ملفات وتقارير

حملة اعتقالات واسعة في مناطق سيطرة الحوثيين.. ما علاقة "ثورة 26 سبتمبر"؟

جماعة الحوثي حظرت الاحتفال بثورة 26 سبتمبر في مناطق سيطرتها- الأناضول
شنت جماعة "أنصار الله" الحوثي، حملة اعتقالات واسعة طالت صحفيين وناشطين سياسيين ومحاميين وموظفين سابقين في منظمات إغاثية دولية في صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرتها خلال الأيام القليلة الماضية.

وتشهد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وسط وغرب وشمال البلاد بما فيها صنعاء، انتشارا أمنيا وعسكريا كثيفا، بعد يومين من إعلان الجماعة حظر أي احتفالات شعبية بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بحكم آل حميد الدين عام 1962.

وقد حظرت الجماعة وفق مصادر مطلعة لـ"عربي21"،  تنظيم أي فعاليات وأوقفت فعاليات طلابية كان مزمع أن تقام هذا الأسبوع. ووجهت جماعة الحوثيين ملاك الصالات المخصصة للمناسبات والملاعب الرياضية وقف أي نشاطات رياضية أو تنظيم أي حفلات تخرج طلاب جامعيين حتى الأسبوع الماضي.

كما وجهت أيضا، محلات الخياطة بـ"عدم خياطة العلم اليمني"، في وقت حذرت المواطنين من أي تجمعات أو تجمهر فضلا عن  تشغيل الأناشيد الثورية والوطنية في مركباتهم في الشوارع.


حملة اعتقالات واسعة
ومنذ أيام، بدأت السلطات الأمنية للحوثيين حملة واسعة، طالت إعلاميين ونشطاء ومعلمين، إضافة إلى شخصيات اجتماعية يُحتمل أن تشارك في الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، في كل من العاصمة صنعاء ومحافظات إب وتعز، وفق الصحفي، فارس الحميري.

وقال الحميري عبر منصة "إكس"، إن هذه الحملة هي امتداد لإجراءات استباقية كانت الجماعة قد نفذتها خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين، واستهدفت اعتقال وقمع كل من يُحتمل أن يدعو أو يشارك في إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر.

ونقلت صحيفة الثوري التابعة للحزب الاشتراكي اليمني عن مصدر محلي، يوم الثلاثاء، قوله: "إن الحوثيين اقتحموا أمس الاثنين جامعة صنعاء واعتقلوا نحو ثلاثين شخصًا بشكل عشوائي، إضافة إلى عدد من الناشطين على مواقع التواصل، في محاولة لترويع المواطنين ومنعهم من المشاركة في فعاليات ثورة 26 سبتمبر".

مخطط معادي
من جانبها، حذرت وزارة الداخلية بحكومة صنعاء، من مخطط يستهدف إثارة الفتنة في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، وفق ما نشرته وكالة "ٍسبأ" التي تديرها الجماعة، مساء الثلاثاء.

وذكر البيان أن ما اسماهم "الأعداء" يسعون إلى تنفيذ مخططات خبيثة تحت عناوين وشعارات خادعة، بغرض ضرب الجبهة الداخلية وإثارة الفتنة والفوضى.

وقالت الداخلية في حكومة الحوثيين إن ذلك يأتي  كمحاولة بديلة بعد الفشل الأمريكي والبريطاني الواضح في منعهم من نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة، وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على وفشله في إيقاف العمليات العسكرية  للجماعة المساندة للشعب الفلسطيني.

وأضافت أن المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية في الجماعة إلى جانب تصريحات الأعداء أنفسهم، كشفت عن هذه المساعي المشبوهة.

واتهمت الجماعة الحوثية السعودية والإمارات بـ"استغلال بعض المناسبات الوطنية وتحويلها إلى منصات لإثارة الفوضى واستهداف الجبهة الداخلية" عبر انفاق أموال طائلة لأجل ذلك.

وحذرت جماعة الحوثي من أي تورط في خدمة الأعداء، مؤكدة على "جاهزية قواتها لإفشال وإحباط أي فتنة يتم إثارتها تحت أي عنوان وفي أي وقت".

