كشف موقع "
القاهرة 24"، المحلي، عن
عرض خليجي (سعودي- إماراتي) مشترك لشراء "أرض المعارض" الاستراتيجية
بمدينة نصر شرق العاصمة المصرية القاهرة، ما أثار ردود فعل واسعة حول عدم طرح تلك
القطعة الحيوية بمزايدة عالمية.
وقال إن المستشار الاقتصادي لهذا التحالف في
مصر بدأ مشاورات تقديم العرض للجهات المعنية لخوض المفاوضات الخاصة بشراء الأرض؛
لكنه لم يكشف عن أطراف الصفقة، ولا قيمتها ولا المستهدف من
البيع، ولا خطط التطوير
المحتملة.
المنطقة شديدة التميز بين أهم أحياء شرق
القاهرة (مصر الجديدة ومدينة نصر والقاهرة الجديدة)، وقرب مطار القاهرة الدولي،
وشارع صلاح سالم، والطرق المؤدية للعاصمة الإدارية الجديدة، وترتبط أرض المعارض لعقود في ذاكرة الساسة وأصحاب الأعمال والمثقفين
المصريين ومنذ العام 1969، بفاعليات الدولة المصرية الهامة وخاصة معارض الكتاب
والأسواق الدولية والندوات والمؤتمرات الدولية، فيما جرى نقل ملكيتها إلى
"بنك الاستثمار القومي" (حكومي) عام 2020، تمهيدا لبيعها.
وتعد هذه الشراكة
السعودية الإماراتية الثانية
بالاستحواذات المصرية في شهر واحد، حيث وقعت مطلع الشهر الجاري شركة "سيتي
ستارز" التابعة لرجلي الأعمال السعوديين حسن الشربتلي وفهد الشبكشي، وإعمار
الإماراتية شراكة في مشروع سياحي على البحر الأحمر، "مراسي ريد" على
مساحة 10 ملايين متر مربع جنوبي مدينة الغردقة، في خبر أثار جدلا واسعا.
غضب وتساؤلات ومطالبات
ردود الفعل المصرية على خبر بيع أرض المعارض،
جاءت غاضبة، تنتقد بيع أراضي مصر الاستراتيجية لدول الخليج في سوابق تاريخية،
معربين عن مخاوفهم من أن يكون أولئك المستثمرين مجرد غطاء لمستثمرين إسرائيليين،
مشيرين إلى مخاوفهم على مستقبل العاصمة، متسائلين عن أسباب عدم البيع لشركات مصرية.
وقال الناشط الدكتور عادل دوبان: "البلد
تباع للخلايجة"، وتساءل السياسي محمد محمود رفعت: "وكلاء عن من؟"،
وكتبت عضو المكتب السياسي للحزب "الشيوعي" بهيجة حسين: "كفاية
قهر.. البلد خلصت"، وتخوف الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، من أن يكون
"المستهدف هو شارع صلاح سالم"، فيما أكد الخبير الاقتصادي عادل صبري أن
المساحة مليون متر مربع.
وانتقد آخرون اعتماد حكومة السيسي فقط على بيع
الأصول والاقتراض الداخلي والخارجي، دون أية أفكار استثمارية وإنتاج حقيقي وتصنيع
وتصدير، فيما دعا غاضبون لإنقاذ ما تبقى من مصر عبر ثورة على النظام الحالي،
متهمينه بالتفريط في الأصول وبالفساد والتربح من تلك الصفقات، ملمحين إلى أن
عائدات البيع تأكلها فوائد الديون ولا يقابلها تحسن بمعيشة المصريين، مشيرين إلى
غلاء وفقر وأوضاع معيشية صعبة.
تفريغ قلب القاهرة
خبيرة التخطيط الاستراتيجي سالي صلاح، تحدثت عن
"أخطاء استراتيجية"، قائلة إنه "لا يجوز التنازل عن أصل استراتيجي
إلا بشرط قانوني يمنع تحويل الملكية لطرف ثالث غير معلن"، متسائلة: هل هذا
التحالف الضخم شركة عقارية، أم صندوق استثمار، أم وكيل لجهة أجنبية؟"، معتبرة
أن هذا الغموض تهديد أمني مباشر"، ملحمة كذلك إلى تجاهل البُعد الحضري، موضحة
أن أرض المعارض ليست مساحة فارغة لكنها بقلب المدينة.
وطرح الخبير الاقتصادي مصطفى عادل، التساؤل:
"لماذا لا تطرح الحكومة تلك المشروعات بمزايدة عالمية للحصول على أفضل عرض
فني ومالي؟"، وشاركه آخرون بتساؤلات مشابهة حول مخاطر تتابع الشراكات
الإماراتية السعودية في الاستحواذ على الأصول المصرية.
