واصل
المؤتمر الدولي السادس للأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي،
المنعقد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، فعالياته لليوم الثاني حيث انعقدت جلسة بعنوان
"تجارب ونماذج في
إعادة الإعمار بتركيا وسوريا"، شارك فيها عدد من الباحثين
الاقتصاديين الذين قدموا أوراقاً علمية تناولت تجارب واقعية في إدارة الكوارث وإعادة
البناء، مستندة إلى نماذج عملية من
تركيا وسوريا.
الأوقاف التركية نموذج عملي لإعمار غزة
استهل الباحث الاقتصادي حازم رضوان مداخلته بالتأكيد على أن الأوقاف في تركيا
قدمت نموذجا حيا يمكن الاستفادة منه في إعادة
إعمار غزة والدول العربية المتضررة،
موضحا أن بحثه ركز على تجربة جامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم" كنموذج لأحد
البرامج الوقفية الناجحة في إعادة الإعمار والتنمية.
وأشار رضوان إلى أن الجامعة قامت على أساس مبنى قديم كان مدرسة للزراعة والطب
البيطري قبل عام 2010، ثم تحولت – عبر وقف علمي – إلى صرح أكاديمي يضم اليوم نحو
38 تخصصا علميا في مجالات كبرى، ويخدم أكثر من 10 آلاف طالب في برامج الماجستير والدكتوراه.
وأضاف أن الوقف أنشأ مكتبة حديثة تضم مليون كتاب وتستوعب أكثر من ألف طالب في وقت واحد.
وبين الباحث الاقتصادي أن هذا النموذج يعكس "قوة الدور التاريخي للأوقاف
في تركيا منذ الحقبة العثمانية، حين كانت الأوقاف رافدا رئيسيا للتعليم والصحة والبنية
التحتية"، مؤكداً أن إعادة إحياء هذا التراث الوقفي يمكن أن يكون أداة فعالة لإعمار
غزة والمناطق العربية التي دمرتها الحروب.
التمويل الدولي بعد زلازل تركيا
من جانبه، قدم الباحث الاقتصادي عبد المجيد مخارش ورقة علمية بعنوان "دور
التمويل الدولي في دعم جهود الإعمار بعد الكوارث الطبيعية – تجربة تركيا بعد زلزال
2023 نموذجاً".
وأوضح أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط / فبراير 2023 كان "أحد
أعنف الكوارث في تاريخ المنطقة الحديث"، حيث خلف أكثر من 50 ألف وفاة، وتسبب في
نزوح ما يزيد عن 5 ملايين شخص، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة بأكثر من 34
مليار دولار، أي ما يعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.
وبين مخارش أن التمويل الدولي شكل أداة أساسية لتجاوز مرحلة الإغاثة العاجلة
والانتقال إلى إعادة الإعمار والتنمية المستدامة، موضحا أن آليات التمويل توزعت بين
قروض دولية (40 بالمئة)، منح غير مستردة (30 بالمئة)، صناديق إقليمية ودولية (20
بالمئة)، وأدوات التمويل الإسلامي 10
بالمئة.
وأضاف أن نجاح التجربة التركية يعود إلى "قدرتها على إنشاء آليات مؤسسية
رسمية بين وزارة المالية والمنظمات المحلية، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر أولوية
مثل الإسكان، البنية التحتية، الصحة، والتعليم"، مشيراً إلى أن المجتمع المدني
لعب دوراً محورياً في سد الفجوات عبر تنظيم المبادرات وتوزيع المساعدات.
كما عقد الباحث مقارنة مع تجارب اليابان وإندونيسيا وهايتي، لافتاً إلى أن تركيا
تميزت بقدرتها على الاستفادة من التمويل الدولي بشكل أسرع وأكثر كفاءة، بينما اعتمدت
اليابان بدرجة أكبر على مواردها المحلية، وظلت إندونيسيا وهايتي تعانيان من ضعف في
المؤسسات المحلية ما أضعف من فاعلية التمويل.
المصارف الإسلامية رافعة لإعادة إعمار سوريا
وخلال الجلسة ركز الباحث الاقتصادي حسين المهباش على دور المؤسسات المالية الإسلامية
في دعم جهود إعادة إعمار سوريا، مؤكدا أن ورقته البحثية سعت إلى "تحليل إمكانات
أدوات التمويل الإسلامي – كالزكاة، الوقف، والصكوك – في تمويل مشاريع تنموية تركز على
التعليم، الرعاية الصحية، والبنية التحتية الاجتماعية".
وأكد المهباش أن المصارف الإسلامية تمتلك ميزة نسبية بفضل "التزامها بالبعد
الشرعي والأخلاقي"، ما يجعلها قادرة على تعبئة موارد مستدامة بعيداً عن المخاطر
الربوية، موضحا أن دمج المسؤولية الاجتماعية في عمل هذه المؤسسات يفتح الباب أمام بناء
إطار استراتيجي وطني يعزز من دورها في الإعمار.
وأشار إلى أن التحديات المؤسسية والثقافية والبيئية تشكل عقبات أمام تفعيل دور
هذه المؤسسات في سوريا، لكنه شدد على أن التجارب الدولية والإسلامية أظهرت إمكانية
تجاوز هذه العقبات عبر تطوير قنوات شفافة للزكاة والوقف، وتمويل المشروعات الصغيرة
والمتوسطة، بما يحقق مقاصد الشريعة في العدالة والتنمية وحماية الإنسان.
وختم المهباش بالتأكيد على أن "الاعتماد الكلي على التمويل التقليدي أو
المساعدات الخارجية لا يمكن أن يحقق تنمية مستدامة"، داعياً إلى دمج أدوات التمويل
الإسلامي في استراتيجيات إعادة الإعمار لتأمين حلول أكثر استدامة وارتباطاً بالهوية
المجتمعية.