وأشارت إلى أن جميع المناسبات الوطنية ستقام بشكل رسمي ومنظم وفق ما هو متعارف عليه، ويُمنع منعاً باتاً أي نشاطات خارجة عن هذا الإطار قد يستغلها الأعداء.

 ويحظر الحوثيون أي احتفالات شعبية بذكرى 26 سبتمبر السنوية التي تحل كل عام في مناطق سيطرتها، وقد شنت العام الماضي، حملة اعتقالات واسعة ضد المواطنين الذين حاولوا الاحتفاء بذكرى الثورة التي أطاحت بحكم آل حميد الدين عام 1962.

وتبرر الجماعة قرارها بأنه هذه الاحتفالات تثير الفتنة ويتم تمويلها من قبل خصومها في الحكومة المعترف بها دوليا في عدن، جنوبي البلاد، ودول التحالف العربي الداعمة لها.

اعتقال صحفيين وإعلاميين
من جهتها، كشفت نقابة الصحفيين اليمنيين، الأربعاء، عن اعتقال جماعة الحوثي، لصحفي وكاتب في صنعاء خلال يومي الاثنين والثلاثاء.

وقالت النقابة إن تلقت بلاغا من زملاء الصحفي ماجد زايد يفيد بتعرضه للاختطاف من قبل جماعة الحوثي مساء الثلاثاء، أثناء خروجه من أحد المراكز الطبية في شارع خولان بالعاصمة صنعاء.

وقبل ذلك بيوم، قالت النقابة إنها تلقت بلاغا يفيد باعتقال الكاتب والشاعر، أوراس الإرياني، مساء الاثنين، من قبل الجماعة أثناء خروجه من منزله في حي سعوان شمال صنعاء واقتياده إلى مكان مجهول.

وأدانت النقابة اليمنية في بيانها "تكرار عمليات الاعتقال والترهيب التي تستهدف الصحفيين وأصحاب الرأي"، محملة في الوقت ذاته، جماعة الحوثي كامل المسئولية عن سلامة الصحفي ماجد زايد، الذي يعاني من مشاكل صحية. وطالبت النقابة بسرعة الإفراج عنه وعن الكاتب أوراس الارياني المختطف منذ مساء الأمس أيضا، وجميع الصحفيين المختطفين.

كما جددت النقابة مطالبتها بالإفراج عن تسعة صحفيين آخرين لا يزالون رهن الاعتقال التعسفي لدى جماعة الحوثي في صنعاء منذ سنوات، بينهم: محمد المياحي المختطف منذ سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وليد غالب، نائب رئيس فرع النقابة بالحديدة، المعتقل منذ مايو/أيار الماضي، ضمن حملة طالت عددا من الصحفيين والإعلاميين وهم الصحفي حسن زياد والمصورين عبدالجبار زياد وعبدالعزيز النوم، والناشطين الإعلاميين عاصم محمد وعبدالمجيد الزيلعي.

كما طالبت النقابة بالإفراج عن الصحفي ناصح شاكر، المعتقل في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

ودعت نقابة الصحفيين اليمنيين كافة المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للصحفيين و اتحاد الصحفيين العرب، إلى مواصلة جهود التضامن والضغط لإطلاق سراح جميع الصحفيين في اليمن، ووقف الانتهاكات المستمرة بحقهم.

97 مختطفا في إب
ومنذ ثلاثة أشهر، نفذ الحوثيون حملة اختطافات واسعة ضد قيادات وناشطين سياسيين محسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح في عدد من المناطق، كانت محافظة إب وسط اليمن، الأكثر نصيبا بهذه الحملة.

وأظهرت تقارير حقوقية أن الحوثيين اختطفوا 97 شخصا خلال  الشهرين الماضيين، 63 تربويا (معلمين، إداريين)، و12 استاذا جامعيا، و10موظفين حكوميين وقطاع خاص، و3محامين، و 3 أعمال حرة، وطبيب وحيد.

وفي منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، هاجم زعيم حزب الإصلاح اليمني، محمد اليدومي جماعة الحوثيين على خلفية حملة الاعتقالات التي شنتها الجماعة بحق قيادات وكوادر الحزب في مناطق سيطرتها.