المضطر والخيار الصعب
وفي حديث خاص بـ"عربي21"، عن أبعاد
خبر بيع أرض المعارض لتحالف خليجي، وأسباب ودوافع الحكومة، قال أستاذ الاقتصاد
والمالية العامة بجامعة المنوفية الدكتور محمد البنا: "الموضوع يدخل في إطار
إعادة هيكلة الدين الخارجي على وجه التحديد".
رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب
"الوعي"، والمستشار الاقتصادي بجامعة الملك عبدالعزير بالسعودية، أوضح
أن "حجم الدين الخارجي في تزايد، وأعباء خدمة الدين صارت مرتفعة للغاية، مما
يستدعي البحث عن سبل لتحقيق استدامة الدين، أي القدرة على الوفاء بخدمة الدين،
وتخفيف تلك الأعباء".
وأكد أنه "في مثل هذه الحالات تتحول
المديونية إلى عائد مقابل شراء الأراضي أو حق الاستغلال؛ فتسقط تلك المبالغ من
المديونية، وتخفف الخزانة من عبء أقساطها وفوائدها".
وعن تسعير تلك الأراضي، وعدم طرحها في مزايدة
عالمية، قال: "برغم أن الحكومة مضطرة لاستبدال الديون بحقوق انتفاع أو بيع
أراضي لكنها لن تسمح ببخث السعر وستسعى للحصول على أعلى الأسعار، ولذلك أتوقع أن
تلجأ لشركات ومكاتب متخصصة بتقييم الأصول والحصول على سعر عادل"، مؤكدا أن
"ركوب الصعب خيار المضطر".
ووفق بيانات رسمية في حزيران/ يونيو 2025، وصلت
حجم ديون مصر الخارجية 162.7 مليار، ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي متوقع وصولها
202 مليار دولار منتصف 2030، فيما أعلن البنك المركزي في آب/ أغسطس الماضي، وصول
قيمة خدمة الدين الخارجي المستحقة في 2026 إلى 25.97 مليار دولار.
وبينما أطلقت الحكومة المصرية الشهر الجاري،
"السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، معلنة تركزها على قطاعات إنتاجية
كالصناعة الزراعة والسياحة والطاقة والاتصالات، لكن مراقبين يشككون بقدرة الحكومة
على استبعاد بيع الأراضي وطرح الشركات العامة وكذلك الاقتراض الخارجي، من قائمة
أولوياتها، خاصة مع استمرار اعتمادها على صندوق النقد الدولي.
هوية المشتري لا الآلية
وفي قراءته، لأسباب عدم طرح الحكومة تلك
الأراضي في مزايدة عالمية، قال الخبير الاقتصادي والإستراتيجي الدكتور علاءالدين
سعفان، إن "الإجابة التي تكتفي بالقول إن الحكومة في حاجة عاجلة إلى سيولة
دولارية، وإن البيع المباشر أسرع من المزايدات العالمية، تبسط المشهد حد تضليله،
فهذا ليس تفسيرا، بل غطاء تُمرر من تحته استراتيجيات أعمق وأشد خطورة، فالسؤال
الحقيقي ليس عن الآلية، بل عن هوية المشتري".
رئيس كونسورتيوم "رؤية تي جي إس 2035
لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا"، أضاف لـ"عربي21": "نشهد عملية
بيع ممنهجة لأصول استراتيجية لا تُقدّر بثمن، ولا يمكن إخضاعها لمنطق البيع
والشراء العادي، وعدم اللجوء لمزايدة عالمية شفافة قرار مقصود، غايته ليس فقط
تسريع الإجراءات، بل توجيه الأصول لأطراف بعينها، كجزء من تسويات جيوسياسية كبرى
تُفرض على مصر لحظة ضعفها الاقتصادي المفتعل".
ويرى أن "الأمر يتجاوز الاقتصاد ليصل إلى
صميم الأمن القومي. فهذه الصفقات، بتوقيت حرب إبادة غزة، تشير إلى أن مصر تدفع
أثمانا باهظة من مستقبلها لقاء صمتها؛ فبعض المشترين يعملون كواجهات فاعلة لمشروع
إقليمي يهدف إعادة رسم الخريطة، حيث تُستخدم الأموال الخليجية لتصفية وتسوية مطالب
تاريخية للكيان الصهيوني، تمهيدا لوضع اليد على مواقع سيادية بقلب الدولة المصرية".
ماذا عن تتابع الشراكات الإماراتية السعودية؟
استشاري تطوير وتمويل المشاريع والأوقاف
الاستثمارية، أكد أن "الحديث عن شراكة (سعودية- إماراتية)، قراءة سطحية تخفي
حقيقة الصراع المحتدم؛ وما نشهده ليس تحالفا استثماريا متناغما، بل سباق محموم على
اقتسام ما تبقى من (الكعكة المصرية)، كل طرف يسعى لتعظيم نفوذه وتثبيت أقدامه بأرض
الكنانة التي أُنهكت اقتصاديا وسياسيا".
