح حتى يتم تصريف الغضب بشكل مسؤول بعيدا عن الشارع، وهي ما بدأت
مؤشراته الأولى من خلال تغطيات بعض قنوات الإعلام العمومي.
وثانيا، اتخاذ إجراءات جدرية في محاربة بعض
ظواهر الفساد والريع، بما في ذلك محاسبة ومحاكمة مسؤولين أمام الرأي العام لما في
ذلك من آثار جد إيجابية في زرع الطمأنينة والثقة والجدية والحزم وذلك على شاكلة ما
صنع الملك الحسن الثاني رحمه الله عقب انقلاب الصخيرات وبروز تقييم موضوعي يربط
أسباب هذا الانقلاب بحجم الفساد السياسي والاقتصادي، فاضطر الملك إلى محاكمة وزراء
ومسؤولين.
والثالث، هو إعادة الاعتبار للسياسة، ليس
بالمعنى الذي يعني إبعاد فاعل سياسي وتقريب آخر، في ضوء معطى القاعدة الاجتماعية
والقدرة على المساعدة الوظيفية لاحتواء الحراك، ولكن على قاعدة بناء القواعد
الأساسية لعملية سياسية نزيهة وشفافة تحترم الإرادة الشعبية، وتطبق القانون على
الجميع، وتضفي الحيوية على الفضاء العام، وتعيد الاعتبار لحياد الإدارة وللمسافة
عن لوبيات الأعمال ومحترفي الانتخابات.