 وقال اليدومي في خطاب له بالذكرى السنوية لتأسيس الحزب،  إن حملة الاعتقالات الظالمة التي طالت العديد من أبناء الشعب اليمني البطل في محافظات إب وصنعاء وصعدة والضالع والبيضاء (وسط وجنوب وشمال البلاد) وغيرها من المحافظات، تأتي ضمن مساعيها كسر إرادة أبناء الشعب اليمني العظيم.


ترهيب وتفريغ المجتمع
وفي السياق، قال رئيس منظمة "سام" لحقوق الإنسان، توفيق الحميدي، إن الحملات التي تشنها جماعة الحوثي تتكرر موسميا ، وتتحرك مكانيا، فلم تترك محافظة أو مديرية إلا وعانت من هذه الممارسات خاصة في الأشهر الأخيرة.

وأضاف الحميدي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذه الحملات تكشف عن "نهج منظم يستهدف لترهيب  المجال العام وتفريغه من أي أصوات مستقلة أو معارضة".

ففي العام الماضي اعتقل الصحفي محمد المياحي وأكثر من ألف شخص بسبب احتفالهم بعيد سبتمبر.

وأشار رئيس منظمة سام لحقوق الإنسان إلى أن هذه الحملة تتكرر اليوم في محافظات إب وصنعاء، حيث اعتقل أوراس الأرياني وماجد زايد واليوم الخميس، المحامي الشهير عبدالمجيد صبرة، وسابقا شملت موظفين في منظمات إغاثية دولية ومحلية، ثم صحفيين ومحامين، "في مشهد يعكس تصعيد خطير وسياسية فرض الإرهاب المجتمعي  ضد الحريات الأساسية".

وبحسب الحقوقي اليمني فإن هذه السياسة تستهدف "البنية المدنية للمجتمع "، مؤكدا أن استهداف العاملين في المجال الإغاثي يعرّض حياة ملايين اليمنيين للخطر، لأن تلك المنظمات تمثل شريان أساسي للغذاء والدواء والخدمات.

وقال إن اعتقال الصحفيون لا تعدو عن كونها "محاولة واضحة لإسكات الشهود ومنع نقل الحقيقة"، فيما يشكل "استهداف المحامين ضربة لآخر خطوط الدفاع عن الحقوق والعدالة".

وأوضح المتحدث ذاته، أن هذه الاعتقالات تدار غالبا بعيدا عن أي إجراءات قضائية، ضمن سياق الإخفاء القسري والتعذيب والابتزاز، ما يضاعف الانتهاك ويجعل الضحايا وأسرهم في دائرة ألم مفتوحة.

وقال الحميدي أيضا، "إنها سياسة ممنهجة لإعادة تشكيل المجتمع تحت سطوة الخوف، وتكريس سلطة الأمر الواقع عبر قمع كل مساحات الحرية والكرامة"، على حد قوله.

ونهاية أغسطس/ آب الفائت، اعتقلت جماعة الحوثي موظفين وعاملين في منظمات أممية بعد اقتحام مكاتب ومقار تابعة لها في صنعاء ومحافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

وجاءت الحملة الحوثية بعد يوم من إعلان الجماعة استشهاد رئيس الحكومة التابعة له) وعدد من الوزراء في عدوان إسرائيلي أواخر الشهر الماضي.

وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ حينها، في بيان له، "اعتقال ما لا يقل عن 11 موظفا من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء والحديدة من قبل الحوثيين".

فيما بررت جماعة الحوثي حملة الاعتقالات التي طالت موظفي الأمم المتحدة في صنعاء والحديدة بأنها قانونية"، وقالت إن الحملة استهدفت خلايا تجسس.

وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية في الحكومة التابعة للحوثيين، استنكرت إدانة الأمم المتحدة اعتقال 19 من موظفيها، وقالت إن الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإقليمية سارعت لإصدار بيانات لإدانة "الإجراءات القانونية" التي اتخذت بحق "خلايا التجسس" التي شاركت في جرائم ومنها جريمة استهداف رئيس وأعضاء الحكومة  في حين لاذت بالصمت المريب ولم تدن تلك الجريمة .