وأوضح أن "الإمارات، بحكم علاقاتها
العضوية مع الاحتلال، تلعب دورا وظيفيا دقيقا كذراع استثماري لمشروع أكبر منها،
وتستحوذ على أصول لا لجدواها الاقتصادية فحسب، بل لأهميتها الاستراتيجية
المستقبلية بخدمة المشروع".
وأضاف: "أما السعودية، فتطالب بثمن الدعم
السياسي والمالي الهائل الذي قدمته للنظام بالعقد الماضي، وتشعر بأن استثماراتها
لم تحقق المرجو، ولن تقف متفرجة بينما تلتهم الإمارات الحصة الكبرى، فدخولها على
خط الاستحواذات ليس تكاملا، بل إعلان بأن زمن الشيكات المفتوحة انتهى، وحان وقت
تحصيل الديون على هيئة أصول ثابتة لا تتبخر، إنه صراع نفوذ على أرض مصر، وليس
شراكة من أجلها".
الأخطر
يعتقد سعفان، أن "المصيبة أكبر من مجرد
بيع أرض أو شركة، وما نشهده ليس أزمة ديون، بل هو تآكل ممنهج لأسس السيادة
الوطنية، والثمن الذي يُدفع مقابل الصمت على جرائم تجويع وإبادة غزة لن يكون مجرد
أصول نفقدها، بل أرض قد نفرّط فيها".
وختم بالقول: "طوق النجاة الوحيد لتخفيف
هول الكارثة القادمة ليس في المزيد من القروض أو بيع الأصول، بل استعادة الروح
المصرية، والدفاع عن الأمن القومي المصري يبدأ من فك الحصار عن غزة، فلم يعد هذا
خيارا سياسيا، بل واجب البقاء وفرضية الوجود".
وفي إطار سياسة وثيقة ملكية الدولة التي
تنتهجها الحكومة المصرية منذ العام 2022، وتهدف لتخارج الدولة من قطاعات عديدة،
يجري طرح الشركات العامة والأصول الاستراتيجية والأراضي الحيوية لمستثمرين أجانب.
وسبق خبر، طرح أرض المعارض، وفي 15 أيلول/
سبتمبر الجاري، طرح وزارة المالية 3 قطع أراض بشارع صلاح سالم (34 ألف متر) تصنف
ضمن الأصول الأكثر تميزا، بالشارع الذي تحدث الملياردير الإماراتي خلف الحبتور، عن
تحويله لقطعة من لندن وبرلين.
ويثار الحديث عن بيع عقارات بـ"القاهرة
الخديوية"، إحدى أهم مناطق وسط القاهرة، إلى جانب حصر حكومي للمنشآت والمباني
والأراضي والعقارات التابعة للوزارات والهيئات التي جرى نقل إداراتها للعاصمة
الإدارية الجديدة.
ومنتصف الشهر الماضي انتهى "صندوق
مصر" السيادي من التقييم المالي للأصول العقارية بمنطقة وسط القاهرة، من
مباني الوزارات والهيئات الحكومية التي تم إخلاؤها عقب الانتقال إلى العاصمة
الإدارية الجديدة، وأصول شركات التأمين بالقاهرة والمحافظات، تمهيدا لاتخاذ قرارات
استثمارية بشأنها، وطرح الوحدات والمنشآت ومربع الوزارات أمام المستثمرين.
وأهم الأصول المطروحة والمقرر طرحها في
القاهرة: "مجمع التحرير"، والذي يحوله تحالف أمريكي إلى فندق فاخر وشقق
فندقية، ومباني مجمع الوزارات القديم، ومبنى وزارة الداخلية القديم، ومبنى الحزب
الوطني المنحل، ومباني أخرى للوزارات مثل الخارجية والتعليم والري، وغيرها.
وذلك إلى جانب أراضي كورنيش النيل المقرر طرحها
لإنشاء أبراج فندقية أو إدارية أو ترفيهية، وكذلك أراضي شارع صلاح سالم، وأراضي
المناطق التاريخية كالمحيطة بمشروع سور مجرى العيون، فيما يتم تنفيذ الطروحات عبر
صندوق مصر السيادي.
وفي إطار تقنين تلك الطروحات، وفي 20 آب/ أغسطس
الماضي، نشرت الجريدة الرسمية، تصديق رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، على القانون
(170 لسنة 2025)، بشأن تنظيم الأحكام الخاصة بملكية الدولة، والذي ينتج عنه
"وحدة حصر" تستخدم آليات منها: التصرف بالبيع، والطرح بالأسواق.
ما سبقه في 13 آب/ أغسطس الماضي، تصديق السيسي،
على القانون (168 لسنة 2025)، بشأن قواعد التصرف بأملاك الدولة الخاصة، محددا طرق
التصرف في الأراضي بالبيع، أو الإيجار، أو الإيجار المنتهي بالتمليك، أو
الترخيص بالانتفاع.